مقالات

الوحدة الكردستانية بين الصيام و الإفطار الشرق أوسطي روج افاي كردستان نموذجاً

فؤاد سعدي

 بعيداً عن التفاؤل و التشاؤم وبسردٍ أقرب إلى احترام التاريخ ومنطق المجتمع والشعوب في الكينونة الوجودية والهوية والحرية والحقوق مع أهمية ترجيح التفاؤل على التشاؤم و إبرازه للمقدمة والأولوية لارتباطه الوثيق مع الروح المعنوية والإرادة الحرة المتزامنة والمتصاعدة معه جنباً إلى جنب ودون إغفال المشقات والصعوبات وخاصة حينما يتمحور ويتعلق الأمر بقضية الكرد وكردستان والتي تُركت مهمشة في أغوار تاريخ القرون الفائتة لا بل أحيكت عليها وحولها وضمنها المؤامرات والبازارات العديدة والعتيدة إلى حين العقود الأخيرة من القرن المنصرم حيث بدأت الأبواب تُفتح تدريجياً أمام الكرد وكردستان لتدخل جداول الأعمال الأساسية سواء “على الصعد المحلية أم الإقليمية أم الدولية ومن أوسع أبوابها لما قدموه الكرد نموذج نظري وعملي يُحتذى به متمثلاُ بالخط والنهج الثالث في قلب غليان ثورات الشعوب الشرق أوسطية في الوقت الذي كانت وما زالت القاعدة السارية وعنوانها العريض متمثلاً بالقتل على جميع الهويات والاثنيات وعلى جميع المستويات فضلاً عن الدمار و التدمير اللامحدود فإن مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية توسعت فيها عناوين إخوة الشعوب واتحادها وعيشها المشترك إلى جانب عنوان الدفاع عن الإنسانية جمعاء المتمثل في القضاء على أعتى القِوى الإرهابية التكفيرية والظلامية لدرجة أصبح العالم أجمع يقفز من فوق البحار والقارات ليصِفَ وينعت هذه الثورة بمسميات حماية وخلاص البشرية ويستذكر تواريخ ملاحمها البطولية ولكن، وإلى جانب كل هذا الصدى والتعاطف العالمي لا زال الكرد منقسمين على أنفسهم تجريهم رياح سياسات فرِّق تَسد للأيديولوجيات لاسيما الغربية الغريبة عنهم فلماذا لا يحصل التقارب ولماذا لا تتحرك جميع مواقف عقارب الساعة الكردية إلى الأمام ليتحول الموقف إلى التقارب ومن ثم إلى تفاهم وتوافق إن لم يكن اتفاق مع التأكيد على إنه بالإجابة على ثنائية سؤال الكمية والكيف فيما يتعلق بالتفاهم والتوافق يتحقق الاتفاق ضمن إطار مضمون الوحدة وليس خارجه باعتباره الهدف السامي والغاية المثلى للكينونة الوجودية والهوية والحقوق والحرية.

ويبدو فيما يبدو أن صيام الوحدة الوطنية الكردستانية يقترب من فك و كسر طلاسم أشباه العقد الكأداء التي سارت عليها القاعدة التاريخية بأنه كلما زادت المساعي لتوحيد الأطراف المقسمة تظهر النتائج العكسية بازدياد تبعثر المقسمين وتشتتهم، وإذا كان الهدف الجوهري من الصيام الوصول بالشعور والتضامن المجتمعي واتحاده إلى إزالة فوارق الفقر والعوز والحاجة فضلاً عن الأهداف المجتمعية الأخرى- فإن الهدف الجوهري لصيام الوحدة والذي لا يفارق نبضات قلوب الشعب و يلازم ألسنتهم المنقطة عسلاً به كرغبة وأمل جامح وخيال واسع ملح لا يحتمل التأجيل بأن يكون لهم كيان وهوية وإرادة وطن وشعب قادر على حمل قيمه وميراثه التاريخي والجغرافي وإحقاقه؛ فلماذا لا يُتوَّج كل هذا الصيام بالالتفاف حول طاولة واحدة موحدة ليكون الإفطار منوعاً جامعاً للكل ولماذا التفرد والإصرار بالإفطار الأحادي من بعض الأطراف وكيف يمكن قبول صيام الوحدة لأطراف لا تملك من الإفطار شيئاً سوى أنه مُعَدٌّ من أيدي خارجية أو تَحمِلٍ بعض لمساتها أو بهاراتها على أدنى تقدير فما بالك إذا كانت هذه الأطراف والأيدي الدخيلة هي المحتلة لكردستان وتواظب على استمرارية الاحتلال لا بل وإزالة الكرد وكردستان من صفحات التاريخ والصب عليه بحيث تترك الصلب والوأد والإعدامات والمجازر والفواجع وراءها بفراسخ شاسعة ومتى قَبِل شعب لمسات وبهارات من ظل يرشهم خلال عقود التاريخ المنصرمة بطلقات وقنابل الكيماوي والأسلحة المحرمة دولياً ناهيك عن “الأسلحة الشرعية الدولية” منها و بلمسات لا تعرف من الرحمة شيئاً وهم يتظاهرون بعبادة الرحمن فأين هم من الرحمة والرحمن أكثر من النفاق والتسميم والتلذذ بإفطار الكرد وكردستان من هذه السموم، والأنكى من كل هذا وذاك أن توضع هذه السموم في أيدي وجيوب بعض الكرد أنفسهم بل وتمثيلهم باسم الدفاع عن الكرد وكردستان وتاريخ كردستان والشرق الأوسط مليء بالعِبَر لمن يعتبر.

