ثقافة

المرأة والأدب

أثبتت الدراسات العلمية أن النشأة الاجتماعية الأولى كانت على الهلال الخصيب (طورورس وزاغروس), وفي هذه النشأة كانت المرأة هي العنصر الأساس للحياة.

فالمرأة بإبداعها وقوَّتها ووعيها طوَّرت مرحلة النيولوتيك، وبجهودها أوجدت الحلول للحاجات الحياتية، وفي الميثولوجيا السومرية يقال: إن قوانين إنانا هي علم وتقنية المرحلة النيولتيكية، وإن ثقافة تلك المرحلة مستمرة إلى راهننا.

منطقة الشرق الأوسط هي المنطقة التي نشأت فيها لأول مرَّة الثقافة الإلهية، وفي نفس هذه المنطقة هُدِّمَت تلك الثقافة على أساس إنكار وتهميش واستبعاد المرأة.

العلوم الاجتماعية منذ نشأتها وحتى اليوم لم ترَ طبيعة المرأة والتي تُشكل قسماً مهماً في الطبيعة الاجتماعية على أنها تستحق البحث والتعمق؛ بل ولم تتناول المرأة كوجود بشكل عام؛ إنما تم أسرها في جميع نواحي الحياة وخاصة الناحية الذهنية والجسدية وفي جميع الأزمنة وحتى أزمنة الحضارات؛ لذلك يجب البحث عن طرق وأساليب لفتح الطريق أمامها.

عندما نقول(jin) باللغة الكردية ننجذب لسماع هذه الكلمة والتي تعني الحياة، فالمرأة هي الحياة التي تعني الوجود والكينونة إلا أن هذه الحقيقة طُمِست على مرِّ العصور وتم إخفائها لأسباب تعود إلى السلطة أو الذهنية الذكورية.

فالمرأة تعتبر رمزاً للجمال والأنوثة أينما وُجدت، ومصدر العطاء والانبعاث في ذلك التنوير الإلهي للأسرار وهي الطريق للوصول إلى الحقيقة (حقيقة الحياة)، ولأن الفكر يرتبط بالعمل؛ فالحياة تحتاج دوماً إلى الجانب المعنوي كما الجانب المادي.

فمنذ بدء أنسنة الإنسان وتكوين الحياة المجتمعية بدأت المرأة تكتشف معالم الحياة وفنونها وهندستها؛ فاكتشفت الطب وعلوم الفلك بسبب تحليلها العميق للحياة الانسانية, ولكن التاريخ اقتصر على فئة معينة، والتي حاصرت الإحساس الأنثوي وكبَّلتهُ بقيود وسلاسل دون الانصياع لأدنى صوت للضمير.

ففي القرن الواحد والعشرين ورغم توصيفه بقرن الحريات والحقوق والعدالة والمساواة؛ إلّا أن المرأة مازالت تواجه الأمراض المتفشية في المجتمع وتعاني من العادات الأُسَريَّة البالية وإرهاب الشارع ويهمش دورها في السياسة بالإضافة إلى القيود المفروضة عليها باسم الدين… إلخ.

فهكذا جُرِدَت المرأة من كافة حقوقها وبالتالي تجرَّد المجتمع من الإنسانية والحياة.

كل هذا الكلام الذي سبق لم يأتِ من فراغ بل من عمل مدروس لكسر إرادة المرأة وإبعادها عن ميادين الحياة، ونحن هنا لسنا بصدد تهميش أو محاربة ذلك الكائن الذي يسمى الرجل، وإنما الهدف منه هو محاربة الفكر القائم على الذهنية الذكورية، وما يجب البحث عنه؛ هي تلك المفاهيم التي شوَّهت الحياة البشرية، والكثير منا للأسف يتماشى وهذه المفاهيم لتغلغلها في مجتمعنا مما زاد من ترسيخ هذه الذهنية, علماً أن هذه الحالة ناتجة عن سيكولوجية ممارسة الظلم ليس ضد المرأة فقط؛ إنما ضد الرجل نفسه أيضاً؛ فالرجل في مجتمعنا مقيَّد بالكثير من القيود الاجتماعية والدينية والعادات والتقاليد.

كذلك لو ألقينا نظرة على وضع المرأة الكردية نجد أنه كان الاعتقاد بأن المرأة الكردية كائن ضعيف ومسلوب الإرادة، ولكن المرأة في روج آفا بفضل نضالها المنقطع النظير بدَّلت هذه النظرة جذرياً، فكلنا يعلم أن للمرأة دور كبير في ثورة روج آفا؛ وخروجها من المنزل لتبحث عن ذاتها وعن طاقاتها يُعتبر بحد ذاته ثورة، لقد أدركت المرأة أنها تمتلك طاقات هائلة لم تكن هي نفسها تعرف هذه الطاقات، وحطمت القيود التي كانت تكبل إرادتها وكانت تأسرها والتي كانت تجعل منها كأي شيء من موجودات المنزل، وبانخراط المرأة ضمن الثورة والمقاومة التي أبدتها بدأت بكتابة تاريخ المرأة وتاريخ الإنسانية من جديد, فتاريخ الشعوب والمجتمعات كُتبَ بيد الرجل؛ (الرجل المنتصر طبعاُ)، والنقطة الأبرز في ثورة المرأة في روج آفا كانت وحدات حماية المرأة التي لم تأتِ من فراغ؛ بل جاءت نتيجة لميراث المرأة ونضالها الطويل، وامتداداً لثورة المرأة ضمن حركة التحرر الكردستانية وفلسفة تحرر المرأة التي أطلقها المفكر عبد الله أوجلان فكان لها دوراً ريادياً في دحر أقوى وأعتى قوة إرهابية المتمثلة بداعش.

