الأخبارمانشيت

المرأةُ الكرديّة تبني ديمقراطيةً نسويةً وتقاتل داعشَ في الوقت نفسه

independent رئيسةُ أكبر حركة ثورية تنادي بحقوق المرأة في العالم تتحدّث لصحيفة الإنديبندنت عن المدى الذي تجسّدت فيه مثلها العليا في خضم الحرب على داعش

آسيا عبدالله ليست سياسية برَّاقة. هي تتحدّث بتروٍ ورويداً رويداً بالكرمانجية، وبنبرة توحي بأنّها قد تمرّنت على استخدام أدواتِها مراتٍ عديدة.

ولكن رغم هيئتها المُتحفّظة المُحترسة فإنّ عبدالله تُعتبر أحد أكثر الشخصيات الثورية المُتأصّلة والمؤثرة في العالم اليوم.

في فوضى الحرب الأهلية في سوريا اغتنمَ أهلُ البلد الكُردُ الفرصةَ لينتزعوا نصيبهم الخاصّ بهم من أيدي الآخرين.

كردُ سوريا، الذين هُمِّشوا طويلاً من قبل النظام البعثي في دمشقَ، وبعد أن تصدوا للقوات الحكومية في عام 2012، تمكنوا من إقامةِ نظامٍ اجتماعيٍّ جديدٍ مستقرٍ وسلمي نسبياً، ترّسخ في روج آفا في الشمال السوري، وأخذ في الازدهارِ رغم وجود أعداءٍ مثل داعشَ من كلّ الجهاتِ.

عبد الله هي بمثابة القوّة المُحرّكة في المعركة من أجل حرية الكُرد ــ لكن كونها الأنثى المشاركة في رئاسة حزب الاتحاد الديمقراطي السوري المُنتخبة جنباً إلى جنبِ مُمثل الرجال صالح مسلم في 2010، فإن دورَها المحدّد يتجسّد في الدفاع عن تحرّر المرأة.

“إن المرأةَ المتحرّرة هي البصمةُ في حياةٍ حرّة وديمقراطية”، قالت في الكلمة الخطابية التي ألقتها في سفارة العالم الجديد روج آفا في أوسلو في نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني.

“يريد تنظيمُ داعشَ أن يسحقَ النساءَ ويحوّلهن إلى عبيدٍ وأشياءَ جسمانية. نحن نثبتُ لهم بأنهم مخطئون، وبإمكاننا أن نفعل أيّ شيء”.

إنّ تجربةَ روج آفا ليس لها مثيل. فالتآلفُ القائمُ بين السكّان المحليين من الآشور والكرد والعرب قد خلقَ مجتمعاً صغيراً في الجوار، بمواظبةٍ كبيرةٍ على مبادئ الاقتصاد المشترك والانسجام البيئي، والحُكم الذاتي.

من الصعب أيضاً أن نتخيّل تماماً كيف قامتِ الإدارةُ الكردية بقلب هياكل الدولة القائمة في سوريا بشكلٍ جذري من خلال وضعِ تحريرِ المرأةِ في مطلع البرنامج السياسي والاجتماعي.

تحظى المرأةُ في روج آفا بوضعٍ متساوٍ في قانون المُلكية، وقد تمّ حظر زواج القاصرات والزواج بالإكراه، وللنساء والجماعات الإثنية حصصاً تضمن لهم التمثيلَ على كافة المستويات السياسية ــ وبدون شك فإن وحدات القتال المسلحة التابعة للمرأة والمعروفة بالـ YPJ قد لعبتْ دوراً محورياً في تحرير مدنٍ مثل كوباني ومنبج.

ما يريده الكردُ على نطاقٍ واسعٍ رغمَ بعض المشاكل الداخلية والإعاقة الشديدة من قبل تركيا المجاورة هو “الديمقراطية اللادولتية” ــ فكرة أنه في سوريا الفيدرالية تبقى إدارتهم الذاتية مُصانة على المستوى المحلي، مع التركيز على هرمية السُلطة دون تدخّلٍ من الدولةِ إلى حدٍ ما.

“هذا هو البعد الثالث”، صرّحت عبدالله لصحيفة الإنديبندنت على هامش جلسات سفارة العالم الجديد. “كنا مشغولين جداً في العمل وفي إرسال ممثلين حول العالم لنشر الرسالة، وهذه هي المرة الأولى التي أصبح فيها الكثيرون من الإدارة في غرفة واحدة منذ سنوات”.

وكان الفنان الهولندي جوناس ستال قد نَظَّمَ اللقاءَ بين المندوبين كجانبٍ من مشروع “قمة العالم الجديد”، وهو سلسلة أُعدت لخلق مساحات التجمع التي تمثل عالماً جديداً، ونموذج ديمقراطي حديث في طور التكوين”.

