مقالات

انتهاء الحقبة الترامبية ومآلات السياسة الأمريكية المرتقبة في سوريا ومحيطها

ياسر خلف

تشهد ساحات الشرق الأوسط تغيرات هامة على الصعد السياسية والتحالفات الدولية والتي بدورها ستكون لها تأثيرها المباشر على الشرق الأوسط بشكل خاص وسوريا على وجه التحديد وخاصة مع تغير الرئاسة والحكومة الأمريكية وانتقالها من الجمهوريين إلى الديمقراطيين وهنا ينبغي التنويه إلى أن التغيير سيطرأ على المدى المتوسط لحين مراجعة الاستراتيجيات والحسابات الأمريكية لمناطق النزاع في مختلف مناطق الشرق الأوسط والتي كانت لها انتكاسات سلبية سببتها الإدارة الامريكية السابقة بقيادة ترامب وخروجه عن الخط المألوف للسياسة الأمريكية المعهودة في قيادة العالم وإظهار أمريكا كقوة منصاعة لمن يدفع أكثر لشخص الرئيس لا لمن يحقق مصالح أمريكا كأمة وقوة تقود العالم، وهذه الفردية أو التفرد من قبل الرئيس السابق ترامب في الحكم واستخدام السلطات الممنوحة له وإصدار القرارات دون الرجوع الى مؤسسات الولايات المتحدة الامريكية العريقة والمعروفة بالكونغرس والبنتاغون ومجلس الشيوخ،  وقد تكون هذه النقطة تحديداً كانت أحد أهم الأسباب في خسارة ترامب وخاصة في ما يتعلق بقرار الانسحاب الفجائي من كلٍ من سوريا والعراق وأفغانستان نزولاً عند رغبة بعض الدكتاتوريات التي كانت تربطهم به مصالح ومنافع شخصية وهو ما بدا واضحاً آنذاك من استقالة أحد أهم الرموز الأمريكية كجيمس ماتيس وزير الدفاع  السابق بعد يوم من قرار الانسحاب من سوريا وجون بولتون المستشار السابق لترامب والذي بدوره أيضاً ألف كتاباً فضح فيه السياسات الترامبية وكيفية استغلال القيم الامريكية لمصالحه الشخصية وخاصة علاقاته المشبوهة مع اردوغان وكذلك استقالة المبعوث الأمريكي السابق بريك ماكفورك احتجاجاً على قرار ترامب الانسحاب وترك حلفائه قوات سوريا الديمقراطية وجهاً لوجه أمام العدوان التركي الغاشم لشمال وشرق سوريا.

إن الهدف من هذه المراجعة السريعة للحقبة الترامبية هو تحليل الوقائع والمستجدات السياسية التي من المحتمل أن تطرأ على السياسة الخارجية الأمريكية وخاصة في ظل أجواء التوترات العميقة التي سببتها سياسات ترامب وعلاقته المشؤومة مع اردوغان في عموم منطقة الشرق الأوسط وما يمكن أن تجرَّ معها من تغيرات قد تسير بما لا تشتهيه مخططات اردوغان وحزبه وهو ما بات يلتمسه اردوغان وبدء فعلياَ من تغير بعض رموز نظامه ((سماسرة الصفقات بينه وبين ترامب)) كصهره برات البيرقدار ومدير البنك المركزي الذين اقالهما اردوغان في خطوة استباقية لتمويه واخفاء صفقاته المشبوهة مع الرئيس السابق ترامب وإبعاد شبح المسائلة التي ستلاحقه عاجلاً او آجلاً وكذلك تغاضي ترامب عن صفقة صواريخ أس400 الروسية وأجواء العداء الذي تسببه اردوغان مع حليفه الاستراتيجي أوروبا عبر تصدير الإرهاب ولغة الكراهية الشعبوية دون أن يكون هناك أي رادع من أمريكا رائدة الحلف الأطلسي الناتو؛ بل على العكس فقد كادت أن تتسبب سياسة ترامب الانفرادية الى تفكك هذا الحلف العريق جراء التهاون مع اردوغان وتحالفه مع العدو التقليدي للناتو المتمثلة بروسيا الاتحادية بالإضافة الى عرقلة جهود الحلف في القضاء على الإرهاب العالمي المتمثل بداعش ومثيلاته وتصدير الإرهاب الى مختلف الدول لدرجة الابتزاز والتهديد به للحدود التقليدية للقارة العجوز أوروبا.

