مقالات

الوحدة الوطنية الكردية هي الداعم الأقوى لإنجاح مشروع الأمة الديمقراطية

جواهر عثمان

إن السعي نحو عقد مؤتمر وطني كردي يجمع كل الأطراف من الأحزاب الكردية والمنظمات والشخصيات الوطنية من كردستان لهو المشروع الكردي الذي لطالما حلُم به الشعب الكردي منذ أن عانى من مرارة الانقسام من خلال الاتفاقيات الدولية الاستعمارية التي أدت إلى نَخْرِ عظم الجسم الكردي الموحد حتى النخاع، وأصبحت الحدود الاصطناعية هي التي تُقَسِّم المدن والقرى الكردية، وباتت الدول المستعمرة للأقسام الأربع من أرض كردستان تسعى إلى إمحاء الهوية الكردية بشتى الوسائل؛ فبدأًت من التحريف بالتاريخ الكردي مروراً بإمحاء الثقافة واللغة الكردية من خلال التعريب والتتريك والتفريس, وقد عانى الشعب الكردي ومازال يعاني من آثار التقسيم ومضاعفات تلك السياسات التي انتهكت الحريات وعاثت خراباً وأشعلت حروباً على الكرد وبين الكرد ذاتهم، ناهيك عن المجازر المأساوية التي تندى لها جبين الإنسانية ولازالت محاولات الإبادة العرقية مستمرة على الكرد من خلال ما يسمى داعش, والدول التي تسانده وتدعمه فهو مشروعٌ تاريخيٌّ ليس وليد اللحظة يستهدف الكرد.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بشدة:

لماذا بعض الكرد لا يفقهون ما يجري من حولهم من مؤامرات تُحاك لإبادتهم ونهب أرضهم وثرواتهم وانتهاك القيم الموروثة؟.

لماذا لا يرفضون التعامل مع الأجندات الخارجية والارتقاء على المصالح الشخصية أو العشائرية التي تستفيد من المماطلة في تشكيل جسم كردي جديد يحمي الشعب الكردي ميراثاً, وثقافةً، وتاريخاً, لتُرسم به مستقبلٌ للأجيال القادمة كي لا يعانون ما كابده الآباء والأجداد من ظلم وعبودية وإهانة، وأيضاً كي لا يرجعوا مرة أخرى سيوفاً بأيدي أعدائهم بل ليصبحوا قلاعاً تحمي ثقافتنا وتاريخنا وإرثنا الحضاري.

هذا ما يكمن في جوهر الوحدة الوطنية التي مازال حلم الشعب الكردي، والذي نريده أن يتحقق لنتغنى به بين شعوب العالم ويكون لنا وطن كردي ذو معنى مليء بالروح الوطنية الكردستانية.

لا ينقصنا شيءْ؛ فنحن ككل الشعوب لنا تاريخ منذ الأزل ونفتخر به، ولنا ثقافة؛ فهي تغذي أغلب ثقافات العالم، ولنا إرثٌ حضاري عبر التاريخ القديم والحديث؛ فنحن الكرد نواة الشعوب في موزبوتاميا.

فلماذا ينصاع البعض للسياسات والأهداف المعادية؟ فأرضنا غنية بكل شيء؛ الماء والثروات ما فوق الأرض وما تحتها، وهناك طاقة بشرية وعقول منفتحة لرسم وصنع وطن شامل يسع الجميع، ولماذا لا نتجاوز تلك التناقضات والخلافات الحزبية التي أثقلت كاهل المواطن الكردي وأدخلته متاهات لن يستطيع الخروج منها إلّا من خلال الوحدة المنتظرة أو التقارب بين وجهات النظر ما بين تلك الأحزاب من حيث الهدف؛ فالاختلافات في وجهات النظر ليست مغالطة بل هي الديمقراطية وحرية الرأي.

ولكن الخلاف فيما بينها هو الذي يخلق الفجوة ويعمقها، وحتماً تلك التقاربات التي ترتقي إلي الأهداف الوطنية السامية وتنزع عنها ثوب المصالح الشخصية ستكون بدون شك هي اللّبِنة الأساسية في إنجاح مشروع الأمة الديمقراطية الذي نجده ينجح يوماً بعد يوم لترسيخ النواة وأسس التعايش المشترك بين جميع المكونات في أرض موزوبوتاميا.

كما قلنا فإن الكُرد كانوا القادة في السلم ومازالوا يسعون إلى السلام, ويرى العالم أجمع كيف طبَّق الكُرد موازين السلام بين شعوب الشمال والشرق السوري في سخونة الحرب المتناوبة في منطقة الشرق الأوسط, ورغم تدخلات ومحاولات الكثير من الأطراف لخلق الفتن والحروب والنزاعات بين هذه الشعوب المتعايشة لم تستطِعْ خلقَ أي شرخٍ لإثارة تلك النعرات.

فأقولها: إن أي طرف يدعم هذه الوحدة ويسعى لها سيكون له الفضل في ترسيخ هذا النوع من التعايش السلمي ليس فقط في كردستان، ولكن في منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع.

زر الذهاب إلى الأعلى