وحتى من الناحية السياسية فقد كان مصطلح السياسة مرتبط باسم الرجل لأن مؤسسة الدولة المتمثلة بذهنية الرجل السلطوي هي التي فرضت ذلك؛ فالأنظمة المستبدة استخدمت كلمة السياسة لِخِداعِ المجتمعات بعيداً كل البعد عن القيم؛ مثل سياسات ميكافيلي للحفاظ على السلطة.

أصلاً كلمة السياسة تعني (إدارة المدينة) ولكن تم إقصاء المرأة في إدارة المجتمع وبالرغم من مشاركتها في الثورات إلا أنه بعد تحقيق النصر كان الرجل يتبوأ مراكز القرار وتعود المرأة إلى المنزل وكأن دورها انتهى بتحرير الوطن من الأعداء, ولم يعد لها أي دور في المجتمع عدا إنجاب الأطفال.

أما في ثورة روج آفا فلقد لعبت المرأة دور هاماً فقامت بما عليها وكان ما لها؛ لأن المرأة المنظمة هي التي تساهم في بناء مجتمع حُرٍّ وديمقراطي، وظهرت النتائج على أرض الواقع؛ حيث صدرت قوانين المرأة وهي قوانين خاصة بتنظيم العائلة وبالتالي تنظيم المجتمع.

 أما عند الحديث عن المرأة والأدب فما زال هناك معارك يومية تخوضها  للتعبير عن معاناتها في ظل الأنظمة الذكورية.

إن نضال المرأة في مجال الأدب لا يقل شأناً عن نضالها في المجال العسكري والاقتصادي والسياسي، وقد لاقت المرأة الكاتبة والشاعرة الكثير من المعوقات والصعوبات التي لا تقل عمَّا لاقت أقرانها في المجالات الأخرى.

فالنظرة الدونية للمرأة جعلتها غير واثقة من نفسها ويتملكها الخوف من الرجل في إبداء رأيها والتعبير عنه بالكتابة؛ فالرجل دائماً يسعى للحد من حرية المرأة والقول بأنها غير قادرة على الوصول إلى درجة الإبداع بزعم أنها تكتب لتفرغ مشاعر الكبت والألم عنها.

ومازال البعض ينظر إلى كتاباتها بأنها كتابات سطحية وكلمات نسائية وردية، وهو أدب خيالي لا يمُتُّ للواقع بصلة تبنيه المرأة من خلال تصورها لعالمٍ افتراضي، وحتى عند طرحها الحل يُرى غير واقعي. لكن الحقيقة تقول: إن من يعايش المعاناة بل ويعيشها؛ هو الأقدر على التعبير عنها ووَضعِ الرؤى والحلول لها؛ لتأثرها الشديد بالطبيعة المجتمعية، ولو كتبت هذه المرأة لاستطاعت أن تعبر بشكل أعمق وأكثر عقلانية لامتلاكها حساً مرهفاً وشعوراً نبيلاً، وكانت استطاعت التعبير بكلمات تلامس الجرح في قضايا المجتمع بكل شفافية، وطرحت مواضيع ومشكلات المجتمع بكل أمانة ومسؤولية، وخاصةً المرأة الفنانة والشاعرة.

الأمر المؤسف أنه مازال نتاجات الرجل الأدبية هي التي تنتقل إلى الأجيال وتكاد تكون الكتابة حكراً عليه فقط؛ وإظهار النساء ناقصات عقل ودين، وغيرُ قادرات على الإبداع والكتابة، وأن الرجل هو الوحيد القادر على الإبداع في مجال الكتابة كما سائر مجالات الحياة، انطلاقاً من الطابع السلطوي والذهنية الذكورية ويتجلى ذلك بوضوح في قصصهم ورواياتهم التي يُبرزون فيها المرأة على أنها عنصر ثانوي وسهولة السيطرة عليها وتحميلها مسؤولية أغلب مشاكل المجتمع أولاً وأخيراً.

على الرغم من أن المرأة تعيش مع الرجل ضمن هذا المجتمع بكل مشاكله وعُقَدِهِ لكنها الضحية التي تدفع ثمن أمراض المجتمع حتى من الناحية الأدبية أو تناول قضية مجتمعية ما وحلها، وقد برز ذلك من خلال نِتاج الكثير من الأديبات اللواتي حاولن طرح القضايا المجتمعية بأساليب واقعية ومنطقية وطرح الحلول لها.

نجلاء خلف

زر الذهاب إلى الأعلى