حواراتمانشيت

بدران جيا كرد: نحن لسنا مع تصعيدٍ عسكري على خلفية صراعاتٍ دولية وإقليمية

منذ تحرير مدينة الرقة من تنظيم داعش على يد قوات سوريا الديمقراطية سعى مجلس سوريا الديمقراطية لفتح أبواب المفاوضات مع النظام السوري وكافة الأطراف السورية الأخرى, ولكن بسبب المواقف المتزمتة لبعض الأطراف وتبعية أطراف أخرى لجهات خارجية والعمل بحسب الأجندات الخارجية لم يتم تحقيق أي تقدم, فبعد تحرير ثلث مساحة سوريا من الإرهاب, وإطلاق مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية الذي أثبت انه الحل الوحيد لجمع مكونات الشعب السوري تحت مظلة العدالة والمساواة والديمقراطية, هذا المشروع الذي تبناه خمسة ملايين مواطن سوري تقريباً في هذه المنطقة, والذي كان نتاج تضحيات حوالي 12 ألف شهيد, بات الاعتراف الرسمي بالإدارة الذاتية واللامركزية الديمقراطية من ثوابت أية مفاوضات بين مجلس سوريا الديمقراطية وحكومة دمشق.

وبعد الهجوم التركي الأخير على شرق الفرات باستخدام الإرهابيين واحتلال مدينتي سري كانيه وكري سبي, برعاية روسية انبثق تفاهم عسكري بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري على مبدأ الدفاع عن سوريا وسيادتها ضد الاحتلال التركي, والذي بموجبه تنتشر قوات حرس الحدود التابعة للجيش السوري على الشريط الحدودي بشرق الفرات, وبذلك اعتقد البعض أن عجلة المفاوضات السياسية بين الإدارة الذاتية الديمقراطية وحكومة دمشق ستنطلق لا محالة, ولكن تقريب الرؤى ووجهات النظر بين الطرفين هي الأسس الرئيسية لانطلاق التفاوض الحقيقي, ولا بد أن يتخلى النظام عن ذهنيته القديمة (ما قبل 2011) التي كانت السبب في تفاقم الأزمة السورية, والانفتاح والإقرار بتنوع مكونات الشعب السوري, والاعتراف بحقوقها الكاملة.

ولأن النظام السوري متمسك بذهنيته القديمة ولا يريد التخلي عنها, فقد فتحت دمشق 3 خطوط مع مناطق شمال وشرق سوريا وإدارتها الذاتية.

الخط الأول: توقيع مذكرة تفاهم قوات سوريا الديمقراطية وروسيا  والقاضية بنشر قوات حرس الحدود السورية شرق الفرات على حدود سوريا مع تركيا عدا خط( سري كانيه –كري سبي), بالإضافة إلى استمرار اللقاءات العسكرية لتسيير دوريات وإقامة نقاط مراقبة في مناطق  مهمة وقرب الطريق الدولية بين الحسكة وحلب, وتأجيل البحث السياسي في مستقبل الإدارة الذاتية.

الثاني: دمشق تراهن على إمكانية تفكيك قوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا، واللعب على الوتر الطائفي(العربي – الكردي)، واستثمار شعور كثيرين بـ(خيانة أميركية) وأن الوجود الأميركي ليس دائماً في المنطقة, ولكن هذا الخيار أثبت فشله, لأن الاحتلال التركي راهن على تفكك قوات سوريا الديمقراطية خلال عمليته العسكرية الأخيرة(نبع السلام), معولاً على الصراع العربي الكردي ضمن هذه القوات, ولكن التضحيات والمقاومة العربية أثبتتا مدى قوة مشروع الأمة الديمقراطية.

