حواراتمانشيت

باحث في العلاقات الدولية: التدخل التركي العسكري في شمال سوريا يخلق تداعيات مكلفة سياسياً وعسكرياً

ــ تحذير وزير الخارجية الأمريكي بومبيو لنظيره التركي جاويش أوغلو  واضحٌ وصريح بأن التدخل التركي العسكري في شمال سوريا سيشكل خطورة بالغة على المنطقة.

ــ الأحداث والمتغيرات الميدانية في المشهد السياسي تتسارع بتراجع النفوذ التركي القسري في تركيا وتقدم الجيش السوري على حساب القوات والفصائل المدعومة من تركيا، يزيد من أزمة  الموقف التركي في سوريا، إثر دعم الولايات المتحدة الأمريكية لقوات قسد.

ــ التداعيات المرتقبة لتقاطع المصالح وتناقضها بين الولايات المتحدة وكافة الأطراف الفاعلين الدوليين في الأزمة السورية هي بالمطلق مرتبطة بالمطلوب من تركيا في الاختيار بين الشراكة مع حلف الناتو أو الإقدام على شراء منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية (اس 400) هذا يؤكد على حجم  التوتر في العلاقات الأمريكية التركية بسبب ملفات ساخنة تخص الأزمة السورية.

أوضح الباحث في العلاقات الدولية ومدير مركز الاستشارات في جامعة مؤته بالأردن الدكتور إياد المجالي ذلك خلال حوار مع الموقع الالكتروني لحزب الاتحاد الديمقراطي.  

إليكم نص الحوار الكامل مع الدكتور إياد المجالي:

– العلاقات القائمة بين تركيا وروسيا وكذلك تركيا وأمريكا هل هي قائمة على الاتفاق والتناقض في ذات الآن؟ وما مستقبل علاقة تركيا بكلتا القوتين في ظل العداء الذي تكنه كل قوة للأخرى لا سيما بعد التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية في حال لم تبطل اتفاقية صواريخ اس-400؟

