PYDمقالات

الهوية الوطنية السورية

وليد حبش _

الحديث عن الهوية الوطنية لها خلفيات تاريخية عميقة، حيث تتشكل على أساس وحدة الذهنية والمصالح المشتركة بالنسبة للذين يعيشون على جغرافية واحدة، وتأتي دور الهوية الوطنية في تعزيز الوحدة الوطنية من خلال إرساء دعائمها على أسس متينة وراسخة.

الهوية الوطنية هي عامل توحيد للمجتمع وفرصة حقيقية لتحقيق التكامل والاندماج الوطن، مما يعزز فّرص المجتمع في التقدم والازدهار وتحقيق العيش المشترك من أجل حياة اجتماعية حرة كريمة لأبناء يحملون هوية جامعة واحدة، وكذلك زيادة حجم مشاركة المواطنين في الحياة السياسية.

ووفقا للتعاريف الهوية الوطنية هي الرابط التي تحث المجتمعات على بناء وطنهم وتنميته وتعمل على تقدمه وحفظ كرامته لتجاوز الأزمات والمؤامرات التي تحدق بها.

لابد أن يكون هناك هوية وطنية جامعة للمكونات ذو التوجهات والانتماءات المختلفة قومياً أو دينياً لأجل المصلحة العامة، وهذا لا يعني أن هناك أصل واحد (اثني أو لغوي أو ديني ومذهبي) لكل دولة، وأن التنوع فيها وإن وُجد فهي مصدر غنىً للجميع، وعلى الهوية الوطنية أن لا تصطدم وتتقاطع مع الهويات الفرعية الأصيلة، فالنظم الاستبدادية تتمثل اجنداتها في فرض لون واحد من التفكير والسلوك والعقيدة على الجميع لينتج مجتمعاً مقولباً، وفي ظاهره موحداً، بينما في الواقع يعاني التشظي والتفكك وانعدام الثقة.

الهوية الوطنية تتبلور وتتكامل في توفر المناخ الديمقراطي وإدارة المجتمعات أنفسهم بأنفسهم، لأن الإقصاء والتهميش وغياب الحريات من الصعب أن يخلق منظومة اجتماعية متماسكة ومنسجمة ومعبرة بموضوعية عن حالة التنوع والتعدد الإثني والديني.

الوطن السوري يمتد إلى تاريخ طويل مرت عليه حضارات شتى, وعاشت على أرضها الكثير من الإثنيات والقوميات، ورغم تعرضها للعديد من الاحتلالات الأجنبية فظلت شعوبها متماسكة ليومنا الحاضر، لكن بعد انتشار الأفكار الشمولية كالظاهرة القومية في نهاية القرن العشرين أدى إلى ظهور تيارات وحركات ذات توجهات قومية (بعثية وناصرية) تمسكت بالسلطة ومارست بحق القوميات والإثنيات الأخرى ممارسات الاقصاء والتهميش وحاولت صهرها في البوتقة العربية، واعتمدت على المركزية الصارمة وربط كافة الأطراف بها، مما أدى إلى تضعضع الوحدة الوطنية وإلى انقسامات و مآسي وحروب، وأصبحت كصاعق تفجير للصراعات وأزمات سياسية.

لأجل تعزيز الهوية الوطنية يجب أن تكون جميع الهويات لينة ومنفتحة على بعضها البعض وقبول واحترام باقي الهويات والإنتماءات .وكمثال : (مواطنو اقليم كتالونيا لهم ثلاث هويات فهم كتالونيين واسبان وتابعون للاتحاد الأوروبي )، وهذا لا ينتقص من قيمة أو هيبة الدولة التي يعيشون فيها.

إن الانتماء إلى هوية وطنية جامعة سواء (بالقوة أو بالتوافق) لا يعني إنكار أو صهر باقي الهويات في بوتقة القومية الحاكمة.

إن هيمنة الدولة المركزية على كل الأطراف وجعل كل من اللغة الرسمية أو الدين والمذهب طاغيا على الكل ستواجه ردود أفعال مناهضة ونابذة ورافضة لها، وحتى تصبح منغلقة ومنطوية على نفسها، تبحث عن كل الطرق لحماية وجودها وكيانها وحتى الانتقام من هذه القبضة الصارمة، فتتقوقع في الجزئيات نتيجة ردات الفعل هذه.

الحل يكون بإنتاج دستور ديمقراطي يستوعب جميع المكونات ضمن هوية وطنية شاملة وجامعة للكل دون إقصاء أو تهميش أي هوية خاصة، والانتماء لهوية كبرى أو صغرى لا تعني الإمتياز أو الاستعلاء أو التسلط، بل تكون عنصر مساعد على إنشاء هوية وطنية متماسكة جامعة.

ونتيجة مآلات الأزمة في سورية منذ أكثر من عشر سنوات والوضع الذي بات فيه دون وجود بريق أمل في نهاية النفق، يستوجب على القوى الديمقراطية أن توحد رؤاها في إيجاد مشروع وطني شامل يضم كافة الأطياف ويلم جراحها وتتعاون على حل مستدام لبناء سورية الجديدة لكل السوريين.

 

زر الذهاب إلى الأعلى