  الثالث: اختبار استئناف دمشق المفاوضات مع مكونات الإدارة الذاتية كل على حدى، والتي تضم أحزاباً كردية وعربية وسريانية آشورية، بعد فشل جولتين سابقتين عقدتا في دمشق, وباءتا بالفشل لأسباب عدة بينها رفض دمشق الضمني التحاور مع كيان الإدارة الذاتية، والخلاف حول الفرق بين الإدارة الذاتية والإدارة المحلية, وقد تم عقد حوارات بين أحزاب سياسية مرخصة في دمشق وأخرى تنضوي تحت سقف مجلس سوريا الديمقراطية في قامشلو, ومن الواضح أن دمشق تميل إلى محاورة كل حزب على حدى لأسباب عدة, منها خفض سقف التوقعات من الأطراف الأخرى وعدم الاعتراف بشرعية الإدارة الذاتية, ومحاولة النظام زرع بذور لتفكيك الإدارة الذاتية على مبدأ(فرق تسد), ولكن هذا الخيار أيضاً فاشل لأن التضحيات كانت من الجميع, والمصير مشترك والانتصار أو الهزيمة تشمل جميع تلك الأحزاب.

ومن أجل تسليط الضوء على آفاق الحل السوري, وإمكانية انطلاق عجلة المفاوضات بين الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والنظام السوري في المستقبل, والأسس والمبادئ التي سترتكز عليها هذه العملية, والدور الروسي في ذلك, وأهمية وحدة الصف الكردي في سوريا, التقت صحيفة الاتحاد الديمقراطي مع نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا (بدران جيا كرد), وأجرت معه حواراً على الشكل التالي:

بعد التوافق العسكري بين قوات سوريا الديمقراطية وروسيا والمتضمن انتشار قوات حرس الحدود السورية على الشريط الحدودي بين تركيا وشرق الفرات, هل هناك بوادر لانطلاق عملية التفاوض السياسي بين الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والحكومة السورية؟

يعلم الجميع أن التوافق العسكري الحاصل بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري وبرعاية روسية يقضي بنشر قوات حرس الحدود السورية على الحدود السورية التركية شرق الفرات, وقد نُفذت خطوات جيدة بهذا الصدد, ولكن من الناحية السياسية إلى الآن لم يتم إحراز أي تقدم بيننا وبين النظام السوري, ومن المقرر أن روسيا هي التي ستلعب دور الضامن والوسيط بين الطرفين, ونحن في الإدارة الذاتية أجرينا نقاشات مع روسيا حول التفاوض مع النظام وأسس ومبادئ التفاوض وما هي مطالبنا, وروسيا أعلمتنا بأنها ستناقش ذلك مع النظام السوري في دمشق, وستستمع إلى آراء النظام ورده على مطالبنا, من أجل خلق الظروف لعقد لقاءات حقيقية وجدية بين الإدارة الذاتية وحكومة دمشق, ولكن حتى الآن لم يتم إحراز أي تقدم بهذا الخصوص, لأن حكومة دمشق لا تمتلك مشروعاً سياسياً ورؤية سياسية في أية مفاوضات مع الإدارة الذاتية, وبالأساس ترفض فكرة التفاوض مع الإدارة الذاتية, وتريد الجلوس مع الأحزاب الكردية كل على حدى, ومعرفة مطالب تلك الأحزاب كما قبل اندلاع الأحداث في سوريا, وهذا أمر مرفوض من قبلنا فهناك إدارة ذاتية تمثل جميع أحزاب ومكونات المنطقة ذات تجربة منذ سنوات, وهناك قوة عسكرية والكثير من المكتسبات, ومن غير الممكن أن يبدأ كل شيء من الصفر وتعود مؤسسات النظام الأمنية إلى المنطقة ويحكم النظام السيطرة عليها كما قبل  2011 , ويتوضح لنا بأن تفكير النظام ما زال كلاسيكياً وقديماً ويعتقد بأن الحل الأمني هو الذي سيحل جميع المشاكل, وهو غير منفتح سياسياً للحوار وطريقته التفاوضية تتمثل بعودة المؤسسات الأمنية والجيش إلى مناطقنا, ونحن كإدارة ذاتية ديمقراطية من غير الممكن أن نتفاوض على هذا الأساس, وإنما نسعى إلى مفاوضات سياسية جدية تفضي إلى حلول حقيقية في المنطقة, ونحن كذلك مستعدون للعب دور من أجل حل الأزمة السورية ككل.

