مقالات

المجرم يحوم حول جريمته

دلشير أفيستا
حول القصف الصاروخي الذي طال مشفى آڤرين في مدينة عفرين المحتلة يوم 12/06/2021، والنتائج المروّعة التي خلّفها من ناحية عدد الضحايا، ناهيكم عن الآثار التدميرية.
بقليلٍ من الاطلاع والتمعُّن في هذا الحدث الدامي، نجد أن المعطيات والإحداثيات لها دلالاتها الحازمة، وكلها مدروسة بعناية ولم يُتركْ أي شيء للصدفة والاعتباطية، فزمان الحدث ومكان الحدث وكذلك نوعية الصواريخ المستخدمة الموجهة ذات الدقّة العالية في الإصابة ناهيكم عن سرعة توجيه أصابع الاتهام إلى القوات الكُردية المتواجدة في منطقة الشهباء وقوات سوريا الديمقراطية بشكل عام.
فمن يقف خلفه ومن المستفيد ومن هو المُستهدَفْ؟
تأتي هذه الجريمة الممنهجة فقط قبل يومين من اللقاء المرتقب بين الرئيس التركي ونظيره الأمريكي والرئيس التركي، يريد أن يذهب إلى اللقاء وفي جعبته أوراق رابحة قدر الإمكان وتشويه صورة القوات الكُردية، ومعها قوات قسد عموماً، بالتأكيد ورقة رابحة لأردوغان فيما لو جرت الرياح بما تشتهي سفنه في الوقت الذي سيكون ملف الدعم الدولي لقوات سوريا الديمقراطية حتماً موجوداً على طاولة النقاش بشكل أو بآخر بين الطرفين.
نعم فٲردوغان سيحاول جاهداً ٳلصاق هذه الجريمة النكراء أمام الرئيس الأمريكي وكل المجتمع الدولي بالقوات الكُردية وقوات قسد في إطار بروباغندا محاطة بهالة من “الإنسانية الزائفة” وأن تلك “الميليشيات” تستهدف حتى أبناء جلدتها.
من دون أدنى شك، فالمستفيد من تشويه سُمعة قوات سوريا الديمقراطية أمام المجتمع الدولي ليست فقط تركيا، بل كافة الأطراف الأخرى من روسيا والنظام وإيران بما فيهم مجاميع المعارصة السورية بغض النظر عن المنفذ الفعلي لتلك الجريمة.
لكن بالكاد تكون هناك جرائم كاملة، حيث يكشف الكثير منها عن نفسها بنفسها فهذه الأخرى كذلك في الوقت الذي تكون بعض معطياتها بمثابة ثغرات فيها ولا بد أن تثبت الفاعل الحقيقي وحتى المساهم فيها أمام الرأي العام سواء أكان محلياً أم دولياً.
دعونا نتطرق إلى مختلف خيوطها وملابساتها:
أولاً: بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية وبغض النظر عن إصدارها لبيان رسمي تنفي فيه مسؤوليتها عن ذلك فسجلها معروف لكل من يتابع سير عملها العسكري، حيث لم تُسجّل ٲية انتهاكات من هذا النوع باسمها.
ثانياً: القوات الكردية والمسمّاة بقوات تحرير عفرين، تعلن عن كافة عملياتها العسكرية التي تنفذها ضد الاحتلال التركي والفصائل الإرهابية التابعة له أولاً بأول، وكل عملياتها معروفة ماهيتها جيداً، حيث كما أسلفت، إما ٲن تستهدف جنوداً أتراك إن أمكنها ذلك أو عناصر الفصائل أو عرباتهم وسياراتهم.
ثالثاً: بالنسبة لمصدر إطلاق الصواريخ، حيث وبحسب المرصد السوري، الذي أكّد ٲنها ٲُطلقت من قريتي نبل والزهراء اللتان يسيطر عليهما النظام السوري وبعض المجموعات المرتبطة بإيران، وهذا الأمر بحد ذاته يمكنه أن ينفي أيّة صِلة لقوات سوريا الديمقراطية والقوات الكردية بهذه الجريمة.

