ثقافة

“الكوتيون “..المزارعون، ومربوا الماشية الأوائل

mizobotamya shaneder-1تشكل جغرافية كردستان الممتدة من الهضبة الايرانية شرقاً إلى سهول كيليكية والبحر المتوسط غرباً وعلى امتداد سلسلة جبال زاغروس وطوروس ، ومن بحيرة اورمية، ووان والبحر الأسود شمالاً إلى سهول دجلة والفرات جنوباً، أرض ميزوبوتاميا منطلق الحضارة البشرية الأولى حيث أرض الكوتيين المزارعين ومربوا المواشي الأوائل.

 من سلسلة جبال زاغروس  ووديانها و سهولها بنيت القرى الزراعية البدائية الأولى  دجّنَت الحيوانات البرية “الغنم والماعز” في الكهوف والحظائر في السهول والهضاب ، لأول مرة في تاريخ البشرية في الألف الثامن قبل الميلاد من قبل الكوتيون حيث ظهر ولأول مرة المنجل المعكوف المشظى وظهرت  أدوات درس القمح والشعير، من هنا ظهر الخبز والرغيف المصنوع من القمح والشعير، من أرض الكوتيون الأوائل أرض “أوم مانا ندا ” بلاد الكوتيين –الكورمانج ،ولولو وسيمور والسوباريين… ، أكتشف القمح البري ومنها انطلق إلى باقي اصقاع الارض .

الكوتيين أسلاف الكرد الأوائل، المنحدرين من سفوح زاغروس وطوروس، انتشروا في السهول و الهضاب، في ميزوبوتاميا وامتهنوا الصيد ومارسوا الزراعة وربوا المواشي وتمكنوا من بناء الحضارات اللاحقة  حضارة حسونة وحلف وسومر.

 ورغم تعرض كردستان أرض الكوتيين الأوائل لغزوات قبائل الأعراق الأخرى بما فيها الامبراطوريات والممالك التي استقرت على ارض “مانا” أو عبرت منها، لم تستطع افنائها عن الوجود حتى في العصور الإسلامية والمغولية …. بعض تلك الغزوات المدمرة حاولت أن تلغي حقيقة الحضارة الكوتية بكل تسمياتها ومراحلها ،وأن تفرض حضارتها الخاصة وتظهرها كوجه الحقيقة الوحيد .

الاكتشافات الاثرية في كل من( شانيدر وجرمو وزوي-جمي  وتل حسونة وتل حَلف) وعشرات المواقع الأثرية (الألف التاسع والسادس قبل الميلاد) تشير إلى أن الكوتيين هم أول من بنوا هذه المستوطنات السكنية ومارسوا فيها نشاطاتهم من الصيد إلى الزراعة (القمح والشعير) وصناعة الفخار، والمنسوجات و تدجين المواشي “المعز الجبلي” والغنم البري(الكبش الجبلي) (pezkofi )، وعمروا المساكن المصنوعة من الطوب (الطين والتبن)، ومارسوا طقوسهم وتقاليدهم في الاعياد والاحتفالات الموسمية والتي لازالت  مستمرة عند بعض العشائر الكردية (كوجرا و زنكنه…..)

و معظم الدراسات الاركولوجية والانثربولوجية و الانثرولانجستيكس، تشير وتدل إلى أن أقرب الشعوب الحالية إلى هؤلاء المزارعيين الأوائل هم الشعب الكردي،  فمن خلال الدراسات التي تناولت اللغة الكردية وتعمقت  في جذورها، نجد إنها اللغة المتطابقة تماماً مع لغة سكان ميزوبوتاميا الأوائل ، فصفات وأسماء النباتات والحيوانات والأنهار، وتسميات الأدوات التي كانوا يستخدمونها تطابق اللغة الكردية ومفرداتها، والتي مازالت مستخدمة لدا الشعب الكردي.

يرجع اسم كوتي وحسب المصادر والمراجع الأوربية و الروسية والأمريكية والأسيوية المتعلقة بالدراسات الميزوبوتامية والسومرية ،وحضارات بلاد ما بين النهرين ،إلى الاصل الكردي (KATE )والذي يعني الخبز-الرغيف الأبيض المصنوع من القمح ،ويتطابق مع الكلمة الفرنسية (gatequ )والذي يعني فطيرة –كعكة، وكلمة كاته مشتق من الجذر (kait )والتي تعني القمح، الاسم الهندواوربي الاقدم لنبات القمح البري، وتعتبر وديان وسهول  زاغروس الموطن الأصلي له، وينمو حتى الأن في زاغروس .