لا شك أن المتغيرات الدولية التي شهدتها أغلب دول الإقليم في السنوات الثماني الأخيرة, قد أفرزت ملامح المشهد السياسي وتداعياته وتحديداً في سوريا، في حين تظهر المؤشرات للخطوات التي اتخذتها روسيا في إدارتها للأزمة السورية بالتعامل الحذر مع كافة الأطراف وخصوصاً تركيا، وبالنظر لآليات تحديد التقارب كان السعي إليه دون الخلل بالمعادلات الجيوسياسية فهي بسياقها التاريخي علاقات ترتكز على خلافات عميقة حول العديد من القضايا, أهمها التنافس على نقل بترول آسيا الوسطى وبحر قزوين والموقف من النزاع حول منطقة كارباخ واذربيجان وأرمينيا، بالإضافة إلى تقاطع المصالح والمواقف من الأزمة السورية بين الدولتين, بينما يمثل الجانب الاقتصادي في العلاقة التركية الروسية حجر الزاوية في مسار التقارب والتباعد بينهما حيث تعد روسيا أكبر شريك تجاري تركي ومما يعطي العلاقة شكلاً براغماتياً سياسياً مؤثر بمواقف كلتا الدولتين إزاء بعض القضايا ودون أن يؤثر في مجمل التطور القائم في العلاقات المجزومة بحقائق جغرافية وأجواء من عدم الثقة القائمة منذ عقود, هذا يؤكده سعي موسكو وأنقره لأداء دور كبير في النظام العالمي بعد وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا بعد 2002م, في ضوء هذا التوصيف لجذور العلاقة الروسية التركية وتناقضاتها, يبدو أن أثر العلاقة الروسية الأمريكية على مستقبل علاقة تركيا بكلتا القوتين الدوليتين قد أخذت أشكالاً عديدة, تمثلت بزوال التناقض الايديولوجي بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وتحول العلاقة بينهما بعد الصراع والتنافس إلى الشراكة الاستراتيجية واحتواء الخلافات في العديد من الملفات, ورغم الصعوبات التي شكلت تحدياَ للعلاقات الروسية الأمريكية أبرزها إعلان واشنطن عام 2007م إقامة الدرع المضاد للصواريخ واعتراض موسكو عليه باعتباره تهديداً مباشراً لأمنها القومي فقد شكل هذا التحدي إعادة النظام العالمي إلى أجواء الحرب الباردة بين قطبي القوتين العُظميين, بينما شكل وصول الرئيس ترامب للبيت الأبيض تحولاً تكتيكياً للسياسة الخارجية الأمريكية وخاصة تجاه روسيا بشكل خاص حتى باتت سمة التقارب بينهما في أغلب المواقف من القضايا الدولية والاقليمية, حتى الخلافات بينهما أخذ شكلاً أعمق بعد أن عادت روسيا قوة كبرى فاعلة ومؤثرة على الساحتين الدولية والاقليمية, فروسيا تطمح لحماية مصالحها وأمنها القومي بمفهومه الواسع ولا تطمح لمزاحمة الولايات المتحدة، وأبرز مؤشرات هذا الدور يظهر في الأزمة السورية ونوع العلاقات التي تشابكت وتقاطعت مع حلف شنغهاي (روسيا – الصين – ايران – سوريا) بمواجهة الأحادية القطبية التي تمثلها أمريكا وتسعى من خلالها التفرد بدور قيادي للعالم ورفض القبول بتعدد القوى الذي تدعمه روسيا وحلفائها, في حين يشكل مستقبل علاقة تركيا بكلتا القوتين في ظل هذه العلاقة شكلاً من الغموض والتناقض لعلاقتها مع أطراف الصراع على الأرض السورية مما يعكس مفهوم حرب الإنابة التي عصفت بسوريا ودمرت منجزاتها وشردت شعبها بعد أن ارتوت أرضها بدماء أبنائها من المدنيين والعسكريين بمواجهة قوات مدعومة من دول اقليمية ودولية على نسق هذا الصراع لتحقيق مصالح كل طرف على حساب الشعب السوري ونظامه السياسي الحاكم, فتركيا تُعد الراعي التاريخي والسياسي والثقافي لتركمان سوريا المتمركزين شمال سوريا وتدخل تركيا في الأحداث والوقائع السياسية والعسكرية الميدانية تعد مسوغ تركي السياسي باعتبارها حاضنة اقليمية وجارة تؤيد الطرف المعارض للحكومة السورية وحيث أن صانع القرار السياسي التركي المؤدلج عقائدياً بتيار الاسلام السياسي والاخوان المسلمين ينطلق بدوره هذا من أهمية سوريا الاستراتيجية لحفظ أمن تركيا وحماية مصالحها والمحافظة على توازن القوى في المنطقة وخاصة بعد توسع نفوذ تنظيم الدولة الاسلامية داعش وتفاعل القوات المتحالفة مع الحكومة السورية من حزب الله وقوات الحرس الثوري الايراني وقطاعات واسعة من الجيش الروسي وقواتها الجوية لتدعم حكومة سوريا وجيشها في مواجهة التحديات الخطيرة التي عصفت بالبلاد والتي كانت تسعى لإسقاط نظام الرئيس بشار، تتضح الصورة الموضوعية لعلاقات تركيا مع القوى العظمى في المنطقة من خلال التهديد الذي وجهه وزير الخارجية الأمريكي بومبيو لنظيره التركي جاويش أوغلو في واشنطن قبل أيام حول خطورة تدخل الجيش التركي في شمال سوريا بشكل أحادي وأن تداعيات ذلك ستكون في منتهى الخطورة كون الولايات المتحدة تدعم التفاوض والحوار بين الأطراف كافة, والتي ترفضها تركيا بطبيعة الحال لأنها تعتقد أن قيام كيان سياسي في شمال سوريا هو تهديد مباشر لأمنها القومي, يبدو أن التداعيات المرتقبة لتقاطع المصالح وتناقضها بين الولايات المتحدة وكافة الأطراف الفاعلين الدوليين في الأزمة السورية هي بالمطلق مرتبطة بالمطلوب من تركيا في الاختيار بين الشراكة مع حلف الناتو أو الإقدام على شراء منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية (اس 400) هذا يؤكد على حجم  التوتر في العلاقات الأمريكية التركية بسبب ملفات ساخنة تخص الأزمة السورية والفصائل التي تدعمها تركيا على الأرض السورية.

– على مدار ثماني سنوات من عمر الأزمة السورية وتركيا لها دورها المحوري في تعميق هذه الأزمة، فما المنفعة التي جنتها وتجنيها من ذلك؟ لا سيما وأننا مدركون أن في السياسة لولا المصلحة والمنفعة لا يتم الدخول في حروب لا طائل منها، وهل لتركيا الحق في اقتطاع أراضي من جارتها سوريا مثل (جرابلس، الباب، إعزاز ،عفرين)؟

في مواقف معلنة وأخرى مخفيه تفاعلت السلطات التركية مع الأزمة السورية بشكل جعلها تقف مع محور دعم المعارضة والفصائل المسلحة في سوريا لمواجهة قوات الجيش السوري بمسوغ أن وحدات حماية الشعب والمرأة يشكلون تهديداً أمنياً كبيراً للأمن القومي التركي, خاصة وأن (وحدات حماية الشعب) تُتهم من قبل السلطات التركية بأنها امتداد لحزب العمال الكردستاني PKK، ونظراً للتقارب الجغرافي بين مناطق انتشارهم باتت تركيا تخشى من سيطرتهم على مناطق حدودية وإقامة مناطق حكم ذاتي داخل الأراضي التركية بدعم أمريكي, فقد يتضح للمتابع أن الاشتباكات قد تركزت في المناطق التي تخطط أنقره إقامة منطقة عازلة فيها, في حين تسعى وحدات حماية الشعب إلى التقدم لغرب الفرات للسيطرة على مناطق ومدن أكثر حيوية سبق وكان يسيطر عليها تنظيم داعش الارهابي وبالتالي تعزل هذه المناطق نفوذ تركيا فيها وتبعدها عن التأثير التركي المباشر, يبدو المشهد السياسي بهذا الجانب تتسارع فيه الأحداث والمتغيرات الميدانية بتراجع النفوذ التركي القسري في سوريا وتقدم ملحوظ للجيش السوري على حساب القوات والفصائل المدعومة من تركيا، مما يزيد من أزمة  الموقف التركي في سوريا جاء على إثر دعم الولايات المتحدة الأمريكية لقوات قسد ودعمها المباشر في تحرير شمال سوريا من تنظيم داعش والفصائل المدعومة إقليمياً بغطاء ديني سياسي, هذا المتغير وفر الظروف الملائمة لقوات سوريا الديمقراطية للبقاء ضمن المناطق المحررة من داعش وضمها إلى الإدارة الذاتية في شمال سوريا، لذلك تسعى تركيا إلى محاولة حشد الرأي العام لتوصيف حزب الاتحاد الديمقراطي ضمن قائمة المنظمات الإرهابية.

– ما رأيكم حول فتح قنوات الحوار بين النظام السوري والإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا التي ساهمت بفعالية في القضاء على داعش الإرهابي على يد قسد والتي تضم مجموعة الفصائل العربية والكردية والسريانية؟

رغم الوساطة الروسية بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية التي بدأت عقب انسحاب القوات الأمريكية من سوريا, إلا أن الحكومة السورية رفضت جميع المقترحات التي قدمتها قسد كمحاولة من الإدارة الذاتية في شمال سوريا, هذا الواقع يشكل متغيراً خطيراً سيفسح المجال لتدخل عسكري تركي في المنطقة التي تخضع لنفوذ الإدارة الذاتية وسيجلب الدمار للمنطقة، لأن القوات التركية في حال تدخلت بشكل أحادي في مواجهة قوات سوريا الديمقراطية سيزيد من حالة عدم الاستقرار ويخلق تداعيات مكلفة سياسياً وعسكرياً. كما أن تحذير وزير الخارجية الأمريكي بومبيو الذي أكد بتحذير صريح لنظيرة التركي جاويش أوغلو أن التدخل التركي العسكري في شمال سوريا سيشكل خطورة بالغة على المنطقة برمتها خاصة وأنه أكد دعم الولايات المتحدة الأمريكية للتفاوض بين أطراف النزاع.

– عن مصير الآلاف من معتقلي داعش جراء المعارك والذين تم إجلاءهم في آخر جيب للتنظيم في دير الزور ما رأيكم؟ وهل تعتبرون إجراء محكمة دولية لهؤلاء في مكان اعتقالهم أفضل السبل للتخلص من خطرهم بعدما أحصت إحدى الصحف الغربية أن الخلايا النائمة لهذا التنظيم قامت بــ (56) عملية إرهابية في غضون (48) ساعة؟

واجه دول عدة مشكلة عودة مواطنيها الجهاديين الذين قاتلوا في سوريا والعراق مع إعلان السقوط الوشيك لتنظيم الدولة الإسلامية. وفي تغريدة له مساء السبت بالتزامن مع مداولات مؤتمر الأمن العالمي في ميونيخ الذي شارك فيه نائبه مايك بنس، دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب الدول الأوروبية وخصوصاً بريطانيا، إلى إعادة ومحاكمة مواطنيها الجهاديين المعتقلين في سوريا، مهدداً بأن الولايات المتحدة قد تضطر “للإفراج عنهم”

وتحتجز قوات سوريا الديمقراطية في سوريا المئات من الجهاديين الأجانب، يبلغ عددهم نحو 800 وفق تقارير استخباراتية غربية، يضافون إلى النساء غير المقاتلات والأطفال. هذا إضافة إلى المقاتلين الأجانب ونسائهم المعتقلين في العراق والذين تحاكمهم السلطات القضائية العراقية.

يشار إلى أن قيادة قوات سوريا الديمقراطية قد رحبت بقرار ترامب ودعوته للدول الأوروبية بإعادة مقاتليها المعتقلين في سوريا، مشيرة إلى عدم قدرتها في تحمل مسؤولية هؤلاء لفترة طويلة، خصوصاً في حال هجوم تركي على مناطقهم.

زر الذهاب إلى الأعلى