 ما يمكن التكهن به في السياسة الخارجية الأمريكية على الأرجح، سيكون تصحيح العلاقة مع الحليف الاستراتيجي /أوروبا/ في المقدمة ومحاولة إعادة هيبة أمريكا في العالم، ولن يكون هناك أي تغير بخصوص العالم العربي من ناحية التطبيع مع إسرائيل وقد يكون بشكل أكثر توازناً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومقارباتها مع الأوساط المعتدلة كحركة فتح واستبعاد حركة حماس المتحالفة مع اردوغان، وكذلك الأمر بالنسبة لإيران فلن تكون هناك أي تغير جديد يطرأ على السياسة الخارجية الأمريكية ولكنها ستكون أكثر اقتراباً من الموقف الأوربي الرامي إلى لجم إيران عبر العقوبات وإرغامها على التفاوض بخصوص ملفها النووي وإجبارها على قبول إعادة إرسال المراقبين الدوليين للحد من نشاطاتها النووية وقد يكون هذا التفاوض وفق الشروط الأكثر قبولاً من الدول الخليجية التي بدأت فعلياً بالتطبيع مع إسرائيل.

هذا وما يمكن قراءته من السياسة الأمريكية المقبلة في الشرق الأوسط في عهد الرئيس المنتخب جو بايدن هي إعادة الثقة لحلفائه الميدانيين المشاركين فعلياً في القضاء على داعش (قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية) وترميم الهوَّة التي تسببت بها السياسة الترامبية خاصة الانسحاب غير المدروس من بعض مناطق شمال وشرق سوريا والذي تسبب في إعادة نشاط خلايا الإرهاب وبلورتها من جديد على يد سلطانهم الفعلي اردوغان عبر قناع المعارضة أو ما يسمى (الجيش الوطني) الذي جل قادته ومنتسبيه من الأعضاء المعروفين في تنظيم داعش وجبهة النصرة الإرهابية ومثيلاتها، وذلك عبر تقديم الدعم لها وفتح قنوات دبلوماسية مباشرة معها وعقد اتفاقات اقتصادية من شأنها تعزيز المكتسبات التي تحققت جَرَّاء الشراكة بين قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي بقيادة أمريكا؛ إضافة إلى إعادة الاستقرار الى سابق عهده قبل الغزو التركي لمناطق شمال وشرق سوريا.

ما يمكن التنويه إليه في هذه المرحلة الانتقالية التي يشهدها العالم بعد الانتخابات الامريكية الحالية هو أولاً: العمل على استيعاب المتغيرات ومحاولة كسب الوقت لطرح القضايا الاستراتيجية والوطنية بشكلها الأنسب عبر فتح قنوات دبلوماسية وسياسية مع أصدقاء وحلفاء الإدارة الذاتية بمكوناتها والشعب الكردي في مراكز صنع القرار الأمريكية والغربية وسد الثغرات التي من الممكن أن تؤثر على التوجه الأمريكي والغربي الجديد في المنطقة وخاصة وقد بدأت أدوات الحرب الخاصة للدولة التركية وحلفائها في محاولة خلق ذرائع لحرب ــ كردية ــ كردية ــ عبر بعض الأدوات المرتبطة بها بشكل وثيق وذلك عبر إغرائها بصفقات آنية لإظهار قوات الكريلا على أنها المعتدية. ثانياً: استباق المحاولات التركية التي تهدف إلى إبقاء صفة الإرهاب لصيقاً بهذه القوات والعمل على رفعها من قوائم الإرهاب وخصوصاً في ظل الخطوات التي قامت بها المحاكم في بلجيكا والسويد والاستثمار في الخطاب الشعبوي المتطرف الذي يصدر من أردوغان وأركان حكومته تجاه الغرب وقيمه الديمقراطية. ثالثاً: الالتفاف على الخطط التركية الخبيثة التي تحول من التوصل إلى رؤية كردية موحدة ليس في سوريا فحسب بل على المستوى الكردستاني بشكل عام باتباعها سياسة فرق تسد وهذا ما نلاحظه من خلال انتهاجها أساليب السياسة القذرة عبر استئجار بعض المرتزقة كأبواق لتكريس مخططات القوى المعادية للقضية الكردية بشكل عام والإدارة الذاتية على وجه التحديد.

من هنا بات الأمر المُلح في هذه المرحلة هو تبني رؤية وخطاب  كردي موحد واضح المعالم ومحاولة بناء أطر دبلوماسية  أو لوبي كردي موحد على غرار اللوبيات الأرمنية التي استطاعت بوحدتها وتكاتفها إقناع أوروبا (فرنسا) على حل حركة الذئاب الرمادية القومية المتطرفة وهذه الخطوة ستتخذها دول أوروبية أخرى، وكذلك الأمر بالنسبة لشبكات الإسلام السياسي الاخواني الارهابية التابعة والداعمة لسياسات أردوغان التوسعية والعمل على حلها وطردها بشكل نهائي من بعض الدول الاوروبية كالنمسا وفرنسا والمانيا التي اتخذت إجراءات وقائية صارمة بهذا الخصوص.

زر الذهاب إلى الأعلى