رابعاً: حتى لو افترضنا أن تركيا بريئة من هذه الجريمة، فعلى الأقل معروف للعالم أجمع كم هو حافل سجل النظام السوري و روسيا بمجازر من هذا النوع.
خامساً: الصواريخ التي تم استهداف المستشفى بها، وكما انتشرت بعض المعلومات عنها، فهي صواريخ روسية موجهة ذات دقة عالية وإصابة مؤكدة.
والسؤال هنا: كيف لتلك الجهة التي أطلقت الصواريخ أن تكون على علم دقيق بموقع المستشفى المستهدفة بحيث تأتي الإصابة في قلب الهدف فيما لو لم يكن هناك تنسيق بين تلك الجهة و التي تسيطر على منطقة عفرين.
أنا لست خبيراً بالشؤون العسكرية، لكن أعتقد أنه لولا وجود تنسيق حتى لو كانت الصواريخ موجهة وحتى لو كانت الجهة التي أطلقتها على علم تقريبي بموقع المستشفى، فربما كانت لتسقط على مسافة ما مثلاً 100 متر يميناً أو شمالاً أو الخلف أو الأمام.
من جهة أخرى، لو أننا نفينا كل فرضية واحتمالة وجود تنسيق، وكان من الممكن لأية جهة تمتلك صواريخ موجهة ذات دقة عالية مثل هذه الصواريخ أن تستهدف أي موقع بخبراتها الذاتية، وكان الفاعل هو فعلاً القوات الكُردية أو قوات سوريا الديمقراطية، فبدون أدنى شك كانت استهدفت المقرات العسكرية لجيش الاحتلال التركي، أو على الأقل مقرات مرتزقة الاحتلال، وأي عاقل لا يقبل بغير ذلك، ولم تكن لتفعل ذلك فقط مؤخراً بل كانت لتفعلها منذ سيطرة الاحتلال التركي ومرتزقته على منطقة عفرين، وهذا يعني طبعاً أن مقرات الاحتلال التركي ومرتزقتهم وعرباتهم ومدرعاتهم كانت لتصبح في خطر داهم على مدار الساعة طالما افترضنا أن القوات الكُردية كانت تمتلك هذه الصواريخ المتطورة و خبرات استخدامها الذاتية.
ولماذا تمنع تركيا إجراء أية مظاهر من قبيل التحقق في حيثيات هذه الجريمة التي من شأنها أن تثبت الفاعل الحقيقي بأدلة دامغة؟
ولماذا الاحتلال التركي ومرتزقته وجهوا أصابع الاتهام مباشرة إلى القوات الكُردية وسوريا الديمقراطية عموماً كما اعتدنا من النظام التركي على مثل هذه الاتهامات الجاهزة المسبقة بحق الكُرد والقوات الكُردية، بحيث بات الكُرد متورطون و ضالعون في مختلف الأزمات والكوارث والمشاكل التي تحدث هنا و هناك، ولسان حال التركي دائماً يقولا الكرد.
من كان سبباً في خروج الصاروخ الصيني مؤخراً عن السيطرة في الفضاء؟ الكرد
من يكون غالباً السبب في فيضانات النيل والأمازون التدميرية ؟ الكرد
من يكون السبب في اندلاع حرائق الغابات في استراليا ؟ الكرد
من يتسبب بظاهرة الاحتباس الحراري؟ الكرد
نعم الكرد هم السبب في كل هذه الكوارث بما فيها ظهور وباء كورونا وموجات الحر غير المتوقعة و بركان آيسلندا الهائج ونفوق الحيتان في المحيط الهادي، واقتراب دببة الباندا من الانقراض وأحداث الشغب التي ترافق المونديالات والأولمبياد في افريقيا وأمريكا اللاتينية … الخ.
وبالنتيجة فكل من يعلم أن قنوات التواصل الأمني بين النظامين السوري والتركي ما زالت مفتوحة وقائمة حتى اليوم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقبل بهذه الاتهامات السخيفة.
وكل جهات المعارضة السورية المرتبطة بتركيا سواء العسكرية أو السياسية، والتي تعرف أكثر من الجميع كم هو سجل النظام السوري والروسي حافل بهكذا جرائم بحق الإنسانية، ولم نسمع أي واحدة منها تضع النظام السوري أو روسيا في دائرة الشك حتى ولو على مستوى التحليل الشخصي، وهذا التغاضي بحد ذاته يدل على أن الجميع متفق ومتفاهم بشكل أو بآخر على اتهام القوات الكُردية وقوات سوريا الديمقراطية بهذه الجريمة، وكل من تباكى على هذا القصف لماذا أصابه الخرس عندما قصف الاحتلال التركي نفس المشفى ونفس الضحايا ابان بداية الغزو التركي الوحشي، وكل هذه الخيوط تشي عن قاعدة بسيطة المجرم يحوم حول جريمته.

زر الذهاب إلى الأعلى