المجتمع

الفلاح واللهفة على زخات المطر بعيون تراقب السماء

تقرير: حسينة عنتر
نحن على وشك انتهاء الأربعينية الشتوية وأضحى تأخر الأمطار بمثابة كابوس يقلق الفلاحين الذين يعتمدون في زراعتهم على الهطولات المطرية (الأراضي البعلية)، بعد تأخر هطول الأمطار وانحباسها عن المدن والمحافظات السورية بشكل عام ومناطق “الشمال السوري وروج آفا” بشكل خاص. كما هو معروف  فأن بداية فصل الشتاء يكون من أواسط شهر أيلول، ونحن الآن في نهاية شهر كانون الأول فالتأخر الملحوظ في هطول الأمطار بدا مقلقاً للفلاحين والمزارعين؛ والجدير بالذكر، أن مناطق “روج آفا” المعروفة؛ باعتمادها اعتماداً كلياً في اقتصادها وبشكل رئيسي على الزراعة وأكثر أراضيها تعتمد على الأمطار، أي على الهطولات المطرية، ويعتبر النشاط الزراعي في (روج آفا) من أهم الأنشطة الانتاجية، فالقطاع الزراعي يوفر الكثير من المواد الأولية لمختلف القطاعات الاقتصادية والصناعية الأخرى، كما أن هذه الزراعة تسبب العيش الكريم والمورد المالي الرئيسي لأعداد كبيرة من الأفراد و الأسر من جهة ثانية؛ إضافة على ذلك فالزراعة تساهم في تشغيل نسبة كبيرة من الأيدي العاملة، وكذلك تحقق بعضاً من الاكتفاء الذاتي في أكثر من مادة؛ (كالقمح والشعير والحمص والعدس وأشجار الزيتون وبعض البقوليات الأخرى في روج آفا).

ولهذا، التقت صحيفة الاتحاد الديمقراطي ببعض المواطنين والفلاحين الذين يعتمدون على الأمطار في زراعتهم.

(عبد الحميد) أحد مزارعي قُرى الجنوب التابعة لقامشلو:

هذه الأرض ورثناها عن آبائنا وأجدادنا؛ ومنذ أن خُلِقنَا  نعمل بالزراعة ونعتمد على إنتاج الأرض، وهي مصدر رزقنا، لذا نعيش نحن وأهالي هذه القرية في حالة ترقب مصحوب بالأمل والدعاء بهطول المطر، فغياب الأمطار وتأخرها وانحباسها عنا في الموسم الحالي زرع شكوكا كبيرة في نفوس الفلاحين الذين هم بدورهم امتنعوا عن مباشرة زراعة موسمهم إلى حين هطولها، والذي تأمل خيراً وزرع أرضه منذ حلول بداية فصل الشتاء؛ فقد أصبحت تلك البذور تحت الأرض تأكلها الطيور والحشرات والديدان، لذلك لجأ أهالي الضيعة هذا الأسبوع بعد صلاة الجمعة إلى صلاة الاستسقاء، وهو أحد الطقوس التي يلجأ إليها سكان القرى وفيها يقومون بالدعاء لهطول الامطار لعلَّ وعسى أن يُستجاب دعاءهم ويَهلَّ عليهم الغيث.

(صوفي محمود) من القرى التابعة لناحية تربسبيه قال:

إنه بات من المؤكد من أن نقص الأمطار سيجلب سوء الانتاج، وأصبح الأمل وطلب الرحمة سلاحه الوحيد لتجاوز تلك المخاوف المرافقة للمصاريف الكبيرة التي تتزامن والظروف غير الملائمة لبداية زراعته البعلية، وهو ينتظر الهطول حسب قوله كي تنبت الأعشاب الضارة، ومن بعده نقوم بفِلاحة وحراثة وزراعة الأرض، ومازلنا ننتظر؛ فيقول: “نلجأ إلى الطقوس القديمة التي كان أجدادنا يمارسونها فمثلاً قمنا بصنع عروس المطر نطلق عليها (بوكا باراني) ويتجمع حولها الأطفال ويقومون بِطَرْقِ أبواب القرية باباً فباباً، وتقوم ربة البيت بِرَشِ الماء على هؤلاء الأطفال، كما ويقوم الكبار بارتداء الملابس بشكل مقلوب ويتوجهون إلى التلة الموجودة في القرية، ويرفعون أيديهم إلى السماء طالبين الرحمة والغيث وهطول الأمطار”.

