الأخبارمانشيت

بأي قانون الكرد مبعدون عن موطنهم عفرين؟ بينما يأخذ لاجئو الغوطة موطنهم

يقول سكّان محلّيون في شمال غرب سوريا: إن المقار الرّئيسية الكرديّة الفارغة يستولي عليها المقاتلون المدعومون من تركيا ويعطونها لعائلات عربيّةٍ نازحةٍ.

وظهر خالد الحسن وعائلته على متن قافلةٍ من الحافلات البيضاء بعد سنواتٍ من الحصار والقصف في ضواحي دمشق الشّرقية في آذار وسافروا شمالاً, كانوا مجرّد عددٍ قليلٍ من الآلاف من الأشخاص الّذين تمّ إجلاؤهم من الغوطة بموجب اتّفاق استسلامٍ مع الحكومة السّوريّة.

وصل حسن والركّاب الآخرون في قافلته القادمة من قطّاع الغوطة الأوسط الشّرقي إلى مدينة إدلب الّتي يسيطر عليها المتمرّدون في 25 آذار، وهناك وجدوا مدينةً تحت القصف ومكتظّةٍ بالمدنيّين النّازحين, لذلك قام حسن عائلته بعد أسبوعٍ من وصوله إلى إدلب بالتّوجّه شمالاً إلى عفرين الهادئة نسبياً, حيث قال: تم استقبالنا استقبال الأبطال.

وتابع حسن البالغ من العمر 29 عاماً: إنّ صفوفاً من المنازل الشّاغرة كانت يُنتظر توزيعها مجاناً على المدنيّين النّازحين الهاربين من الدّمار الّذي أصاب الغوطة.

أخبره عضوٌ في مجموعةٍ محليّةٍ تابعةٍ للجّيش الحرّ: أنّ المنزل الّذي تختاره سيصبح الآن ملكك, ومع ذلك فإنّ العرض المزعوم لم يكن بادرةً بريئةً من الأعمال الخيريّة, لأنّ أصحاب المنازل الحقيقيّون لم يتركوها طواعيةً, إنّها كانت غنائم الحرب كما يردّد العسكريّون, وهي ممتلكات للكرد الّذين نزحوا من عفرين في الأشهر الأخيرة بسبب القصف الواسع النّطاق والقتال البرّي خلال عمليّة غصن الزّيتون المدعومة من تركيا.

ويقول حسن أنّه رفض عرضهم باحتلال منزلٍ, ولا يريد أن يصبح شريكاً في نزوح شخصٍ آخر بعد أن جرّب شعور النّزوح بنفسه.

ومع ذلك تقول مصادر مدنيّة وعسكريّة في عفرين: إنّ العشرات من عائلات الغوطة الشّرقيّة الأخرى استوطنوا في تلك المنازل الشّاغرة.

وأدّى استيلاء الحكومة السّورية على الغوطة الشرقيّة في منتصف نيسان (أبريل) إلى نزوح آلافٍ من المشرّدين الجّدد إلى الشّمال الّذي تسيطر عليه المعارضة في سلسلةٍ من عمليّات الإجلاء.

وهناك تمّت إعادة توطين بعض النّازحين في المنازل الفارغة من السّكان الكرد الّذين فرّوا من عفرين في الأشهر الأخيرة قبل تقدّم القوّات التركيّة وقوّات ما يسمّى الجّيش السّوري الحرّ, وقد أخبر العديد من الشّهود في عفرين بالإضافة إلى مالكي المنازل الكرد النّازحين موقع ( سوريا مباشر) في الأيّام الأخيرة: بأنّ وحداتٍ سكنيّةٍ خاصّةٍ يتمّ الاستيلاء عليها وإعطاؤها من قبل الميليشيات المدعومة من تركيا إلى النّازحين العرب.

وأكّد قائد كتيبةٍ كرديّةٍ ضمن ما يسمى الجّيش الحرّ في عفرين والّذي تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويته حدوث عمليات الاستيلاء على المنازل وإعادة توزيعها على العائلات العربيّة هذا الشّهر.

حيث قال: نحن (العناصر الكرديّة في الجّيش الحرّ) نحاول العمل ضدّ هذا بكلّ طاقاتنا لكنّنا نشكّل الأقليّة ضمن هذه القوّات, لذلك صوتنا غير مسموع.

وأطلقت تركيا عملية ما يسمى (غصن الزّيتون) في كانون الثاني بالتّنسيق مع حوالي 25000 عنصر من المتمرّدين التّابعين لما يسمى الجّيش الحرّ بهدفٍ معلنٍ على حدّ زعمهم و هو القضاء على الإرهابيين في عفرين.

بعد شهورٍ من الاشتباكات والضّربات الجّويّة ونيران المدفعية الّتي تسبّبت في مقتل مئات المدنيّين وتدمير قرىً وتحطيم معظم البنية التّحتيّة في المنطقة احتلت القوّات المدعومة من تركيا على معظم عفرين.

