مقالات

المنهجُ الثقافي والتاريخي عند عبدالله أوجلان

sliman-mehmudسليمان محمود

كانَ أوجلان كثيراً ما يقول: (كنتُ أخجلُ من نفسي عندما أقولُ بأنني كرديّ، وكنت أقول: هذه الكرديّةُ ستجلبُ لي بلاءً كبيراً… ومن جهة أخرى:( إنني إذا ما تنكرّتُ لها فهذا معيبٌ جداً، إذن ما معنى أن أكون كُردياً ولا أصنعُ شيئاً لكرديتي!) وعلى ما يبدو فإنّ الظروفَ القاهرة التي مرّ بها الكردُ في تركيا كانت سبباً مباشراً دفعَ أوجلان لمثل ذلك القول.

لقد تعرّضَ الكرديّ لمحاولةٍ مُنظمّة لطمس هوّيتهِ الوطنيّة وابتلاع ثقافته والعبور عليه على أنه جزءٌ من الأمّة التركيّة، وبهذا ابتعد كثيراً عن إرثهِ وتاريخهِ، بيد أنّ فقدان الكرد للتطور السياسي (كدولةَ مستقلةَ) لن يحولَ دون تطوّرهم الثقافي، فرغم عدم امتلاكهم دولة إلاّ أنّ تأثيرهم واضح المعالم بالدول التي خضعوا لها. يعتقدُ أوجلان أن الكردَ يمتلكون تاريخاً مذهلاً، لأنه يرى أنّ التاريخَ الأمثلَ هو التاريخُ الثقافيّ وليس التاريخ العرقي حيث يقول: (إنّ التاريخَ العرقيّ هو ظاهرةٌ بمفردها، وأشملُ أنواع التاريخ هو التاريخ الثقافيّ).

ممّا لا شكّ فيه أن عبدالله أوجلان قرأ التاريخَ قراءةً جديدةً، فنراهُ يختلفُ مع القائلين بأنَّ امتلاكَ التاريخ هو امتلاكُ الدولة، لأن التاريخَ حسب هذه النظرية يُكتبُ وفقَ إرادة الدولة ويُوضَّبُ كما تشاء. وهذه القاعدة توافق القول بأن التاريخَ يكتبه الأقوياءُ لأنهم يمتلكون الأدواتِ الكفيلة بكتابته من (سُلطةٍ ومالٍ)، وبالتالي يُخضِعُ المُتزلفين لإرادته في كتابة التاريخ كما تشاءُ هذه الدولة.

يعتقد أوجلان أنّ الوضعَ غيرَ المستقرّ للكُرد لا يعني عدمَ امتلاكهم تاريخاً، على اعتبار أنهم لا يملكون دولةً خاصّة بهم ويقول: (إنّ عيشَ الكُرد للتمرّد بشكلٍ مُكثّف كشعب وعشائرَ ضدّ الاحتلال والمتعاملين معه هو الخاصّةُ الأخرى لتاريخها السياسي، علماً بأنّ تاريخَ الشعوب لا يتكوّن من التاريخ السياسي فقط، بل يُعبّرُ عن عدّة ميادين السياسية والحقوق، ومن التاريخ الثقافي العام حتى التطور الاجتماعي للشعوب والمجتمعات).

ثم يقول: (إنّ عدمَ التطوّر من الناحية السياسية لا يعني عدمَ التطوّر من الناحية الثقافية)، ويواصل قوله: (إن التاريخَ العرقي هو ظاهرةٌ بمفردها وأشمل أنواع التاريخ هو التاريخ الثقافي). وعليه ووفق هذه النظرية يكون التاريخُ الثقافي الأكثرَ أهمية والأوسعَ، فهو يضمُّ تراثَ الأمم ولغاتها، بل إن التاريخَ السياسي كثيراً ما يكونُ جزءاً من التاريخ الثقافي، على اعتبار أن السياسةَ في مفهومها جزءٌ من ثقافة الشعوب وتطوّرها.

ويرى أنّ التاريخَ يسيرُ وفقَ مسارٍ ثابتٍ قد لا تتشابهُ أحداثه إلاّ أنها لا تختلفُ كثيراً، فعمليةُ التطهير التي وقعت ضدَّ المسلمين واليهود في إسبانيا لا تختلفُ عن تلك التي حصلتْ في الأناضول.

الاختلافُ في درجة القسوةِ وظروفِ حدوثها، فما تعرّضَ له المسلمون هو إبادةٌ جماعية على يد المسيحيين.

والحقيقةٌ إنّ قوّةَ النفي بما تعرّض له اليهودُ صاحبَهُ ردّ فعلٍ من قبل اليهود تجاهَ العرب في فلسطين،  وبالتالي فالأحداث ربما تكون متشابهةً في بعض جوانبها وهي لا تختلف كثيراً في مراحل وقوعها.

ربّما خرجَ المسلمون واليهودُ من إسبانيا كنتيجة حتميّة بسبب جغرافيا إسبانيا، وبُعد المسلمين عن عالمهم والظروف الداخلية التي عاشوها مع تنامي الدول المسيحية وتطورها، فكان على المسلمين إمّا الموتُ على يد الأسباب أو الهروبُ طلباً للتجارة وهذا ما حدثَ لليهود أيضاً.

والحقيقةُ أنّ ظروفَ اليهود في فلسطين هي ذاتُها التي عاشها المسلمون في إسبانيا، فربّما تكونُ الواقعةُ واحدةً. المهمّ في الأمر أنّ نظريةَ أوجلان جديرةٌ بالدراسة، لأنّ التاريخَ لديه يسيرُ بحركةٍ أفقية وعمودية ، بالتالي لا يمكن لأيّ نظامٍ قائم إخفاءَ أو طمسَ تاريخ شعبٍ قائم لهُ هويته وثقافته، وعلى باقي الشعوب احترامُ هذه الخصوصّية فلا يحق لأحد استبعاده، وعليه فإنّ للكردِ الحقّ في تطوير أنفسهم سياسياً على الأقلّ بقدر ما حقّقه الأتراكُ والفرسُ.

لقد انطلق أوجلان بحديثه عن النظرية الإسلامية التي تتيحُ الحريةَ للآخرين في التساوي بالحقوق والواجبات حيث يقول: (لا يحقّ لأيّ قومية السيطرة على قومية أخرى، كلّها سواسيةٌ، لها حقُّ الحياة بحرية، هذه أهمّ حقيقة من حقائقِ الإسلام)

وهو بذلك يربطُ بين حريّة شعبه وبين الإسلام الذي منحهُ الحريةَ وفق هذه القاعدة، وبالتالي فليس من حقّ الأتراك أو الفرس أو العرب، إذا ما اعتمدوا هذه المبادئ الإسلامية، من استعباد الشعوب.

يمكن القول إنّ أوجلانَ وضعَ قاعدةً جديدة لدراسة التاريخ، على أساس أن التاريخَ لا يخصُّ الدولَ بأنظمتها وتطوّرها السياسي بقدر تناوله تطوّرات الشعوب وتقدّمها، فالدولةُ من الممكن أن تزولَ لكنّ الشعبَ باقٍ، وربّما الشعبُ الذي لا يملكُ دولةً تُبنى له دولةٌ ويخضع للتطوّر السياسي، وأنّ التاريخَ السياسي لا يخصّ الدولَ وحدها، فمن الممكن أن تُثارَ أحداثٌ سياسية للقبائل والإمارات والشعوب، وعليه فكردستانُ وشعبُها يمتلكُ إرثاً وتاريخاً سياسياً وثقافياً في نظر أوجلان.

زر الذهاب إلى الأعلى