PYDآخر المستجداتتقاريرمانشيت

المسار السياسي الفاشل لأردوغان والانتخابات التركية المقبلة

من نتائج الحرب العالمية الأولى انحلال الامبراطوريات الأوروبية وولادة جمهوريات وممالك بما فيها الدولة التركية، ولكن استمرت الخلافات الأوروبية على إرثها من انحلال الامبراطوريات، وبسبب الظروف السياسية والاقتصادية آنذاك تم الإتفاق على هيكلية التقسيم الجغرافي، فكانت الجمهورية التركية الأولى وهي في حقيقة الأمر تتبع الأجندات الخارجية لأجل أهداف مستقبلية، ومن المعروف أن النهج السياسي حينئذٍ اتسم بأمور خاصة بتلك الظروف، ناهيك عن التطورات الهيكلية لجميع الدول تلك، أي المنبثقة عن الامبراطوريات.

وتم عقد العديد من الاتفاقيات الجيوسياسية واستمر الوضع على هذا النحو لغاية الحرب العالمية الثانية، وكانت الحرب حتمية آنذاك بسبب ظهور قوى سياسية وعسكرية متنافسة، وبالتالي كان من نتائج تلك الحرب انبثاق قطبين، الأول بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، والثاني بقيادة الإتحاد السوفياتي، وهما على نقيض في النهج السياسي، أنظمة ديمقراطية في الغرب وأنظمة شمولية في الشرق بزعامة روسيا

أو الإتحاد السوفياتي، وهنا تم تكليف الدولة التركية آنذاك بمهمة في غاية الأهمية كونها تتبع للغرب وعلى حدود الإتحاد السوفياتي، وهي إسلامية النهج الموروث من الحقبة العثمانية، وهنا بدأت الحرب الباردة، ومع التطور التقني الذي واكب تلك الحقبة بدأت حروب سباق التسلح، وبهذا تم انضمام تركيا إلى حلف الناتو لقربها من الحدود السوفياتية كما ذكرنا، ولذلك كان لها دور كبير في رسم السياسات الغربية في المنطقة، ولكن كان هناك أيضاً مخططاً سرياً لدور تركيا المستقبلي في المنطقة، ولذلك في بداية الأمر منذ إنشاء الدولة التركية اعتمدت النهج العلماني وضمت التيار القومي بشقيه المتشدد و المعتدل على حساب النهج الإسلامي أو التشريع الإسلامي، واستمر الأمر على هذا النحو لغاية انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة مما اقتضى وجوب تغيير هيكلية إدارة الدفة السياسية في تركيا والبدء بمشروع صعود التيار الإسلامي على حساب العلمانية للأهداف التي تم رسمها لخارطة جيوسياسية في المنطقة، ولكن علينا أيضاً ألّا ننسى أن الجمهورية التركية الأولى لديها إرث من الحراك السياسي الدولي السابق لاسيما في القضية الكردية، وجغرافيا بعض دول الجوار التي بقيت تابعة للدولة التركية باتفاقيات فُرضت بحكم الظروف السائدة في ذلك الوقت،

ووصلت الأمور إلى عهد التيار الإسلامي بزعامة أردوغان لقيادة دفة المرحلة بتكليف من منظمة الإخوان المسلمين الدولية والتي عُرفت بتأسيس نظام عالمي جديد، فكان لابد من إنشاء فوضى خلاقة في المنطقة بقيادة تركيا و بشعارات إسلامية

لكونها تمثل الثقافة الجماهيرية الكبرى في المنطقة، فكانت الثورات العربية الإسلامية تحت مسمّى الربيع العربي وانتشار الفوضى المنشودة وسطوة الواجهة الإسلامية المتشددة في المنطقة، وكانت تلك العربدة التركية العسكرية والسياسية الخارجية والداخلية، ولنبدأ من الداخل التركي ونرى ماذا كانت نتائج نهج أردوغان، فقد كانت اولى خطواته تحجيم التيار العلماني لابعد الحدود كما هو مطلوب خارجياً، وتدمير الاقتصاد

الوطني وإبدالها بالاقتصاد الحر الاستثماري الوافد من الخارج، وإدخال النظام المالي الأمريكي المتطور مما أدى إلى تحسن كبير

في سعر صرف الليرة التركية أمام العملات الرئيسية الدولية وعلى رأسها الدولار، فتوهم الكثيرون من التقدم الصناعي والعمراني في تركيا، ولكن في حقيقة الأمر هو فخ للشعب التركي، وهنا نقصد خِداع الشعب بمظاهر التقدم السريع الذي حصل في عهده، والتحسن الكبير في دخل الفرد، لكن كان هذا

بمثابة قتل الإنسان في جوهره وجعله آلة بشرية ما فرض العمل على كافة أفراد العائلة الواحدة، وهي ثقافة جديدة على الشعب التركي

بطبيعة الحال. إذاً نستطيع القول: إن أردوغان تمكّن بنجاح كبير في تدمير البنية التحتية بشقيها الشعبي والاجتماعي والاقتصادي، إذ رسّخ تبعية النظام المالي والاقتصادي للخارج، وهو ما أفقدت تركياالسيادة الوطنية والسياسية والاقتصادية، وكذلك المناهل العلمية ونخص هنا تحديداً الجامعات التي يتم إدارتها من التيار العلماني علناً بينما تُدار سراً من التيار الإسلامي بزعامة فتح الله كولن “المُبعَد والمقيم في أمريكا وهو معروف بأنه من أثرياء الدولة التركية”.