بأي قانون؟

أكثر من 137000شخصٍ من سكّان عفرين لا يزالون نازحين خارج مدينتهم وقراهم نتيجةً للحملة العسكريّة التّركيّة, تاركين أحياءً بأكملها خاليةً, وآلاف المنازل غير محميّةٍ من النّهب والاستيلاء غير القانوني. وبحسب سارة كيالي (باحثة سورية في هيومن رايتس ووتش) الّتي قالت أن الكثير من هذه المنازل فارغة الآن, وكانت الأغلبيّة السّاحقة من السّكان كرداً, ومعظمهم يرفضون العيش تحت السّيطرة التّركيّة.

(محمد بالو) وهو أحد النازحين من عفرين خلال الحملة المدعومة من تركيا ويعيش الآن في هولير (أربيل) يقول: إنّ عائلته في عفرين تتحدّث معه بانتظام حول مصير شقته هناك.

في الأسبوع الماضي تلقّى بالو مكالمةً مفادها أنّ القفل على باب منزله كان مكسوراً, وانتقلت عائلةٌ من الغوطة الشّرقيّة للعيش في بيته الذي كلّف بناؤه معظم سنوات حياته, وقال بهذا الصدد: لقد عملت لسنواتٍ عديدةٍ لشراء شقّتي في عفرين, بل حتى حصلت على قرضٍ حتّى تمكنت من بناءها, والآن سكنته عائلةٌ أخرى وبدأت تعيش فيه, بأي قانون؟ لا أعرف.

وبعد فقدانه لمنزله من قبل عائلةٍ عربيّةٍ من الغوطة الشّرقيّة, يقول بالو: إنّه لا يعرف إن كان بإمكانه العودة إلى عفرين.

ويتابع: كان قراري بالخروج من مدينتي وعدم العودة إليها هو القرار الصائب, فأنا معروفٌ بمعارضتي لعمليّة غصن الزيتون ولتركيا.

عندما استولت القوّات السّوريّة المدعومة من تركيا والمؤتمرة بأمرها على مدينة عفرين في أواسط آذار، تميّزت ممارساتهم بالرّمزية العرقيّة والحقد على الكرد، حيث قاموا بتحطيم تمثال البطل الكردي الأسطوري (كاوا الحدّاد), ورفعوا العلم التّركي فوق مكانه المدمّر, ومنذ ذلك الحين شكّلت هذه الجماعات المسلحة نقاطاً للتفتيش على مداخل عفرين، ومنعت بعض الكرد النّازحين من العودة إلى عفرين, وقد أخبر العديد من الشّهود موقع (سوريا مباشر) في هذا الشهر أن فصائل الجّيش السّوري الحرّ تمنع عودة السكّان إلى منازلهم.

وقال لنا محمد شمس الدين وهو كرديٌّ كان قد نزح إلى (غازي عنتاب) في بداية الهجمات على عفرين: “في الآونة الأخيرة حاول أحد أصدقائي وابنه الدّخول إلى منطقةٍ تسيطر عليها تركيا, فلم يُسمح له بالدّخول إليها، لأنه كرديٌّ من عفرين, هذا ما قاله له الحرّاس”.

أما سمر الأفريني وهي كرديّةٌ مقيمةٌ في إقليم الجزيرة فقد روت قصّةً مماثلةً تقول: إن أفراد عائلتها لم يتمكّنوا من اجتياز نقاط التّفتيش والعودة إلى منازلهم في عفرين, فمجموعات درع الفرات أوقفتهم عن القيام بذلك, ومنعتهم من العودة.

وأثارت تقارير السّكان الّذين لم يُسمح لهم بالعودة إلى عفرين وسط استمرار سرقة المنازل وإعادة توزيع الممتلكات مخاوفاً من التّغيّير الدّيموغرافي, وإعادة إنتاج الذّكريات المريرة من تاريخ الشّعب الكردي المضّطرب في سوريا.

ففي عام 1962 أي قبل عامٍ من استيلاء حزب البعث على السّلطة في سوريا، جرّد إحصاءٌ قامت به السّلطات آنذاك آلاف الكرد من حقّ المواطنة, وأعاد تصنيفهم على أنّهم “أجانب”, ويُطلب منهم حمل بطاقاتٍ حمراء (مكتومي القيد) في جميع الأوقات, وهو وضعٌ من الدّرجة الثّانية لا يزال يؤثّر على نحو 300 ألف كرديٍّ.

 وعندما بدأت الثّورة السّوريّة قبل سبع سنوات, كانت التّحويلات السّكانيّة القسريّة أيضاً بمثابة إرثٍ لبشار الأسد من والده حافظ الّذي وطّن الآلاف من العائلات العربيّة على الأراضي الكرديّة المصادرة في السّبعينيات, كما وحظر تدريس الّلغة الكرديّة كجزءٍ من سياسة “التعريب”, وهذه السّياسات المتشابهة الّتي كانت تهدف إلى قمع الّلغة والحكم الذّاتي الكردي في الشّمال على الحدود في تركيا, والعديد منها مستمرٌ حتّى يومنا هذا.

