المجتمع

الواقع الزراعي في ظل شح الأمطار

تعتبر الزراعة مصدر الدخل الأساسي لنسبة عالية من أبناء روج آفا والشمال السوري، وتصنف الزراعة إلى زراعة بعلية وهي التي تشغل المساحة الكُبرى نسبةً إلى الزراعة المروية، وتعتمد على الهطولات المطرية السنوية، وتشمل هذه الزراعة القمح والشعير والعدس بالدرجة الأولى بالإضافة إلى بعض الزراعات العطورية التي غزت مناطق إقليم الجزيرة في الفترة الأخيرة وهي الكمون والحلبة والكزبرة واليانسون وغيرها، ولكن كل هذه الزراعات هي تعتمد على الأمطار الموسمية والتي تحسنت كثيراً في السنوات السبع الماضية؛ بعد أن تذبذبت هذه الهطولات في أربع أو خمس أعوام خلت أي قبل مايقارب العشر سنوات، وقتها عانى المواطن في روج آفا الكثير جراء نقص الأمطار وانقطاع الموسم مما أدى بالكثير من المواطنين للهجرة بحثاً عن كِسرة خبز في مناطق الداخل والساحل السوري وكذلك العاصمة دمشق، وفي هذه السنة أيضاً باتت صفة القحط وعدم تساقط الأمطار تنذر بفال سيء لكل من يعتمد على الزراعة والمنتجات الزراعية كمصدرٍ لدخله، وللمزارعين على وجه الخوص.
وبهذا الخصوص ارتأت صحيفة الاتحاد الديمقراطي أخذ العديد من الآراء من المزارعين وكذلك ممن يعملون في تجارة المواد الزراعية وأيضاً البعض من الكبار في العمر؛ ممن تجاوزوا هكذا سنوات ومرت عليهم العديد من تجارب القحط والجفاف وتأخر الأمطار، فكانت أراءهم تختلف بعض الشي إلا أنهم اشتركوا في العديد من النقاط؛ فمثلاً عند سؤالنا أحد الكبار في العمر ومن الذين مرت عليه هكذا سنوات من القحط والمحل وله باع في الزراعة وعن الفترة المخصصة لنجاح الزراعة وعمر الزرع، وما إذا كانت الزراعة ستنجح أم لا في حال لو تأخر هطول المطر حتى آخر شهر كانون الثاني كأسوأ احتمال قال: “بُنَيّ؛ عمر الزراعة هو أربعون يوماً” على أسوأ تقدير؛ بالطبع كان يتحدث عن القمح والشعير، فلو لم ينزل المطر حتى نهاية هذا الشهر (كانون الثاني) وحتى وإن أخذ الجفاف عشرة أيام من الشهر المقبل، وبدأت الأمطار بالهطول بعد هذه الفترة؛ فإن الزراعة ستكون جيدة وسوف تنبت كل البذار وبشكلٍ جيدٍ أيضاً، ومن المحتمل أن يكون الموسم جيداً والإنتاج وفيراً.
بينما قال أحد المزارعين بنبرة حزينة تحمل القليل من التشاؤم: “الكثير من البذار فسد وتعفن تحت الأرض لأن المطر الذي هطل منذ فترة في بعض المناطق لم يكن كافياً لينبت الزرع بشكلٍ كلي، وكان كافياً ليفسد الزرع ويتعفن تحت التراب (طبعاً في الكثير من القرى) أما في القرى التي كانت نسبة الهطول أقل؛ فإن البذار مازال كما هو تحت التراب وهو ينتظر المطر لينبت ويصبح زرعاً، وإذا ما هطلت الأمطار بشكل جيد فالموسم سيكون جيداً وهذا ما نصبوا إليه وندعو له ليل نهار.
