المجتمعمانشيت

المرأة الكردية الفدائية أيقونة الثورة والحرَّية

تقول سوزدار أفيستا: إنها كانت بجانب القائد آبو (عبدالله أوجلان) عندما وصل إليهم نبأ عملية الرفيقة زيلان، وتضيف: <في اليوم التالي للعملية التي قامت بها الرفيقة زيلان طلب القائد آبو إلينا عبر جهاز اللاسلكي حضور جميع أعضاء الحزب لنقيّم معاً العملية التي قامتْ بها رفيقة الدرب زيلان؛ مفسراً عمليتها بقوله: “عندما يكون الإنسان مرتبطاً ومتعلقاً بهدفه ومنظماً نفسه جيداً في ذلك يمكنهُ تحقيق النصر المؤزر”.

وتتابع سوزدار افيستا: <حقاً كانت الرفيقة زيلان تثقُ بالقائد دون أيَّ تردد كما أن سلسلة أفكارها من أجل القائد كانت بهذا الشكل وقالتْ: “إنني أعرف جيداً بأنكَ تسيرُ على خطى شهداء الحرية لذا، أعرفُ جيداً بأنكَ ستقيم شهادتي جيداً وكلي ثقة بك.” فهذا يدلُّ بأن الرفيقة زيلان قد تمكنتْ من فهم القائد بشكلٍ تام. لهذا قررتْ القيام بالعملية، لا ريب في التفسيرات التي قام بها القائد من أجل هذه العملية كانت صائبة، والذي أتم وأكملَ هذه تفسيرات كانت العملية والأفكار التي سردتها لنا الرفيقة زيلان في رسالتها. ومرةً أخرى تقول الرفيقة زيلان من أجل القائد؛”ياليتني أملكُ جسداً آخر، لكنتُ قد أفديتُه مرةً أخرى”>.

مَن هي زيلان؟!

أنا مدينة ملاطيا مواليد 1972م أسمي زينب كناجي، بالأصل أنا من قرية ألمالي التابعة لمدينة ملاطيا. نحن معروفون في المنطقة باسم عشيرة مامورلي. لقد تخرجت من جامعة إينونو في ملاطيا قسم المستشارية النفسية؛ قبل انضمامي إلى صفوف قوات الكريلا، كنت أعمل في قسم التصوير والأشعة ضمن المشفى الوطني في ملاطيا” هكذا عرَّفت زيلان عن نفسها.

كيف تعرفت على الحركة التحررية الكردستانية؟

زيلان في رسالة لها تتحدث عن كيفية انضمامها إلى صفوف الكريلا بالقول: “لقد تطور اهتمامي بالفكر اليساري والقضية الكردية عندما كنتٌ أدرس في الثانوية، وتعمقتٌ في أمور الحياة خلال هذه السنوات، ولكنني لم أتبنَ أي نهج سياسي خلال مرحلة الجامعة توضح اتجاهي من بين الأفكار اليسارية حيث بدأتٌ أميل إلى نهج الـ PKK وأسانده بشكل واضح.

إن اهتمامي وميلي إلى الشعور الوطني الكردي (الكردايه تي) ينبع من تمتع العائلة ببعض الخصوصيات الوطنية سابقاً ولو بحدود ضئيلة، وضمن سياق المرحلة تطور الجانب الفكري في شخصيتي وتوضح، ونتيجة ذلك قررت الانضمام  إلى صفوف الكريلا.

وفي العام 1994م  بدأتٌ أشارك في فعاليات الجبهة في مدينة أضنة، وقد بقيتٌ ضمن هذه الفعاليات لمدة سنة، وفي سنة 1995م التحقتٌ بصفوف الكريلا في ديرسم.

خلال هذه المدة التي بقيتٌ فيها ضمن صفوف الكريلا تمكنتٌ من التعرف على شخصيتي من كل الجوانب واكتسبتٌ تطوراً في شخصيتي قياساً بالمراحل السابقة؛ أستطيع القول بأنني استمدتٌ القوة في مسألة المعنويات والقرار والإرادة والحسم في كثير من القضايا آنذاك.

