مقالات

المرأة والإيكولوجيا

فالنتينا عبدو

المرأة هي أول من مارست السياسة، وقامت بإدارة شؤونها بشكل عادل ضمن العائلة التي كونتها وتكاثرت في ما بعد وأصبحت مجموعة ثم مجموعات وقبائل وعشائر وأقوام واستمرت إلى يومنا هذا، وهي أول من قامت بخلق مؤسسة اقتصادية في التاريخ وذلك بتطويرها للزراعة وتدجين الحيوانات واختراعها للآلات وكل ما يلزم لتأمين استمرارية الحياة، وارتفعت وارتقت الأخلاق والحقوق واللون الطبيعي للحياة بطليعة القيم الأخلاقية التي أظهرتها المرأة بجوهرها الأنثوي الذي تطور حول طبيعة المرأة أو نظام الأمومة، حيث تكونت الحماية الأولى وحياة الجماعة المشتركة وإنتاج جماعي بانضمام الرجل أيضاً إلى نظام المجتمع الطبيعي ضمن نظام العدالة التي اُقرَّتْ من قبل الأم (المرأة)، ولكن مع تطور الهيمنة السلطوية والذهنية الذكورية، ووضع القوانين التي صادقت على عبودية المرأة وسيطرة الرجل عليها أدت إلى تدهور الطبيعة، وعلينا ألَّا ننسى أيضاً الرأسمالية التي أصبحت كالوحش الكاسر تتحكم بالطبيعة والبيئة لمنفعتها الخاصة والحصول على الربح الأعظم، لذلك نرى اليوم غضب الطبيعة يهدد حياة الملايين من البشرية فالمجتمع البشري له تاريخ طويل وصولاً إلى يومنا الراهن مما عاناه من مشقة وعناء عبر التحول المجتمعي الذي حصل فيه.

ومن المعروف أيضاً أن الأحداث التاريخية والحروب والمشاحنات وتصنيع القنابل النووية والأسلحة البيولوجية تسببت في تدهور البيئة؛ لأن قوى الحداثة الرأسمالية عبثت بها، ولم تتعامل معها تعاملاً طبيعياً بل تعسفت الرأسمالية الصناعية بحق الطبيعة من خلال نشاطها المخرب للبيئة.

فمفهوم الإيكولوجيا هو التوازن بين الكائنات، لا أن يطغى كائن على الآخر بسبب النزاعات الحربية المدمرة والسياسة الرأسمالية التي تسببت بخلق مشكلة التضخم السكاني وتفاقم هذه المشكلة أدى إلى الفساد ودمار القيم الاجتماعية، وللتخلص منها يجب ترسيخ دور المرأة لأن انهيار المرأة يعني انهيار المجتمع ولا يمكن أن يتحقق دمج هذه الثنائيات إلَّا في المجتمع الكومونالي ولا يمكن حماية البيئة إلَّا بترسيخ كافة مبادئ الحياة والجماليات التي تتم بيد المرأة؛ لأن المرأة منذ بداية المجتمعات هي الأقرب للطبيعة، وتعلمت الزراعة والطب وكل مستلزمات الحياة مما أكسبتها علم المعرفة من خلال تنبُّئِها بالطبيعة، ومن خلال مراقبتها للطبيعة واكتساب الخبرة منها للاستمرارية، فالمرأة شعرت بأن الطبيعة تعطي ولا تبخل فكونت معها علاقة حب وانسجام فهي التي تربي الأجيال وبالتالي هي التي تُنَمِّي فيهم الإحساس بالمسؤولية تجاه البيئة كما تتحمل المرأة إدارة البيت مما يجعل لها شأنا في مواجهة التلوث المنزلي وفي اختيار السكن المناسب بيئياً كما تقوم باختيار الأنسب لأسرتها من السلع الغذائية والأدوية والملابس؛ فهي التي تختار السلع الصديقة للبيئة فالمرأة التي تفلح الأرض وتزرع المحاصيل وترعي الحيوانات هي أكثر أفراد المجتمع إحساساً بالمشاكل البيئية بدءاً من تدهور التربة الزراعية والجفاف وتلوث المياه والهواء والأمراض، كما أن  استمرار المرأة في زرع قيم الجمال والطبيعة في نفوس أطفالها منذ الصغر دليل على دورها الكبير والقوي وعلاقتها مع البيئة.

فالأخلاقيات الجمالية جزء لا يتجزأ من علم المرأة لأن طبيعة المرأة من الطبيعة، لهذا يجب العودة إلى حقيقة ميراث الأم وجذورها التاريخية في حقيقة مهد حضارة الشرق الأوسط الحي فهي منبع الحضارات.    

زر الذهاب إلى الأعلى