هناك بعض الأطراف تحاول إفشال أي تقارب بيننا وبين النظام السوري

كما أشار جيا كرد إلى أن روسيا أبدت بأنها ستلعب دور الضامن والوسيط بيننا وبين النظام السوري, وقال:

روسيا تريد أن يحصل هناك تقارب بين الإدارة الذاتية وحكومة دمشق, ولكن ليس لديها تصور لأي حل سياسي أو مشروع تعرضه على حكومة دمشق, وكذلك تحاول أن تقنعنا بالإقدام على بعض الخطوات التي تصب في مصلحة حكومة دمشق وتقويها, ولكننا مصرون على الدفاع عن  مكتسباتنا, ونعتقد بأن هناك بعض الأطراف التي تحاول إفشال أي تقارب بيننا وبين النظام السوري كتركيا وإيران, وذلك بممارسة الضغوطات على روسيا لعرقلة أي تقدم في أية مفاوضات بيننا وبين النظام من جهة, وتحريض النظام السوري على الإدارة الذاتية من جهة أخرى.

كما نوه جيا كرد إلى أن المتغيرات الحالية قد تفضي إلى حصول تغيير في المواقف, حيث قال:

نعتقد أن المتغيرات والمستجدات الحالية قد تؤدي إلى انطلاق حوار بيننا وبين حكومة دمشق, فقد أجرينا لقاءات مع الروس وهم يجرون نقاشات في دمشق لمحاولة إحداث نوع من التقارب, كي تنطلق المفاوضات السياسية بيننا في المستقبل.

بتصورك إذا اتُّخذ قرار بدء المفاوضات السياسية بين الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا وحكومة دمشق, ماهي الخطوة الأولى  أو المسألة التي سيتم التفاوض عليها أولاً؟

المفاوضات السياسية إذا بدأت ستكون طويلة, ولن  يتم إيجاد الحلول وإحداث التقارب بلقاء أو لقاءين, فهناك العديد من المشاكل الأساسية في مناطقنا مع النظام يجب أن يتم حلها عن طريق اتفاق معه, كبقاء الإدارة الذاتية والحفاظ على خصوصية قوات سوريا الديمقراطية بشكلها الحالي والمسائل الاقتصادية وغيرها من الأمور الهامة التي يجب الاتفاق عليها, وبدون ذلك ستكون المفاوضات صعبة وطويلة, ولكن لكي ينجح التفاوض ويستمر يجب قيام النظام بإجراءات لمنح الثقة مثل تغيير الخطاب الإعلامي للنظام, الذي يروج لوصف الإدارة الذاتية بالخيانة والتبعية لأمريكا والانفصال عن سوريا, وكذلك هناك مسألة المعتقلين لدى النظام التي يجب حلها, وذلك بإطلاق سراح المئات من أبناء مناطقنا الذين تم اتهامهم زوراً بالإرهاب, ومثل هذه الخطوات ستظهر بأن لدى النظام نية صادقة للتفاوض, وستفتح الأبواب من أجل مناقشة الأمور والمسائل الهامة الأخرى, وسينتج عن ذلك خارطة وخطة من أجل مناقشتها كلّ على حدى.

الوفد الحزبي القادم من دمشق والذي التقى بممثلي بعض أحزاب الإدارة الذاتية الديمقراطية في قامشلو منذ فترة صدرت عن بعض أعضائه عدم جاهزية كل من النظام والإدارة الذاتية للتفاوض, ماذا تقول بخصوص ذلك؟