كيف نفذت عمليتها الفدائية؟

زيلان ذي السنة الواحدة في صفوف الكريلا والرابعة والعشرون من عمرها حققت عمليتها الفدائية في مركز مدينة ديرسم ضد القوات التركية أثناء مراسيم رفع العلم التركي وهي محملة بـ 8 كيلو من المواد المتفجرة TNT وقطع من الحديد وقنبلتين يدويتين حيث تظاهرت كالمرأة الحاملة حتى تستطيع تنفيذ عمليتها في المكان المستهدف بنجاح، كانت حصيلة عمليتها ثمانية عشر قتيلاً وواحداً وعشرين جريحاً، وزرعت عملية الرفيقة زيلان رعباً وخوفاً كبيراً بين صفوف الجيش التركي، كونها كانت العملية الأولى من نوعها في تركيا.

رسالة الشهيدة زيلان إلى القائد آبو:

قائدي.. إنني أرشح نفسي من أجل القيام بعملية انتحارية!.

إننا إذا ضحينا بأرواحنا أيضاً فأنها غير كافية إزاء جهودكم وكدحكم الذي لا ينتهي. وحبذا لو كان هناك أشياء أخرى نضحي بها غير أجسادنا. لقد خلقتم شعبنا من جديد من خلال نضالكم الجبار، إن وجودنا هو نتيجة لجهودكم الإبداعية؛ أنتم ضمان الشعب الكردستاني ومستقبل الإنسانية كلها، حتى حياتكم التي تعيشونها تمنح الشرف والحب والشجاعة والإيمان لجميع أبناء الشعب الكردستاني وللملايين من الناس المرتبطين بكم حتى الموت. إن هذه الجاذبية في شخصيتكم تؤثر علينا أيضاً بشكل كبير؛ عندما ندخل في الأوضاع الصعبة فأننا في ذلك الأثناء نكتسب القوة المعنوية من خلال تفكيرنا بحبكم لنا؛ أنتم أكثر الناس مرتبطين وملتحمين بالشهداء. على هذا الأساس فأننا عندما نذهب إلى الشهادة نعرف جيداً وبشكل قطعي بأنه هناك من يمثلنا وسيستمر في هذا النهج؛ إنني عندما أريد أن أقوم بهذه العملية فإنني أرى بأنها مهمة مطلوبة مني أداؤها، وأحس بأنني مسؤولة أمام التاريخ. من أجل أن أستطيع التغلب على نقاط ضعفي والتوجه نحو آفاق الحرية وتحقيق ذاتي فأنني أرى السبيل إلى كل ذلك من خلال الحرب.

وإنني على قناعة بأن كل ذلك يمر عبر التجاوب مع متطلبات هذه الحرب. أريد السير على طريق نضال الرفاق: “مظلوم، كمال، خيري، فرهاد، بسي، بريتان، بيريفان، روناهي” والتمسك بنهج المقاومة الذي مثلوه؛ أريد أن أحقق رغبة شعبي في الحرية ومواجهة السياسة الامبريالية التي تريد أن تحوّل المرأة إلى عبدة أريد أن أفجر نفسي كقنبلة لكي أظهر كل غضبي وعنفواني بشكل كبير ولكي أتحول إلى رمز لانبعاث المرأة الكردية.

ماذا قال القائد أوجلان عنها؟

بعد تنفيذها لعمليتها الفدائية قال القائد آبو عنها: “رفيقة الدرب زيلان هي قائدتي وينبغي تنفيذ أوامرها والسير على نهجها”، وقد قيم عمليتها الفدائية فسماها <المانيفستو>.