“كلاهما عانى”

عندما استولت القوّات المدعومة من تركيا على عفرين, لم تعد المراكز القائمة للحكم والأمن في الإدارة الذاتيّة موجودةً, مما أدى إلى فراغٍ أمنيٍّ, حتّى أن الوزراء المتحمّسين في حزب العدالة والتّنمية التّابع لرجب طيب أردوغان يقرّون بضرورة إعادة الحكومة المدنيّة بسرعة إلى إقليم عفرين المحتلّ, ومع ذلك فقد أوقفت السّلطات التّركيّة خطوات تنفيذ هذا الانتقال على الأرض، خوفاً من صعود مناصري الإدارة الذاتية إلى السلطة.

إن تشكيل مجلسٍ محليٍّ مؤقّتٍ في عفرين يوم 26 أبريل وكُلف ببدء الانتقال السّياسي, واستعادة الخدمات الأساسيّة للأشهر السّتة المقبلة كان أوّل خطوةٍ ملموسةٍ نحو الحكومة المدنيّة, في حين تم انتخاب الممثّلين من قبل الشيوخ الموالين للمحّتلّ وتحت رعاية الاحتلال التركي, ويتكوّن المجلس الجّديد على حدّ زعمهم بالكامل من السّكان المحليّين, وحيث يتمثّل المكوّن الكردي الّذي يشكّل الأغلبيّة في الحقيقة بمقعدٍ واحدٍ في الهيئة المكوّنة من 20 عضواً.

يقول زاهر علي وهو عضوٌ في المجلس المحلي:

إن استيلاء القوّات غير الكرديّة على عفرين وانهيار السّلطة السياسيّة المحليّة ترك النازحين الكرد عرضة للإساءات والانتهاكات غير المقيّدة, وهو أمرٌ تمّ عرضه بشكلٍ كاملٍ الشّهر الماضي, مع نهب الجّماعات المسلّحة وبلا رحمةٍ منازل العائلات التي فرّت قبل تقدّمهم.

بعد انتهاء الأعمال العدائية وعندما قرر الكرد العودة إلى عفرين, واجهوا مقاومةً من النّظام السوري وما يسمى الجّيش الحر والقوّات التركية.

يقول علي لـ (سوريا مباشر): لقد تمّ إيقافنا في [نقاط التّفتيش], ولم يتمّ السّماح لمئات العائلات بالمرور والعودة إلى منازلهم.

وينسب علي هذه الإجراءات إلى مجموعات من ما يسمى بالجّيش الحرّ على الأرض, مضيفاً: أنّ العودة إلى الوضع الطّبيعي وسيادة القانون لا يمكن أن يبدأ إلا بالعودة الكاملة للسّلطة المدنيّة وإعادة تأسيس المؤسّسات المحليّة.

وتابع: يجب أن يكون هناك أسباب قضائيّةٌ لاستدعاء أولئك الّذين قاموا بانتهاكاتٍ أمنيّةٍ, وكذلك يجب أن يُحاسب المسؤولون عنها.

 كما يقول: إنّنا نطالب بانسحاب الفصائل المسلّحة والتّعجيل بتشكيل الشّرطة المدنيّة المكونة من أشخاصٍ من المنطقة.

أمّا مسؤول العلاقات العامّة في المجلس المحلّي المزعوم الّذي شكّله الاحتلال التّركي أزاد عثمان فيقول:

إن الحلّ العملي لاستيعاب العائلات القادمة من الغوطة الشّرقيّة يتطلّب على الأرجح التّعاون مع سلطات المتمرّدين في محافظة حلب المجاورة. ونقترح أن يجتمع القادة من المنطقتين لتنسيق استراتيجيّة لإدارة القادمين الجّدد, وحساب عدد أُسر الغوطة الموجودة حالياً.

وتابع: يجب أن يشكّلوا لجنةً أخرى لتوفير الإقامة لهذا العدد, والّتي يمكن تحديدها والاتّفاق عليها وتوزيعها سواءً في وسط المدينة أو في مناطق أخرى.

وأضاف عثمان: في عفرين من المرجّح أن تنمو المشكلات المتعلّقة بالنّزوح, حيث أن الحملات العسكريّة المستمرة من قبل الحكومة في أماكن أخرى من البلاد تجعل المدنيين يفرّون أو يتمّ إخلاؤهم إلى الشّمال.

ويقدر المجلس المحلي أن حوالي50000 شخصٍ وطّنوا عفرين من أجزاء أخرى من سوريا, ويتوقّعون زيادة هذه الأرقام في الأسابيع القادمة وسط تجدّد العنف, ومفاوضات الإخلاء في شمال حمص ومخيّم اليرموك, ومع نمو أعداد النّازحين يمكن أيضاً ممارسة الضّغط للاستفادة من آلاف المنازل الكرديّة الفارغة المتروكة في جميع أنحاء عفرين, ويجب إيجاد آليّةٍ للتّعامل مع هؤلاء النّازحين وعدم تحويلهم إلى مشاكل اجتماعيّة داخليّة.

المصدر: تقرير على موقع SYRIA DIRECT

زر الذهاب إلى الأعلى