مقالات

الوحدة الوطنية تبدأ من قيم الشهداء ونهجهم

تمهيد:

الشهادة كمعيار وحيد يجمع ويتوحد حولها شعب أو أمة أو مجتمع

ليس من السهل تعريف الشهيد وإضفاء نوع من المعنى الحقيقي لمفهوم الشهادة، ذلك أن الشهيد هو تجسيد للحياة النقية بذاتها والشهادة هي المعنى الكامل الكامن للمعاني السامية للقيم والمبادئ والأخلاق والفلسفات وخلاصة ما سعى إليها الأديان لخلاص الإنسانية ورقيها نحو الفضيلة العدالة والحق الذي يفضي إلى العشق النقي للحياة ذات المعنى الخالي من الألم والاستعباد، ان السعي إلى معرفة الشهادة كالسعي في بحر من المعاني والقيم، والغور في بحر الشهداء يتطلب تجسيد صفاتهم ومعرفة واسعة لتفاصيل غاياتهم وأهدافهم التي ضحوا من اجلها بأثمن ما يملكونه، فالشهادة في هذا الإطار قد تعني بمعناها المبسط  الموت في سبيل الأهداف السامية ولكن الشهادة بمعناها الواسع تعني أعلى درجات الحرية التي يمكن للإنسان أن يصل إليها، وهي المعيار الوحيد الذي يجمع ويتوحد حولها شعب أو امة أو مجتمع للتحول إلى قيمة جمعية وذاكرة نضالية تراكمية ممتدة، فهناك كثير ممن يستخدمون مصطلح الحرية للوصول إلى درجة من الحياة الهانئة أو نوع من اللذة الآنية الفانية أو شعورا بالغرور والتكبر دون أن يدرك أن الحرية بحد ذاتها هو المعنى والقيمة والمبدأ والمفهوم الخاص بالنضال الذي خاضته وما تزال تخوضه الشعوب والطبقات الاجتماعية المظلومة ضد عروش الظلم والاستبداد وأن أعلى درجاتها هي الشهادة التي نالها الخالدون من أبنائه.

الميراث النضالي للشهداء يحتم علينا السير على نهجهم وخطاهم:

صادفت الذكرى السنوية لعيد الشهداء في 18 من شهر أيار الجاري، حيث استقبله شعبنا بمزيد من الاصرار والسير على خطاهم حتى تحقيق اهدافهم وغاياتهم، فما نشهده من انتصارات ومكاسب هي نتيجة لتضحياتهم ومقاومتهم وفي هذا الصدد يمكننا التأكيد أن الملاحم التي ينتجها شعب أو أمة ما وينسجونها بدماء أبنائهم تدل بوضوح على تطور بنيتها الذهنية والحضارية ورقيها وأصالتها والمآثر التي يبديها شخصياتها ورمزها وإبطالها هي في حقيقة الأمر ميراثٌ متراكم  لهذا الشعب وتبلور لشخصية أفرادها وبنيتهم الفكرية والثقافية، ربما لم يحظى شعب على وجه الكون ما حظي به الشعب الكردي من روح المقاومة والبطولة والفداء إزاء ما يؤمن به ويتبناه وقد يكون من غير المبالغ به إذا قلنا إن ملاحم البطولة متأصلة في البنية الحضارية للشعب الكردي بدءاً من كاوا الحداد ومروراً بقلعة دمدم وشيخ سعيد وسيد رضا وقاضي محمد والبرزاني وصولاً لمظلوم دوغان وعكيد وحقي قرارا وليلى قاسم ومزكين وزيلان، فمنذ أن وعينا على هذه الخليقة سمعنا وقرأنا عن الثورات المتلاحقة للكرد وعشنا تفاصيل ملاحمها في الوجدان والضمير عاشت وبقية متجددة قروناً وأعواماً ولحظات حاضرة وهذا ما بدا واضحاً في المسيرة النضالية الممتدة في مقاومة كوباني وقبلها في شنكال ولتبدو اكثر رسوخاً ووضوحاً في ملحمة العصر في كل من عفرين وسري كانيه.

استهداف الأعداء لإرث الشهداء وملاحمهم البطولية هدفه إمحاء الذاكرة الوجدانية الموحدة للشعوب

قد لا يكون مصادفة استهداف أعداء الشعب للإرث النضالي لشهدائنا وملاحمه البطولية ومحاولة إخفاء هذه المأثر الوجدانية ومحوها من التاريخ لعدم رغبة السلطات والأنظمة المهيمنة على جغرافية كردستان أن تبصر النور وخاصة دولة الاحتلال التركي ومجاميعها الإرهابية وذلك للحيلولة دون تحولها إلى أدلة ووثائق دامغة لهمجية وعنصرية هذه الأنظمة، حيث تسعى بشتى السبل إمحاء معالم وشواهد مقاومة الشعب الكردي وابنائه في وحدات حماية الشعب والمرأة عبر قيام الهمجية التركية وارهابيها بتمير وتخريب مقابر الشهداء في مدينة عفرين وكذلك تدمير ونقل مقابر الشهداء في مدن شمال كردستان إلى مناطق مجهولة, وهذه السياسة القذرة والأفعال الدنيئة التي ينتهجها المحتلون ليس بجديدة لكنها أحد أهم اساليب الحرب الخاصة التي اتبعها الاحتلال التركي بحق شعوب المنطقة كالأرمن والكرد والعرب واليونان وغيرهم من الشعوب الاصيلة التي تحاول الدولة التركية محوها وإبادتها وتغير تركيبتها الديمغرافية والاثنية بما يتناسب ومخططاتها ومصالحها الاحتلالية التوسعية وما يعكس هذا التوجه الخبيث لأعداء الشعب الكردي محاولتهم استهداف أي تقارب وطني جامع للشعب الكردي ومحاولة افشالها وما صرح به بوضوح وزير الخارجية التركي مولود جاويش اغلو عبر رفضه لأي توافق كردي في روج آفا وحتى بين جنوب كردستان وشمالها وشرقها ينم عن خوفهم من التوافق ووحدة الصف الكردي وبشكل خاص الخوف من الإرث النضالي لشهدائنا وملاحمه البطولية التي تحولت إلى رموز عالمية مناهضة للإرهاب وصانعيها فأعداء الشعب الكردي يحاولون بشتى السبل حصر نضاله وإفراغه من محتواه عبر تفريق وتمزيق اللحمة الوطنية حول رموزه النضالية القيمية ونعتها بالإرهابية والتكفيرية والانفصالية …وغيرها من مصطلحات الهيمنات المحتلة لكردستان التي تعكس عداءها لكل ما يجمع ويتوافق عليها الشعب الكردي.

زر الذهاب إلى الأعلى