إلا أن هذا التقييم والتسمية تطبق على عملية المناضلتين آرين ميركان وأفيستا خابور اللتان أصبحتا أيضاً رمزاً للمرأة الحرة في كردستان والعالم أجمع، والكثيرات من المناضلات اللواتي صنعن من أجسادهن تلك المنارة التي أضاءت حياة المرأة ونقلتها من العبودية إلى الحرية وأثبتن أن القدرة التي يمتلكنها ليست لها حدود بعد أن قدَّمن الملاحم البطولية والفدائية والقيادية في وحدات حماية المرأة؛ “آرين ميركان” إحداهن وخير مثال على قدرتهن بعد العملية الفدائية التي نفذتها في تلة (مشته نور) ضد مرتزقة داعش.

من هي المناضلة آرين ميركان:

ولدت آرين ميركان الاسم الحقيقي ديلارا كينج في قرية ميركان التابعة لناحية موباتا بمقاطعة عفرين عام 1992 وسميت باسمها “ديلارا” نسبة إلى المناضلة ديلارا التي فقدت حياتها ضمن صفوف حركة التحرر الكردستانية، وتنحدر المناضلة من عائلة عرفت بمواقفها الوطنية والقومية الثابتة ولها ثلاثة أخوة منضمين إلى صفوف وحدات حماية الشعب.

تحلّت المناضلة آرين بشخصيّة مميّزة منذ صغرها وعُرفت بإصرارها وصبرها على تحقيق أهدافها وكانت تمتلك روح المسؤوليّة العاليّة، فدائماً كانت تقول: “أريد أن أفعل شيئاَ لم يفعله أحد غيري”، وعندما تكون في مكان ما تترك وراءها أثراً وكانت جريئة جدّاً حسب أقوال رفقائها.

العملية الفدائية التي قامت بها المناضلة آرين:

آرين صاحبة الابتسامة كانت تتمتع بكل الخصائص التي تؤهّلها أن تكون القائدة الميدانية في كل ساحات المعارك ولتصبح دائماً مصدر قوة لرفيقاتها ورفاقها مهما كانت الظروف والشدائد، لتنشر بابتسامتها وحيويتها الدائمة السعادة في نفوس من حولها، وبروح المسؤولية العالية التي تحلت بها تجاه قضية شعبها أصبحت مكاناً تتلقى منه رفيقاتها التوجيهات والمعرفة.

هذه القائدة العشرينية تحلت بالقوة والجرأة عندما وقع اشتباك بين وحدات حماية الشعب ومرتزقة داعش في الخامس من شهر تشرين الأول عام 2014 على التلّة المطلّة على كوباني تلّة “مشته نور”، وكانت مرتزقة داعش تتقدم بشكل سريع لذا وكي تحد من تقدمهم نحوها هي ورفاقها قامت المناضلة آرين بالاقتراب من نقطة تجمع المرتزقة وعند وصولها فجّرت نفسها بقنبلة يدوية أدّت إلى انفجار عدّة قنابل أخرى كانت تضعها في جعبتها، ممّا أدّى إلى سقوط عددٍ كبير من القتلى من داعش.

ماذا قيل عن آرين ميركان:

رفيقات ميركان تحدثن عن بدايات وصولها إلى كوباني ومشاركتها في المقاومة.

فقالت المقاتلة سوزدار كوباني التي رافقت الشهيدة: “آرين كانت صاحبة معنويات عالية وتوصل تلك المعنويات إلى رفاقها حتى في أصعب الأوقات”.

دجلة كينج وهي شقيقة المناضلة آرين ميركان قالت عنها: “المناضلة آرين منذ صغرها كانت تتميز بروح وطنية عالية، وبسبب روحها المعنوية العالية انضمت لوحدات حماية المرأة”.

هكذا وصفت والدة المناضلة “آرين” العملية الفدائية لابنتها.

“آرين أصبحت عروسة كردستان وهزت العالم بعمليتها الفدائية وأنا أفتخر بأنني والدة الشهيدة آرين التي ضحت بحياتها في سبيل حرية وطنها، وقامت بعمليتها الفدائية التي كسرت معنويات العدو.