(الحاج نوري) مزارع ومالك لأراضٍ زراعية:

سبحان الله الغيوم تتجمع وتتشكل كأنها ستفيض علينا وتغرقنا من كثرة هطول الأمطار، ولكن سرعان ما تتبخر وتغيب في هذا الفضاء هذه الغيوم، لذا أضحى هذا التأخر في سقوط الأمطار بمثابة كابوس يخنق المزارعين والفلاحين، وبات ملامح اليأس تبدو واضحة من خلال ما يتبادله الفلاحون في أحاديثهم، (لا يوجد موسم، هذه السنة قحط)، وتابع الحاج نوري حديثة: ترانا نلجأ إلى الطقوس والعادات التي كان أجدادنا يقومون بها فنحن بدأنا بطقس ما يسمى (الزيو)ويردد: لا أعرف ماذا يسمونه بالعربية وطقس الزيو هذا هو أن يجتمع أهل القرية وكل منهم يأتي بالطعام الذي طبخة؛ وينادون الأطفال الصغار وجميع أهل القرية أو سكان الحي إذا كان في المدينة ويفرشون الطعام على قارعة الطريق ويشترك الجميع في تناوله، ونطلب منهم الدعاء (وخصوصاً الأطفال) والتضرع إلى الله ليهطل علينا المطر، لأن الطفل بريء ليس عليه أخطاء أو آثام فيستجاب دعاؤه أكثر، وبعد الانتهاء من الأكل؛ ترى هؤلاء الأطفال يرددون ” ياربي باران وري أرض خده شينببه” أي يا رب نرجو هطول الأمطار لتخضَّر الأرض.

 كما والتقت الصحيفة بأحد الفلاحين من المكون العربي:

إذ أكد الفلاح أن تأخر التساقطات المطرية يثير بعض التخوفات في أوساط الفلاحين، واستمرار الوضع على ما هو عليه سيكون مؤشراً على دخول القطاع الفلاحي والزراعي بشكل عام في مرحلة حَرِجَة، إذ أن أكثر المساحات الزراعية تعتمد على مياه الأمطار، وأما المزروعات المروية والتي هي بنسبة أقل من ثلث المساحة الزراعية وذلك لأسباب عديدة، (إن حفر الآبار الارتوازية مكلفة جداً إضافةً انها تكبد مصاريف جد كبيرة للفلاحين الصغار غير القادرين على سد خصائص المياه من الخراطيم والمضخات ومصاريف المحروقات اللازمة لتلك الآبار) لذا نحن كفلاحين نعتمد بشكل رئيسي على الزراعة البعلية وتربية الحيوانات فإذا ما تأثرت الزراعية فبالتأكيد سيكون هناك أثر كبير على الحيوانات وعلى المَرَاعي، ولأن أكثر ما يقوم به الفلاحين هو زراعة القمح والشعير والذرة الذي يستخدم كعلف أيضاً للحيوانات، وكما أن بعد الحصاد يقوم الفلاح بجرش القش وتحويله إلى التبن الذي يعتبر العلف الأول للحيوانات، ولهذا السبب نقول: إذا اصبح الموسم الزراعي في خطر نتيجة عدم هطول الأمطار سيؤثر هذا الخطر  بالتأكيد على الحيوانات التي هي مصدر اقتصاد مناطق الشمال السوري بالدرجة الأولى.

كلمة أخيرة:

نعلم أن مناطق “روج آفا والشمال السوري” هي التي تغذي اقتصاد سوريا  فأكثرية الميزانية السورية وموردها الرئيسي هي مناطق الشمال من حيث الذهب الاسود “النفط” والذهب الأبيض ” القطن ” والذهب الأصفر “القمح” وبما أن مساحات الأراضي الزراعية الشاسعة تعتمد على مياه الأمطار وما تدره السماء من أمطار إلا أن هذا التأخر في الهطولات المطرية هذه السنة يهدد زراعة الحبوب من القمح والشعير والعدس ….الخ بل كافة المزروعات؛ وهو ما اعتبره الفلاح عامِلاً سلبيا على الموسم الزراعي وعلى الغطاء النباتي وعلى المراعي والكلأ، بالتالي هذا ما سيؤثر بشكل سلبي على الانتاج الزراعي وعلى مورد الفلاح بشكل خاص فإن تأخر التساقطات المطرية أكثر هو أمر لا يُحمَد عاقِبَتُهْ.

زر الذهاب إلى الأعلى