مقالات

المضحك المبكي في مؤتمر عودة اللاجئين إلى اللاعودة


روناهي خالد
منذ ساعات الصباح بدأ الإعلام السوري ببث أخبار مباشرة من قصر المؤتمرات حول وصول الوفود المشاركة في المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين السوريين الذي أشار له رأس النظام السوري بتاريخ 9 ـ 11 ـ 2020 خلال لقائه مع الرئيس الروسي بوتين عبر الفيديو، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها عقد لقاء قمة في سوريا بهذا الاسلوب.
فمنذ عمر الأزمة السورية والنظام يتهرب من الواقع السوري الهزيل والمأساوي ويتناسى الأوضاع التي يُرثى لها للشعب السوري في ظل غياب أي بوادر للحلول، ورفض جميع المبادرات لأنهاء شرذمة الأزمة السورية، فهذا النظام الذي لا يقبل أي حل إن كان من الداخل أو عبر قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ضارباً بسياسته الشوفينية العنصرية عرض الحائط مبادرات الحل هذه!
فالدعوة إلى هذا المؤتمر في هذا الوقت ما هو إلا شيء يدعو إلى الدعابة (المضحك المبكي) وكأنما الشعب في الداخل يعيش برفاهية تامة وكل مقومات الحياة متوفرة، متناسياً أن دولته تصدرت موسوعة غينيس في الوقوف بطوابير طويلة أمام الأفران ومحطات الوقود ومراكز تعبئة الغاز. فحال كل السوريين في الداخل هو الهروب من سلطة النظام الذي يتحكم اليوم بِقُوت المواطن عبر الأفرع الأمنية التي تحولت إلى أفرع دموية، فحواجز النظام المنتشرة ضمن مناطقه مهامها بالدرجة الأولى اعتقال وسلب ونهب ما بحوزة المواطن، فلو أراد الأسد معرفة أحوال اللاجئين داخل سوريا لخَرَجَ إلى شُرفة قصره الموروث من أبيه لرأى تزاحم تلك الطوابير، فبأي حال يدعو إلى عقد مؤتمر للعودة؟.
كان الجدير به أن يدعو إلى عقد مؤتمر وطني سوري يجمع كل السوريين ضمن دستور يبني سوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية (سوريا بلا دماء)، ولكن المضحك المبكي أن يتم الدعوة إلى هكذا مؤتمر والبلد يعاني من أزمة تعقبها أزمة على كافة الأصعدة. ويضاف الى ذلك خروج أبواق النظام عبر وسائل الإعلام الرسمية ويتباهون بكلمة “خلصت”. عن أي خلاص وعن أي مؤتمرات يتحدثون ؟، لربما يقصدون أن الأخلاق أو أقله الواقعية والمنطق قد “خلصت” من سياستهم، وأصبحوا تجار وأدوات بأيدي الروسي والايراني على حساب الشعب السوري الذي لاقى الويلات نتيجة سياسات البعث.
ونحن نسال هنا إلى أين تتجه سوريا ؟ في ظل هذه الازمة المتفاقمة و زيادة الضغط على المواطن الذي ينتظر أن تسنح له الفرصة لكي يهرب من أرض الوطن التي وجب على النظام والذي يعد نفسه حاكماً لهذه الأرض التي جعلها كالمزرعة الخاصة بعائلة الأسد، أن يكون على قدر استحقاقات المرحلة و يتحلى بالأخلاق والواقعية التي تتيح خروج سوريا من عنق الكارثة.
إلى أين تتجه سوريا؟ وهذا النظام لم يتخلص من بند واحد أو حزمة واحدة من قانون العقوبات الخاص بسوريا (قيصر) والذي هدد قوت المواطن بالفقدان بسبب تعنت النظام واستمراره بممارسة العنف وسرقة مقدرات الشعب والقضاء على الشباب عبر زجهم بحروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل من أجل السيطرة على البلد وخيراته. هذا النظام الذي جعل أرض سوريا مستباحة وجعل كل قوة خارجية متحكمة بقطعة أرض خاصة بها تحت مسميات معسكرات أو ثكنات او حتى قواعد، كـ”حميميم” للروس، وقاعدة “الكسوة العسكرية” للإيرانيين، وقاعدة “اللجاة” لميليشيا حزب الله اللبناني، أو “الناصرية” لميليشيا حزب الله العراقي، والحرس الثوري الايراني في القنيطرة أو مطار دير الزور العسكري الذي كان سورياً وأصبح إيراني الشكل و المضمون. كما أن سوريا منذ بدء النزاع في أسوأ أزماتها الاقتصادية والمعيشية التي تترافق مع انهيار قياسي في قيمة الليرة وتآكل القدرة الشرائية للسوريين الذين بات يعيش الجزء الأكبر منهم تحت خط الفقر و غير ذلك.
وأعلن الاتحاد الاوروبي صراحة، الذي تلقى عدد من أعضائه دعوات لحضور مؤتمر عودة اللاجئين، عدم المشاركة فيه على لسان وزير خارجيته جوزيف بوريل الأمس الثلاثاء إن “الشروط الحالية في سوريا لا تشجع على الترويج لعودة طوعية على نطاق واسع ضمن ظروف أمنية وكرامة تتماشى مع القانون الدولي”. فمع غياب الدعم الدولي وابتعاد الاتحاد الاوربي عن هكذا مؤتمر نعلم أنه لن يكون له من مخرجات إلا ما يناسب النظام و أطماع الروس والايرانيين ومن ركب ركبهم لاستنزاف ما تبقى من خيرات سوريا، ولو كان النظام جاداً لاستطاع استقطاب الدول العظمى كالولايات المتحدة والاتحاد الوروبي، وأطراف فاعلة في سوريا كالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والتي تملك خبرة بملف استيعاب اللاجئين وإدارة المنطقة بنجاح وعدل، لكن النظام يأبى إلا ان يكون حاكماً متمسكاً بكذبة المقاومة والممانعة، ووصل بسوريا الى مرحلة اللاعودة والضياع والانشقاق الشعبي و فقر مدقع يؤدي الى حروب دموية عدة بعد هذه الحرب المميتة.
تحذر منظمات حقوقية من أن توقّف المعارك في مناطق عدة لا يعني أنها باتت مهيئة لعودة اللاجئين في ظل افتقارها للبنى التحتية والخدمية والخشية من حصول انتهاكات لحقوق الإنسان كما حصل في عفرين والمناطق الخاضعة للاحتلال التركي او حتى المناطق المحاذية لمناطق خفض التصعيد.
وفي ظل غياب أي تصريح أو موقف من قبل النظام السوري لإنهاء الاحتلال والوقوف موقف المتفرج أمام ممارسات الاحتلال التركي ومرتزقته لا تكون الدعوة دعوة للعيش بكرامة وعودة اللاجئين .

زر الذهاب إلى الأعلى