وقراءة سطر واحد لشخصية كردية واحدة متمثلةً بحسن خيري من صفحات السطور التاريخية للعديد من الشخصيات الكردية إلى جانب الشخصيات الشرق أوسطية المتعددة ممن سبقوه ووالوه والمرتهنين والمحملين بالسموم معهم إلى مائدة الإفطار لملوك الاستعماري العالمي لا لتسميمهم بل لتسميم شعوبهم وأوطانهم كافية لفهم وإدراك كيف انهال أسياد النظام الحداثوي العالمي مع بيروقراطييه الفاشيين القوميين البيض على تسميم وتقسيم وتقطيع جسد الشرق الأوسط إلى دويلات قوموية تابعة خانعة وذليلة محضَّرة لتكون بمثابة مقبرة بدئية واسعة لجميع القوميات والابتداء والاستفتاحية بقراءة الفاتحة وبدون رحمة على مقبرة الجسد الكردي وكردستان علانية ولاحقاً وبالتوالي تسلسل حلقات مسلسل المقابر السرية المخفية لباقي القوميات والمتضحة معالمها في المقابر الجماعية لجسد شعوب الشرق الأوسط فضلاً عن زوال روح ميراثه وتاريخه وعقائده و مقدساته وذلك في خضم الحرب العالمية الثالثة لثالوث مثلث برمودا الحداثة الرأسمالية ومشاريعه الشرق أوسطية لفرض الموت الكبير والجديد وبمغنطة مميتة لا منومة وتحت اسم الثورة و يافطة الربيع مع تليين وتخريف الربيع لا بل وتشتيه أكثر من أربعينية الشتاء القارس من خلال جمود وإنكار ألوانه وأطيافه وثقافاته و لغاته وبحيث لا تقوم له قائمة أكثر من تقريب قيامتهم و محشرهم، وإذا كان بالإمكان العودة مجدداً باستحضار شخصية حسن خيري ومحاكمته تاريخياً فسيرى بعيداً عن المجهر كيفية انخداع الشعب به والذي كان بالإمكان استمرارية انخداعه فيما لو أسقطنا ذلك التاريخ إلى الحاضر الذي يتميز فيه الكرد بالفاعلية والتنظيم والقوة والإرادة الفولاذية. فهل كانت الفاشية التركية ستعدمه أم ستستمر باستثماره وتشغيله ضد فولاذية الكرد وكردستان. لنتواصل مع المحاكمة التاريخية حاضراً و لنقذف كرة السؤال إلى ملعب بعض الشخصيات الحاضرة أمثال حسن خيري المعاصرين و نستجوبهم لماذا عاقِبَتُكم ليست كعاقبة حسن خيري؟ فإنهم لن يجيبوا بأنهم مستثمرون ومشغلون كبيادق و بيارق وبنادق أمامية لخلخلة الثورة الكردستانية والديمقراطية على حد سواء وخلق القلاقل ضمنها كما أنهم لن يفصحوا بأنهم داروا الأرض بمشارقها ومغاربها وعبروا كافة المعابر والكاريدورات فقط وفقط لإلصاق صفة الإرهاب بحُماةِ الأرض والشعب كما أنهم لن يتوانوا للحظة بإنكار كونهم الغطاء الشرعي لاحتلال واقتطاع أجزاء من روج افاي كردستان كونهم جزء من مظلة “المعارضة والائتلاف السوري” والتي عارضت الكرد وكردستان والديمقراطية أكثر من معارضتها للنظام بأضعاف مضاعفة فضلاً عن أنهم لن يعترفوا بتقديمهم الخدمة الجلل ليس فقط للنظام بل للأنظمة الغاصبة لكردستان والديمقراطية والحرية وجميع القيم المجتمعية كما أنهم لن يتنازلوا قيد أنملة للنطق بهذه الحقائق الساطعة كما الشمس الساطعة والتي يمكن الإكثار من سطوعها، ونحن هنا لا نقيِّم ونحلل سياسياً بل ندعوا العيون والألسنة لرؤية الحقيقة والنطق بها وفق ما هو موثق بالصوت والصورة والذاكرة الأخلاقية الشعبية المعايشة للثورة لازالت نضرة بهكذا حقائق.

وبقليل من شعاع المنطق والتعقل والوجدان الثوري المجتمعي ستتوضح الحقائق أكثر وأكثر وكما كشف تاريخ ثورة روج افا وشمال شرق سوريا وأماط اللثام عن الكثير منها فان التاريخ والشعب والمجتمع والثورة ستستمر بالسير مع هذه الحقائق لاسيما حقيقة الكرد وكردستان والديمقراطية والحرية وسيواظب بتقديم عِبَر المقاومة لمن يعتبر؛ لكن و بدلاً من الإكثار من الأسئلة والاستفهام والتعجب في طريق استمرارية المحاكمة لإفرازات حسن خيري المعاصرين رغم أهمية وعي الحقيقة وتحققها على الدوام فإن إجابة واحدة لهؤلاء والعودة من ثلاثة أرباع الطريق إن لم يكن خط نهايته كفيل بالإنهاء والخروج المشرف من مظلة ائتلاف الناكرين لا بل المغتصبين للكرد وكردستان بعودة المياه الوطنية إلى مجاريها الوطنية، وهنا يكمن غربال الحل فحينما تكثر اليوم الدعوات والمبادرات وإبداء المواقف نحو التقارب والانسجام والتفاهم والتوافق وباتجاه الاتفاق والوحدة فهذا ما يعني حكماً الليونة والمرونة والتنازلات المتبادلة إحقاقاً لآمال وتطلعات الشعب في الوحدة الوطنية. وتجدر الإشارة هنا إلى حكمة الأوليين في النقد والنقد الذاتي والتي مفادها (الذهاب إلى من يبكيكَ لا إلى من يضحكك) كأحد البديهيات التاريخية التي تثبت حضورها الواقعي الحاضر وعليه حينما ننقد أحد الأطراف فهذا ليس من باب العداء بل من باب الاحتضان وروح الوطنية والمصير المشترك، وكلما كانت الحاضنة واسعة للأطراف بالحوار والنقاش والنقد والنقد الذاتي البَنَّاء فستفرج آفاق التفاهم والتوافق أضعاف مضاعفة من المرات نحو الاتفاق و الوحدة الوطنية. وبالإسقاط مجدداً في ظل غليان الألسن بالاتحاد وكيفية تحققه فضلاً عن المبادرات لاسيما مبادرة قيادة قوات سوريا الديمقراطية والتي تتوسع في الصدى والصيت أفقياً وعمودياً لتتجانب الصولات والجولات جنباً إلى جنب على كافة الصعد الشعبية وبالضرورة منها الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني مع الكتّاب والمثقفين وكافة الوطنيين؛ فهل سيترجم ويصل بتحضيرات الإفطار المشترك إلى لمِّ الشملِ حول طاولة الإفطار؟  وهل سيصل صيام الوحدة إلى الوحدة الوطنية؟ وهنا يكمن مربط الفرس ومفتاح الحل وذلك بإجابة كل الأطراف السياسية والشعبية والمجتمعية على اختلاف أيديولوجياتها حول مدى احتضاننا لجوهر استفهام الوحدة الوطنية.

زر الذهاب إلى الأعلى