وقد تم توجيه الدعوة إلى الحركات المدرجة في القائمة السوداء، أو غيرها من حركات الاستقلال المهمشة كتلك الموجودة في روج آفا والصومال وكتالونيا وحركة آزاواد في مالي، لحضور قمة العالم الجديد بهدف استجلاء معنى “الديمقراطية اللادولتية” في النظرية والتطبيق.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع كان ما يقرب الألف من المراقبين والنشطاء الديمقراطيين والسياسيين والصحفيين قد نزلوا بصالة بلدية أوسلو، مقر جائزة نوبل للسلام، ليشاهدوا سفارة روج آفا المؤقتة للفنان ستال، وهو بناء دائري صُمم ليعكس الانفتاح والديناميكية للعالم الجديد الذي يسعى الكرد إلى خلقه.

إنّ الإجماعَ العام على اليسار السياسي هو أنّ الأزماتِ الحالية في الديمقراطية العالمية ــ من عدم مقدرة الاتحاد الأوروبي على التصدي لأزمة اللاجئين، وصعود شعبية اليمين في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة ــ تبين أن ما لدينا من نماذج ما بعد الحرب العالمية الثانية هي في حالة فشل، كما يقول ستال. وقد صُمم عمله كي يطلق فكرة أن نماذج سياسية ديمقراطية أخرى قابلة للتحقق.

“إن الديمقراطية البرلمانية المعاصرة بحد ذاتها لا يتجاوز عمرها كثيراً عن القرن الواحد. وبهذا المعنى، فأنا لا أثق في ثبات أيّ شيء. إن أزماتنا السياسية والاقتصادية والبيئية أوصلتنا إلى مفترق طرق” ، كما يقول.

“ولهذا السؤال الذي علينا أن نطرحه على أنفسنا: ما هي طبيعة السياسة التي نرغب بها حقاً؟ لم يعد كافياً أن ندافع عما حصلنا عليه، يجب أن نمضي قدماً”.

وكما يناقش ستال وزملاؤه، فإن الحرب على الإرهاب ظهرت كأكبر تهديد للديمقراطية في القرن الواحد والعشرين. “روج آفا هي الديمقراطية مع القصاص”، كما يقول، “المنطقة كان فيها، تاريخياً، أنماط للحكومة والدولة شقت طريقها عليها مع الإفصاح قليلاً عن كيفية حكم أنفسهم بأنفسهم. الآن هم الكرد وحلفاؤهم من يعلموننا بالفعل كيف تبدو الديمقراطية الحقيقية”.

يبدو الأمر غير وارد ـ “إلى أن نتذكر بأن القارة الأوربية الحديثة ـ من الثورة الفرنسية إلى الثورة الروسية ــ قد نشأت هي أيضاً من الحالة الثورية،” أضاف قائلاً.

وبفضل توفر قوة برية فعّالة ضد داعش، فقد غيّر الكردُ مسارَ الحرب في سوريا كلياً، ودورهم في مستقبل البلاد، سواء بقي الرئيس المتورط بشار الأسد أو رحل، هو دورٌ حاسم.

ورغم هذا، فإن إدارة روج آفا قد اُستبعدت من جميع محادثات السلام بناءً على طلب الجماعات السنيّة المتمردة. وتواجه التجربةُ كذلك عداءً متجدداً من تركيا ــ وقد أعلنت الـ YPJ مؤخراً عن استهداف قاعدتها العسكرية قرب كوباني بنيران المدفعية التركية ــ وليس من الضرورة أن تعتمد ثانية على الدعم المقدم من الولايات المتحدة الآن ذلك أن إدارة ترامب الجديدة قد أشارت إلى أنها تريد العمل مع الأسد لدحر داعش.

عبدالله، من ناحية أخرى، تبدو صبورة بشأن مستقبل تجربة روج آفا.

“إن المسؤولية الأولى التي تقع على عاتقنا هي حماية أخواتنا، وحماية جميع النساء. وهذا ما يفسر التقدم الذي تحرزه ثورتنا، ويفسر انضمام النساء العربيات والإيزيديات إلينا عند مشاهدتنا. لا يمكن أن تُحدث تغييراً حقيقياً دون أن تكون المرأة هي المحور.” كما تقول.

النساء الكرديات، من غير ريب، يناضلن من أجل حقوقهن بكل معنى الكلمة ــ إنهن يتحدين جيش الأسد والميليشيات المتحالفة، والقوات المدعومة من تركيا، وتنظيم داعش. إن إنشاء الـ YPJ، أو الوحدات القتالية التابعة للمرأة، هو تطورٌ رائع في منطقةٍ تُهدر فيها حقوق المرأة في أغلب الأحيان.

“يعتقد الناسُ بأنّ هذه الحركة انبثقتْ من العدم”، تقول سينم محمد، زميلة عبدالله، وممثلة شؤون الحزب في أوروبا. “إلا أننا كنا نعمل بهذا الاتجاه على مدى السنوات العشرين الماضية. بل طوال العمر بالنسبة للبعض منا”.

وقد أدّى تشكيلُ الـ YPJ إلى موجة من التغطية الإعلامية الدعائية المثيرة عن المرأة (الخشنة) التي تقاتل داعش. وكان نبأ وفاة إحدى المقاتلات البالغة من العمر 22 عاماً قد تم تداوله على غرار “رحيل إنجلينا جولي الكردية” بسبب جمالها الأخاذ.

وقد لقى العديدُ من زملاء آسيا رمضان من المقاتلين حتفهم في نفس السيارة المفخخة بالقرب من منبج، لكن لم يتم نقل خبر وفاتهم عبر وسائل الإعلام الناطقة باللغة الإنكليزية، وكانت الكثير من المصادر الكردية سريعة في لفت الانتباه.

“يا لهذا السرد، إنه لم يكن في مخططنا. أتمنى لو ضبطنا الأمر بشكل أفضل”. تقول عبدالله متأملة. “يقولون بأن الأمر هو دعاية، وبأن علينا أن ندمج وحدات النساء مع وحدات الرجال. غير أنها تبقى منفصلةً لسببٍ ما. نحن عندنا الـ YPJ لأن النساء بحاجةٍ إلى استقلالية خاصة كي يُبرهنّ بأن بمقدورهن أن يفعلن أي شيء بأنفسهن”.

هذه الرمزية هامة للدولة الوليدة. إن أعلام العشرات من وحدات القتال ــ التي يتألف معظمها من اللون الأصفر والأخضر والأحمر، مع تشكيلة من النجوم والأبراج وأوراق الغار ــ تزين جدران السفارة المؤقتة في أوسلو، وسيتم إدخالها إلى المبنى الجديد لدى افتتاحها في فصل الربيع.

هذا هو الدليل على أن المثل العليا والجلية للكرد تمدّ جذورها في مكانٍ آخر. في الشهور القليلة الماضية حُررت المئات من النساء الإيزيديات والعربيات من قبل نساء كرديات حملن السلاح للدفاع عن أنفسهن في الشهور الأخيرة بتدريب من قوات الـ YPJ.

“أنا فخورة بالانضمام إلى (القتال)، خاصّة بعد المعاناة الكبيرة التي لقيتها من الكبت في حياتي الخاصة. وكوني أصبحت جزءاً من تلك القوات يمنحني الفرصة كي أحمي نساءً أخريات في مجتمعي وأناضل من أجل حقوقهن”, تقول إحدى المجندات العربيات الجدد في منبج.

ومع ذلك، فإن مستقبل وحدات عبدالله القتالية الأنثوية غير واضح. في مؤتمر قمة العالم الجديد كان الخط الرسمي للحزب يتسم بالتفاؤل المبهج ذلك أنه حين يستعيد ــ ليس إذا ــ الأسد السيطرة على البلاد، وبالاعتراف بما في سجلهم من النجاح ضد داعش ووجود ’دولة‘ تتمتع بالحكم الذاتي بحكم الأمر الواقع، فإنهم سيُتركون على هواهم.

وثمة بعض الشواهد على أن الكرد، بالرغم من احتجاجهم عل اعتبارهم ’مواطنين من الدرجة الثانية‘ في ظل حكومات دمشق المتعاقبة، فإنهم غير مستثنيين من السياسة النفعية إذا ما دعت الحاجة.

وكما هو الحال دائماً في حرب سوريا الأهلية الدموية المتقلبة، فإن أموراً غير محتملة ستجري لصالح إدارة روج آفا بقدر ما تريد. تركيا تشكل تهديداً يتضاعف دائماً ضد سيادتها الجديدة، والعلاقات بين الرئيس التركي رجب أردوغان والحكومة السورية، بالإضافة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين آخذة في الذوبان، رغم اغتيال السفير الروسي في تركيا قبل أسبوعين.

إذا ما نجت روج آفا، فإن الإحاطة بما تحاول أن تحققه سيكون هو المفتاح. تُعلّقُ عبد الله. بل حتى بمزيدٍ من الإلحاح، تقول، فإن المزيدَ من النساء حول العالم بحاجة إلى أن يصبحن واعياتٍ لمعركتهن الخاصة.

في مناخٍ سياسي تفضّل فيه 53 بالمئة من النساء الأمريكيات البيض التصويت لصالح دونالد ترمب ــ الرجل الذي التصقت باسمه عشرات الاتهامات بالاعتداء الجنسي ــ بدلاً من المرشحة الأنثى اللائقة والمفعمة بالحيوية، يظهر الدليل المحزن على أنها محقة.

“الأمر كله يتم خطوة خطوة. بل ليس عندنا خيار آخر. تقولون: ’لماذا تبنون طالما الأسس غير ثابتة‘، لكنه قدر محتوم. نحن نريد أن نعزز معنى الحياة والأمن أينما استطعنا”.

وأضافت: “إن رسالتي هي أن المطلوب من النساء المستقلات من كل أرجاء العالم هو البدء في الالتفات إلى حقوقهن. هذا ما أدعو إليه. معرفة الذات والعلاقة التي تربط حركتنا بكفاح المرأة في جميع أنحاء المعمورة … وهذا هو ما نناضل في سبيله”.

The Independent

Bethan McKernan

ترجمة وتحرير: المركز الإعلامي لحزب الاتحاد الديمقراطي

زر الذهاب إلى الأعلى