وفي اللغة الكردية توجد جميع الكلمات والمدلولات المتعلقة بالقمح والشعير وترجع مباشرة من خلال الاشتقاق إلى كلمة كاتا (ka –تبن)،) kam-آلة الدرس)،(kadîn –مكان لحفظ التبن –القش)،(kenm –قمح).

وفي العديد من المواقع والحفريات الأثرية التي قامت بها معظم البعثات الأوربية والاسيوية في كردستان،  تم العثور على بقايا أثار الإنسان القديم المزارع والتي تعود إلى بداية العصر الميزوليتي ، الألف العاشر قبل الميلاد، ففي الكثير من الكهوف والمغاور الجبلية ومنها كهف شانيدَر في منطقة برادوست في باشور كردستان عثر على بقايا أدوات أثرية كانت تستخدم في الحياة اليومية، وتبيّن أن هذه الكهوف كانت تستخدم كمساكن وأخرى كحظائر للحيوانات المدجنة واخرى  لحفظ المنتوجات والأرزاق ،ولازال بعضها تستخدم لأغراض مماثلة  من قبل سكان تلك المنطقة، وهذا ما تحدث عنه كل من الأركولوجيين والمؤرخين( فون مولتكه، وكولبار، وي.م.دياكونوف، وكلياموف,…..) ،ويؤكد ويستنتج “ي.م. دياكونوف” بأن(أحفاد الصيادين الموستييرين  في كردستان بالذات -على ما يبدو- هم أوائل رعاة العالم ) حيث وجدت في تلك المواقع الأثرية السالفة الذكر وغيرها العديد من الأدوات وبقايا عظام الحيوانات، والتي يظهر انها كانت مدجنة في المرحلة المبكرة من الحضارة الكوتية

( موقع جرمو وحسونة  (10000-6000)ق.م) .

 الكوتيون الأوائل الذين استأنسوا الماشية ومارسوا الزراعة  استطاعوا بناء القرى الزراعية والمستوطنات السكنية الأولى على امتداد السهول الجنوبية لزاغروس وطوروس، وعلى فترات ومراحل تاريخية متواصلة (حضارة حسونة وتل حَلف)الالف 8-6 ق.م، وكانوا أول من اخترعوا الري الاصطناعي في ميزوبوتاميا ” الأركولوجي برايد وود”.

وهذا يؤكد حقيقة أن أولى المستوطنات الزراعية التي بناها المزارعون ومربوا الماشية الأوائل في سهول دجلة والفرات هم من منحدري زاغروس القدامى الكوتيين ،الذين كانوا هم انفسهم بناة حضارة حسونة الواسعة الأنتشار (الالف 7-6ق .م) على ضفاف دجلة والفرات والتي تعد أساس كل الحضارات اللاحقة على جغرافية كردستان حيث شملت حضارة حسونة (نسبة إلى قرية تل حسونة الواقعة بالقرب من مدينة الموصل الحالية )روج آفاي كردستان- شمال سوريا، وباشوري كردستان حتى جنوب نهري دجلة والفرات في العراق .

مستوطنات ” تل صوان ويريم تبه وضوغامي وعلي كوش ….) والتي عثر فيها على البقايا الفخارية وادوات الزراعة والنسيج ) تدل على مدى الرقي الذي وصل إليه الكوتيين فطراز فخار الفرموز الكوتي في مواقع حضارة حسونة تدل على ان تطوراً تتدريجياً قد حصل في بنية القرى الزراعية الأولى لتصبح أعلى مرحل تطور حضارة حسونة، المرحلة اللاحقة لها العصر السومري “الحضارة السومرية ” حيث يستمر الكوتيين من بين المجموعات البشرية ” القبائل السامية” الاخرى والتي بدأت تندفع من الجنوب باتجاه  الشمال نحو حوض دجلة والفرات (الهلال الخصيب وبلاد مابين النهرين) مع بداية الألف الرابع قبل الميلاد، في بناء المستوطنات الزراعية في الوسط والجنوب من بلاد مابين النهرين (لارسا, اريدو ,ايسين،اوروك…) والتي ستصبح مدنً في العصر السومري اللاحق.

أما في روج آفا –شمال سوريا اتجه الكوتيين لبناء حضارة تل حَلف في الألف( 6 ق.م)  والتي هي صورة مطابقة لحضارة حسونة ، ولتصبح حضارة تل حَلف( الممتدة بين بحيرة وان إلى شمال سوريا) منطلقاً ومنبعاً للعديد من الحضارات التي ظهرت في سوريا فيما بعد، والتي تدافعت إليها القبائل الأمورية والكنعانية السامية مع بداية الألف الثاني قبل الميلاد.

زر الذهاب إلى الأعلى