ما مثلته المناضلة آرين ميركان كان جوهر المقاومة في كوباني. الشهيدة آرين أبت أن لا تكون إلا تلك الفتاة الكردية التي تحمل عبء شعبها على كاهلها وتكون خير ممثلة لذلك، فصنعت مثلها الكثيرات من المناضلات أمثال أفيستا خابور ذات العشرين ربيعاً حيث سارت هي الأخرى على درب زيلان وآرين وروناهي وبسي بريتان وبريفان، وفجرت نفسها عبر عملية فدائية في دبابة للعدو بقرية حمام التابعة لناحية جنديرس بتاريخ 27  كانون الثاني 2018 أي بعد 7 أيام من الحملة التي أطلقتها تركيا لاحتلال عفرين، عمليتها هذه أدت إلى إعطاب الدبابة ومقتل مَن فيها. هذه المقاتلة التي مثلت الأخلاق في جوهرها..

كيف عرفت عن نفسها:

“أنا من ناحية بلبلة، اسم والدي أحمد واسم أمي أمينة. كنت في البداية في دمشق ولم أكن أعرف الحركة التحررية الكردية أبداً في ذلك الوقت، ومع أن العديد من أفراد عائلتي انضموا إلى الحركة لكنني لم أكن أعرف الحركة جيداً حينذاك؛ بعد مجيئي إلى القرية تأثرت بالرفاق؛ عندما كان يأتي الرفاق إلينا كنت أتأثر بهم كثيراً في الواقع، ثم أردت الانضمام بشكل شديد والتعرف على كل شيء يخص القيادة حيث أنني لم أكن ملمة بكفاح القيادة من أجل المرأة، وبعد أن انضممت تعلمت ذلك عن طريق المقاتلين”.

أول ظهور لـ أفيستا كيف تحدثت؟

اسمي آفيستا خابور ونحن الآن في أكاديمية الشهيدة شيلان، في الواقع إنك في أكاديمية أيديولوجية بهذا الشكل تتعلم أشياء كثيرة، الأشخاص هنا يركزون على مبادئ الحركة، أغلبهم يتحدثون عن موقف المرأة ووضعها في المجتمع، على سبيل المثال لا يمكنها المطالبة بحقوقها في المجتمع وتتعرض للصهر على الدوام، لكن عندما ينضم المرء إلى هذه الحركة فإنه يفكر كثيراً بهذا الموضوع، حسب الآراء التي تعرب عنها القيادة بخصوص المرأة يجب معرفة النضال الذي يجب أن تقوم به المرأة، هذا النضال يجب أن يمتلك قوة، وما هي القوة التي يجب أن يخلقها، من الناحية السياسية والعسكرية”، هذه الكلمات قالتها “آفيستا”، في ظهورها الأول بفيلم تسجيلي قصير خلال فترة التدريب.

ختاماً نقول:

الفدائي هو ذاك الشخص المستميت في الدفاع عن وطنه، لكن حرفت الفدائية عن معناها الحقيقي وبات كل فدائي إرهابي في نظر العالم، لأن المجموعات الإرهابية ما انفكت عن استخدام المتشددين والمتطرفين الذين ارتكبوا مجازر وجرائم بحق الأبرياء من مختلف الشعوب، بيد أن المفهوم الحقيقي للفدائية يكمن في النضال من أجل استعادة الأرض والحق المغتصب الذي يشرعن كفاح الإنسان، أما أبرز النسوة اللواتي سخرن هذا المفهوم في إطاره السليم هن النسوة الكرديات أمثال زيلان وآرين وأفيستا، وكذلك النسوة الفلسطينيات مثل آيات الأخرس، هنادي جرادات، ووفاء إدريس.

   إعداد: سيدار رمو/ دلناز دلي

زر الذهاب إلى الأعلى