ولعل من ابرز الدلائل على التحقق من ذلك هو أنه بمجرد زيارة السجون التركية سنجد الآلاف من الأساتذة العلمانيين والضباط إضافة إلى نشطاء سياسيين وإعلاميين، ناهيك عن الساسة الكرد، وهذا يؤكد اتساع الهوة في صفوف المجتمع التركي.

هذا في الداخل التركي كما ذكرنا.

أما في المحيط المجاور للدولة التركية وغيره فهو أكثر تعقيداً لكونه يدخل في السياسة الدولية والصراع الدولي المحموم حول أحادية القطبية، وهو مرفوض تماماً في العديد من القوى الدولية النافذة والكبرى، لفشله في إدارة العالم وما يترتب عليه من مشكلات تمس السيادة الوطنية السياسية والاقتصادية وغيرها.

ونبقى في المحيط الأقرب للدولة التركية الذي يعنينا مباشرة نحن الكرد والسوريون عموماً، هنا على ما يبدو قد ارتكبت أردوغان الخطأ التاريخي في مسيرته السياسية والمحددة الأهداف أصلاً في احتلال الشمال السوري وتدمير البنية التحتية، والقيام بسياسات التغيير الديموغرافي وإنهاء الوجود الكردي تماماً في مناطقه التاريخية ناهيك عن جعل تركيا منهل الإرهاب الإسلامي المتشدد وتصديره إلى الخارج عبر سوريا.

بعد مرور أكثر من عقد على هذا النهج ونجاح المخطط التدميري للمنطقة

وترسيخ الفوضى الخلاقة يكون الدور الإسلامي قد شارف على الإنتهاء وبدأت مرحلة جديدة متممة لسياسات الدول المشغلة في المنطقة وعبر تركيا أيضاً برعاية الأحزاب العلمانية مجدداً، ولكن بعيداً عن التيار القومي الذي سينتهي مع أردوغان، لأن الهدف الرئيسي هو إرساء نظام ديمقراطي على مقاييس النهج الغربي، وهو لن يكون إلا بمشاركة الكرد وحل القضية الكردية الموروثة أصلاً من الإرث العثماني، وكذلك في المحيط المجاور للدولة التركية، أي في كلٍّ من العراق وسوريا ويتجه نحو شمال العراق “إقليم كوردستان” الذي تم ربط نهجه السياسي بنهج أردوغان، وبذلك يكون مصير هذا النهج الإنتهاء مع انتهاء أردوغان في الانتخابات التركية القادمة وفقاً للسياسة الدولية القادمة والمحددة في هذا المجال، ولن يتم المساس بجغرافية الإقليم و كيانه العام بينما فقط النهج السياسي، ومن هنا نتوقع أن يكون تأثير نتائج هذه الانتخابات كبيرة على روج افا إيجابيا لكون الإدارة الذاتية المعلنة في الشمال السوري قد أثبتت نجاحها بشكل منقطع النظير في عموم المنطقة وهي مواكبة النهج الديمقراطي الحقيقي الضامن لكافة الحقوق ولجميع المكونات بعيداً عن الفكر القومي أو الشمولي، وبهذا نعود إلى الانتخابات التركية والتي سيكون للكرد تأثير كبير في ترجيح كفة الميزان، هذا ناهيك عن إدراك الشعب التركي عموماً حقيقة ما آلت إليه الدولة التركية

بفعل سياسات أردوغان الإجرامية في المنطقة والداخل التركي، ولهذا نتوقع من كل ما تقدم أن يتخذ الشعب التركي قراره ويتوجه إلى الصندوق الإنتخابي المناسب لتصحيح الأوضاع والخروج من مستنقع أردوغان المدمر للجميع وإرساء الحياة التشاركية بين جميع المكونات التركية مواكبة الحضارة الإنسانية الإجتماعية الراقية، وإذا دققنا هنا نجد مجدداً إن المشروع السياسي للكرد عموماً وكرد روج افا خاصةً

يسير نحوه هذا التوجه الحضاري

لإدارة الدفة السياسية للمنطقة وهنا لكرد تركيا الممثلة بحزب الشعوب الديمقراطي في تحالفه مع كتلة الأحزاب التركية المعارضة أن تؤكد وترسخ هذا التوجه لأنه أصلاً يلقى الدعم الدولي والذي يتوجه إلى جعل التعايش السلمي بين جميع الأقليات نموذجاً للتعميم على دول المنطقة التي تعاني من نفس السياسات والأزمة، وبالعودة

إلى روج افا نحن نعلم جميعاً إن الإدارة الذاتية وجميع المكونات المشاركه معها لا تعشق الحروب بل هي من أكبر دعاة السلام وشعارها الاستراتيجي أصلاً (إخوة الشعوب) وهي تراقب عن كثب الأوضاع الداخلية التركية وتدعم بكل قوة التوجه السلمي لسياسات الدولة التركية المستقبلية.

إعداد: رشيد أحمد و زهير سيدو

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى