مقالات

الواقع والإعلام المأجور

dilbrin-farsدلبرين فارس

 الكثير ممن يبحثون عن الحقيقة ضحوا بأنفسهم في سبيل ايصال الواقع كما هو، وكانوا رواداً وشهداءً للكلمة الصادقة الحرة وأصحاب الصورة الحقيقية، لم يخذلوا للحظة أقلامهم وعدسات كاميراتهم، بل لاحقوا الخبر (الحقيقة)  في أزقة الموت، ليكونوا منبراً وشعلةً وصوتاً للشعوب القابعة تحت نير المستبدين وتجار البشر، من هنا يُعدُ الإعلام أحدَ الأعمدة الأساسية التي ترتكز السياسة الراهنة عليها، ولقد تطور كثيراً في شكله ومضمونه وجوهره حتى أضحى عين المجتمع، لها دورٌ كبيرٌ في بناء الفرد والمجتمع، لقد أصبح الإعلام اليوم قوةً خلاقةً وضميراً حياً، وسجل التاريخ لكل النشاط الإنساني، ولم يفقد الإعلام أبداً دوره أو أهميته خلال أي مرحلة من مراحل التاريخ، وإنما تطور وتبلور وتبنى تقنيات وآليات جديدة وحديثة، ليظل شاهداً على العصر ومنبر بناءٍ للفكر الحر والديمقراطية والعدالة.

ولو بحثنا بقليلٍ من العمق في التاريخ الإعلامي فسنجد إن الإعلام  كان أحد الدعائم الأساسية للأنظمة والمؤسسات والثورات، أساء البعض استخدامه كألةٍ لنشر ثقافة الكره والعنصرية والفتنة، وآخرون استخدموها كمنبرٍ لتنمية وتحجيم فكر السلطة وتحويل الجمهور المقابل (الشعب) إلى مجرد قطعانٍ من الماشية تتلقى ما تبثه أو تخذيه هذا المنبر الإعلامي وتسير بمقتضاه، والذي يفترض أنه ذات مصداقية، الذي بات يبث ويذيع وينشر طوال الوقت أفكاراً بعيدةً عن قيم الإعلام كمنبرٍ ونافذةٍ للحقيقة، على عكس الترويج  لأيديولوجيات دوغمائية عنصرية قوموية متطرفة، تهدف التضليل والترويج للشائعات والأكاذيب لصالحِ طرفٍ ضد طرفٍ كانت هي القيم التي تمثل البعض،  ولم يقتصر الأمر على ذلك فقد أصبحت تمول وترعى منابرَ تكفيرية  تحريضية للإرهاب وللإرهابيين.

فلو نظرنا إلى العديد من القنوات الإعلامية  في وقتنا الراهن لنرى أنها تقوم من خلالها جهاز إعلامها المسيس و المأجور، ببث مواد وفقرات إعلامية ليس لها هدفٌ سوى الكذب والزيف والترويج لأجندات تخدم الأنظمة الجائرة وعصاباتها الإرهابية، وتمجد الديكتاتورية والاستبداد ، وتوجه سهام الرذيلة، مستخدمةً الأكاذيب جنباً إلى جنب مع الحقائق، مروجةً للزيف أكثر من الحقائق في مزيجٍ خبيثٍ وماكر، فهم يمتهنون هذه الأساليب بكل إتقانٍ واحتراف حتى أصبحت جزءً من ثقافتهم وعاداتهم الفطرية.

ومن المؤكد أن الحالة في روج آفا ليست بمنأى عن تلك السِهام العِدائية، والحروب الإعلامية المشوهة والمضللة، فـما يحصل في روج آفا مقارنةً مع ما كان متوقعاً، أو مخططاً له وفق أجندات الآخرين وغرائزهم الفطرية القذرة قد عكس وقلب كل الموازين،  فـ(روج آفا) بوزنها الثوري والسياسي والاجتماعي والثقافي، وما تقدمه من نموذج للتعايش والبناء في ظل الدمار والقتل الحاصل في سوريا، وحالة الصراع في المنطقة عموماً ثار أحقاد وضغينة  الكثير من السلاطين والمأجورين ضعاف النفوس و مرتزقي ومرتهني الخارج، ناهيك عن الأنظمة الديكتاتورية القامعة والتي تتروع من أي حالةٍ ثورية أو تحولٍ ديمقراطيٍ يهز عروشهم، في إعلامهم البائس المأجور محاولات ٌ فاشلةٌ  للتقليلِ والتقزيم من الدور الريادي للقوى الديمقراطية المتوائمة والمتراصة في روج آفا، والتي لم تخضع لمشاريع واملاءات تلك الأنظمة، هذا الأمر الوحيد الذي ثار حقدهم وكيدهم ضد أي تحولٍ ثوريٍ حرٍ شعبيٍ في روج آفا وفي المنطقة عموماً، هم ومنذ انطلاقة الثورة يشنون وبكل وسائلهم ومنابرهم حرباً إعلاميةً شعواء، رغم تدخلهم العسكري والسياسي السافر إلى جانب التواطؤ  مع الجماعات الإرهابية بكل أشكال وأصناف التواطؤ، هنا لا يحتاج الأمر لكثيرٍ من الذكاء، فنظرةٌ سريعةٌ على بعض الفضائيات والمنابر الإعلامية خاصة تلك التي تدعي الوطنية والمصداقية،  يمكن من خلالها استشفاف ذلك بسهولة، فهي تعج بالكثير من الآلات الإعلامية التي تضع نصب عينيها زرع بذور الفتن والضغينة، راسمةً صورة للواقع من خيالها المأجور، وانطباعاً  يكاد ينافي الحقيقة شكلاً وموضوعاً.

 أن تعريف الآخرين بمنظومة إعلامية حرة وفكرية وثقافية، بعيدٌ كل البعد عن نهج الإعلام المأجور والذي هو في الغالب إعلامٌ مضادٌ له مهمةٌ وهدفٌ وغاية، ينشر الوقائع كما يطلب منه، و يفتري الادعاءات و يغذي توجهاتٍ نتنة كأصحابها، ويشجع للتطرف والاقتتال فهذا هو المطلوب منهم.

زر الذهاب إلى الأعلى