نحن كإدارة ذاتية جاهزون للحوار وقد أعلنا ذلك مراراً, وجرت عدة لقاءات بيننا وبين النظام, وليس لدينا أية عوائق لبدء المفاوضات مع حكومة دمشق, وإرادتنا ومطلبنا هي التفاوض, ولكن أي تفاوض يجب أن يستند على مبادئ وأسس, فإذا كان النظام يريد تفاوضاً على مبدأ الاستسلام والمصالحات كما في درعا وحمص وحلب مع المجموعات العسكرية المعارضة فنحن نرفض هذا التفاوض, ونريد تفاوضاً على أساس مراعاة خصوصية المنطقة والحفاظ على خصوصية قوات سوريا الديمقراطية وحقوق مكونات وشعوب المنطقة, وكل ذلك يحصل من خلال تغيير الدستور السوري, والنظام يرفض تغيير الدستور على هذا الأساس وعدم القبول بخصوصية المنطقة ولا يقبل بالتغيير, ويريد العودة بالشعب السوري إلى ما قبل 2011, ولكن بعد 9سنوات من الأزمة السورية حصلت الكثير من المتغيرات على الأرض ويجب الأخذ بها  من قبل النظام, ورغم ذلك فإن النظام ما زال مصراً على رؤيته وذهنيته ولذلك المسألة تتعقد لديه أكثر.

بعد مبادرة الجنرال مظلوم عبدي التي أطلقها لتوحيد الصف الكردي, أيهما أفضل, تشكيل منصة كردية موحدة في أية مفاوضات سورية, أم الانضمام إلى منصات المعارضة السورية كمنصة القاهرة؟

نحن في الإدارة الذاتية الديمقراطية نؤيد أية مبادرة من أجل حل الأزمة السورية, ومستعدون للانضمام إليها سواء كانت جنيف أو لجنة صياغة الدستور أو الانضمام إلى منصة القاهرة أو الرياض أو موسكو, وتأييدنا يتمثل في إشراكنا كممثلي الإدارة الذاتية ومكونات وشعوب شمال وشرق سوريا, وبدون ذلك لن نعترف بمخرجاتها.

وأضاف جيا كرد: وحدة الصف الكردي مهمة جداً في هذه المرحلة, فالرؤية السياسية الموحدة للكرد في أية مبادرة لحل الأزمة السورية سيكون لها وزنها, وتعدد وتشتت الرؤى الكردية في الحل السياسي للأزمة السورية سيضعف الموقف الكردي ولن يحقق طموحات الشعب الكردي في سوريا, ولذلك نحن نؤيد مبادرة قوات سوريا الديمقراطية لتوحيد الصف الكردي, وقد قامت الإدارة الذاتية باتخاذ الإجراءات الإدارية الضرورية من أجل خلق الثقة لإنجاح هذه المبادرة, كفتح المكاتب السياسية للأحزاب ودراسة أوضاع المعتقلين وتشكيل لجان بخصوص ذلك لتسوية أوضاعهم, وإسقاط الدعوات القضائية بحق بعض الشخصيات, والأمور الأخرى التي طالب بها المجلس الوطني الكردي, وإزالة كافة العقبات التي تعرقل وحدة الصف الكردي السوري, ونحن مستعدون لفعل كل ما يتطلب من أجل إنجاح ذلك.

وتابع جيا كرد:

بالنسبة لحل الأزمة السورية فذلك يتطلب الكثير من الوقت وما زال الحديث عنها مبكراً, وخاصةً بعد الأحداث الحاصلة مؤخراً والتي ستزيد من التصعيد وستجعل الأمور تتوجه نحو الأسوأ في المنطقة, فمقتل قاسم سليماني ومن معه سيوتر الأمور بين إسرائيل -إيران وأمريكا -إيران, وذلك سيؤثر على سوريا والعراق ولبنان, والمنطقة ستكون معرضة للاشتعال وستندلع حروب جديدة, ونحن كإدارة ذاتية لا نتمنى التصعيد العسكري بين أي طرفين وإنما الاعتماد على سياسة التحاور كأساس لحل المشاكل بين الأطراف.

واختتم جيا كرد حديثه بالقول:

نحن نؤيد أية مبادرة وخطوة لحل الأزمة السورية سواء في القاهرة أو موسكو أو جنيف شرط أن يكون الحل عادلاً ديمقراطياً وبمشاركة جميع أطياف ومكونات الشعب السوري وبقرار سوري دون إملاءات خارجية.

زر الذهاب إلى الأعلى