مقالات

العدوان على عفرين واستكمال مراحل تقسيم سوريا

– بدران الحسيني

في ظل التجاذبات الكبرى في الأمم المتحدة، والخلافات؛ وتدهور العلاقات البينية بين الدول لتصادم مصالحها بعقبات الدول الأخرى، والتي لا يمكن التفريط بالعلاقة مع هذه الدولة أو تلك، وعدم تقاطع صيغ الهيمنة، ومشاهد الرعونة السياسية للدولة التركية؛ والتواري الإيراني والإرادة السورية المسلوبة، والهذيان السياسي للدول العظمى؛ وَحِدَّة الغموض في المواقف؛ يزداد المشهد السياسي حتى التُّخمَة بمعلومات ومعطيات حول السياسة المتَّبعة في سوريا.

بصدور القرارات عن مجلس الأمن رغم موتها السريري؛ يتم استلاب هذه القرارات والتسلق عليها، وتتشابك وتتداخل التفسيرات والقراءات لهذه الفرمانات الجوفاء من حيث آلية التطبيق- أي أن هذه القرارات تَلدُ سِقطاً مذ تَلِدْ- وأمام هذه التورية الدولية لا تتردد الدولة التركية في استغلال هذه المنصات لتصفية حسابات كيدية مع شعوب لا تنشد سوى الحرية والعدالة والعيش بكرامة كما كل شعوب المنطقة.

بين هذا الهذيان السياسي وصدور القرارات الدولية المَيِّتة ومنها القرار2401 والتي تقضي بوقف العمليات العسكرية على كافة الأراضي السورية بما فيها مدينة عفرين؛ تنساق تركيا لتنفيذ أجندات الدول الكبرى -من حيث تدري أو لا تدري– عبر تجميعها للتنظيمات الإرهابية من جبهة النصرة ومشتقاتها، وعبر زياراتها المُعلنة لإيران وتحالفاتها السرَّية والصفقات المشبوهة مع الدولة الروسية التي تتباهى بدورها المِسخ في سوريا.

عفرين أصبحت بيضة القبان في انزياح كفة الميزان، وساحة لتصفية الحسابات وملعباً ومنصة لتطبيق هذه الصفقات بين الدول الكبرى صاحبة النفوذ والقوَّة على الأرض في تقسيم سوريا فيما بينها، فمنذ الهجمات التي شنتها المرتزقة الروس التابعة لشركة فاغنر الروسية على قوَّات سوريا الديمقراطية في دير الروز؛ للحصول قسم ضئيل من الكعكة السورية الدَّسِمة وتجعل لها موطئ قدم في المناطق النفطية والرد الأمريكي العنيف على هذه الهجمات، جَعَلتْ من روسيا تتأكد تماماً باستحالة عودة سوريا كما كانت منذ بدايات الأزمة، وأيقنت بحتمية عدم تنفيذ الاتفاقيات النفطية المبرمة بينها وبين الدولة السورية لعقود من الزمن، أرادت روسيا الانتقام من هذه القوات وتنفيذ المخطط التقسيمي الذي كانت تنادي به، ولكن بأيدي تركية وباتفاق ضمني بينها وبين إيران.

إن ما تقوم به الدولة التركية من عدوان بربري على عفرين وانزلاقها نحو الهاوية بالحروب الوهمية التي تخوضهاتارة بحجة حماية حدودها وتارة بحجة القضاء على الإرهابوهذه العربدة والتهديدات والتكهنات التي يطلقها المُنجِّم والعرَّاف الطوراني أردوغان كلها إن دلَّت على شيء؛ إنما تدل على وقوف تركيا على هامش السياسة الدولية، وما هي إلا أداة في أيدي هذه القِوَى الثلاثة (إيران- روسيا – أمريكا) لتنفيذ مخطط التقسيم.

ضمن هذا المسار وهذه المماحكات الدولية والظروف الغامضة والمبهمة التي تعصف بالمنطقة وعدم بروز مشروع حل ديمقراطي يستند إلى إخوَّة الشعوب يحق لنا أن نقول: قد تسقط عفرين بأبعادها الجغرافية آنياً – لا قدر الله – ولا نستغرب عندها صدور قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع يقضي بإيقاف كافة العمليات العسكرية في سوريا وتنفجر قنبلة التقسيم التي ستكون لتركيا الحصة الكبرى منها والتي ستؤدي إلى تقسيم الإرث العثماني إلى دويلات وكيانات صغيرة وممزَّقة لا تتوقف الحروب بينها لمئات السنين حينها سينتبه أردوغان من غفوته وموته السياسي، وستدرك تركيا متأخرة جداً أنها ارتكبت الخطيئة في حسابات البيدر وستعلم أن أساس حل المعادلة كان في إصلاح ذات البين فيما بينها وبين شعوب المنطقة بما فيهم الشعب الكردي الداعي إلى السلام والعيش بحرية وكرامة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: ماذا لو انزلقت تركيا في حربها واستمرت؛ وامتدت الحرب إلى منبج وإدلب وقامشلو انتهاءً بالموصل؟؟

هل ستبقى أمريكا في موقف (القلق وعدم الرضى والتنديد) فقط تماشياً مع مصالحها؟؟

السؤال في عهدة قابل الأيام.

زر الذهاب إلى الأعلى