وقال آخر: “قدمت لنا الإدارة الذاتية الديمقراطية مشكورة البذار والخدمات اللازمة، وأمنت لنا المحروقات من أجل الحرث، ولكن تأخر المطر إلى هذا الوقت ينذر بالسوء” صفن قليلاً وتساءل بينه وبين نفسه بصوت خافت وقال: “منذ سنوات كانت الأمطار نادرة الهطول، وشحت بشكل كامل في سنوات أخرى؛ ما أدى إلى قحط لسنوات عدة، ولكن هذه السنوات (منذ ست سنوات حتى العام الماضي) قد انستنا كل تلك المعاناة، وباتت الأرض معطاءة كما السابق، ولكن هذه السنة تذكرنا بما فات من السنين العجاف، وأتمنى من الله أن يمدنا بغيثه ويرحمنا”. وفي ختام حديثه تمنى أن تقوم الإدارة الذاتية الديمقراطية بمساعدة الفلاح؛ في حال لم يهطل المطر وفشل موسم هذه السنة أيضاً؛ وتقديم الدعم المادي له لأن الكثير من العائلات لا تملك شيئاً سوى قطعة أرض زراعية تعتاش منها وتؤمن منها لقمة عيشها.
وللرد على الكثير من التساؤلات التي تشغل بال المزارع والفلاح سلطت صحيفتنا الضوء على بعض هذه التساؤلات من خلال أجراء حوارٍ مع
جوان شكري الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد- قسم الزراعة والذي بدوره بدد بعض الخوف في قلوب بعض المزارعين وكان لديه العديد من الإجابات؛ في بداية الأمر طمأن الشعب بالمخزون الاحتياطي للحبوب التي تدخل في صناعة الخبز وماشا به وقال: “حقيقة لدينا برامج لدعم المشاريع الزراعية المروية، فمن جانبنا قدمنا الوقود والبذار والسماد للمزارعين، حيث قدمنا دعماً لـ99 عقداً زراعياً لإكثار البذار؛ كوننا نعمل من أجل اكثار البذار المحسنة والذي يتلأم مع الظروف المناخية ومع طبيعة ونوعية التربة في المنطقة، بالطبع هناك أصناف قديمة من البذار نعتمد عليها حتى يتم انتاج كمية ومخزونٍ كافٍ من الأصناف الجديدة، ومن ثم سنقوم بتوزيعها على المزارعين، وهنا أود أن أشير إلى أننا نعمل من أجل اكثار وتأمين بذار الشعير والبيقيا وأنواع أخرى من الحبوب والمحاصيل، والتي يمكن زراعتها في المنطقة بشكلٍ عام وتعطي انتاجاً وفيراً.
فعلى سبيل المثال لدينا محطات في رأس العين والحسكة وديرك، لذا فأن تأمين البذار ودعم المشاريع المروية هي من أولوياتنا الأساسية في هذه المرحلة، كون الزراعة البعلية واسعة الانتشار في إقليم الجزيرة، وليس لدينا الامكانات الكبيرة لدعم أصحاب الزراعة البعلية (لأنها تحتاج إلى امكانات دول كبيرة)، فالزراعة البعلية تعتمد على مياه الأمطار، وفي حال عدم هطول الأمطار الكافية حتماً سيؤثر الأمر على الانتاج وعلى المزارع، كما ذكرت بمقدورنا دعم المزارع بالبذار وبالسماد، ونحن بصدد إقامة اتحادٍ للفلاحين في مرحلة اللاحقة، لما له من أهمية بالنسبة للمزارعين والفلاحين، وسنقوم بتفعيل الوحدات الارشادية التي تقدم النصح والمشورة والتثقيف الزراعي للمزارع، ويقف على احتياجاته، كما إننا قمنا بتشكيل لجنة من أجل وقف التعدي على الأراضي الزراعية خاصة في منطقة خط العشرة، ووقف الزحف العمراني العشوائي، وتسوية أوضاع أصحاب تلك الأراضي لما له من تأثيرٍ سلبيٍّ على الزراعة في منطقتنا، كذلك وفقنا على طلبات تنظيف وترميم الابار وحفر الآبار وذلك ضمن الشروط الواجبة أن تتوفر في تلك المنطقة.
حقيقة استطيع القول بأننا قدمنا 25% من الدعم للمزارع، وبالطبع هدفنا في المستقبل تقديم أكبر قدر ممكن من الخدمات للمزارعين وتقديم برامج تنموية تؤثر في ربط الفلاح والمزارع بأرضه وبزراعته، وبناء نظام زراعي قائم على انتاج زراعة طبيعة كون الركيزة الأساسية في اقتصادنا هي الزراعة.

زر الذهاب إلى الأعلى