مقالات

القصة السرية التي لم تروى من قبل

سيدار رمو

في بيت شعبي بإحدى الحارات النائية من مدينة قامشلو، عاشت فتاتان في كنف عائلة وطنية معروفة بولائها للمفكر عبدالله أوجلان وللحركة الآبوجية، فالأب تعرف على أوجلان منذ بداياته، وعندما عرف أنه يقود ثورة تحررية، قدم كل ولائه للسيد أوجلان وأصبح أحد مؤيدي الحركة الآبوجية، وميول الأسرة بكاملها تحولت إلى الآبوجية، وأصبح حلم الانضمام إلى حركة التحرر الكردستانية يراود كل ولد من العائلة، إلا أن الظروف كانت أقوى منهم في ذلك الحين.

ذاك البيت الشعبي تناوب على زيارته الكثير من كوادر الحركة التحررية الكردستانية، فزارهم الكادر المسؤول على الفعاليات المجتمعية والآخر المريض الذي قدم للمدينة للعلاج، وذاك الذي تواجد في المدينة لمهمة مثلاً شرائه كمية وافرة من القماش المستعمل في خياطة ثياب الكريلا من مدينة حلب السورية، وكلما كثرت زيارات هؤلاء الكوادر للأسرة زاد ارتباطها بالحركة ووثق والأولاد زادوا حلماً بالالتحاق بالكيريلا إلى أن جاء ذلك اليوم وألتحق الشاب الأصغر من بين شباب العائلة بصفوف الحركة، وكأن نيزكاً قد وقع على الأرض وارتطم بهذه العائلة، فالأم من ناحيتها لم تبدي سوى الصلابة في حين أنها كانت تبكيه دوماً في سرها، والأخوة جميعاً كأنهم ليسوا على قيد الحياة ولعدة ليال متتالية لم تنم هاتان الفتاتان إلا على البكاء فدفع بهما انضمام أخهما إلى ترسيخ فكرة التحاقهما بالكيريلا وازدادتا عزماً وإصراراً.

هاتين الفتاتين كن في انتظار السيد أوجلان الذي قدم إلى المطار بطائرة خاصة واستقبلتاه بحفاوة كبيرة، وما إن بدأ السيد أوجلان بالنزول حتى شعرتا أن أنفاسهما تتسرع ويدهما ترتجفان ويكاد قلبهما يتوقف، كيف لا وهو الشخص الذي انتظرتا لقياه طويلاً والتعرف عليه عن قرب.

بنزوله واقترابه منهما وجدتا نفسهما في حلم لا أساس له، فماذا فعل حين اقترب منهما؟!

كان في حوزته كيس بسكويت أحمر اللون بداخله قطع البسكويت متوسطة الحجم مصفوفة فوق بعضها البعض، قد أُكل نصفها وبقي النصف الآخر داخل الكيس وكومة من المفاتيح الثقيلة، اقترب والفتاتان متسمرتان في مكانهما لكنهما ربطتا جأشهما فأعطى قطع البسكويت لواحدة وأعطى الأخرى كومة المفاتيح التي ما إن أمسكتهما حتى أُمِيلت يداها نحو الأسفل قليلاً لثقلهم، أما الأولى التي حصلت على البسكويت فقد تناولت عدة قطع فور انطلاقه من عندهما والثانية طلبت منها الحصول على كم قطعة.

كانت هذه الحادثة التي جرت مع الفتاتان حلماً رأته إحداهما في منامها الليالي بعد انضمام الأخ إلا أنها قد غيرت مجرى حياتهما فالتحقت إحداهما بصفوف الكيريلا بعد فترة من هذا الحلم والأخرى تستعد لتلتحق بأختها.

هذا الحلم يعود لفتاة طامحة للتحرر، أرادت أن تكون مثل الكثيرات اللواتي سعين وبذلن جهدهن لتتحررن من قيود آلة السلطة وهيمنة الدولة فدفعن أرواحهم هبة لشعبهم واستشهدن.

زر الذهاب إلى الأعلى