مقالات

الظل وصاحبُ الظل في علاقة الأحزاب والرأي العام الكُردي

ألان بيري/ فيينا

ربما من الأفضل لنا ضمن سياق الصراع السوري المحتدم ككل والكُردي على وجه الخصوص والمستجدات السياسية المتسارعة وبوادر الحلول الناجعة في الأفق السياسي القريب؛ تركيز اهتمامنا على ضرورة الالتفاف حول قيم مشتركة عُليا تكفل لنا التعايش السلمي وتمهد لمستقبل أفضل للناس وللأرض، وأن نترك حلبة الصراع السياسي بطابعه الحزبي والعقائدي جانباً قدر الإمكان.

فقد بات واضحاً أن الحل في أيدي من مَهَّدَ للمشكلة والأزمة من أصلها, أي الدول الكبرى, والدول الإقليمية الأخرى المشاركة في الصراع السوري، وعليه فإن هذه الدول تتعامل مع الأحزاب الكبيرة في المجال الكُردي, ولا تكترث للرأي العام الكُردي ولا إلى أية مبادرات فردية أو طرف ثالث؛ فكل ذلك بالنسبة لها لا يساوي قرشاً؛ فالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبعض دول الغرب الأوروبي تريد جسماً سياسياً واضحاً تتحدث إليه, ولا يهمها إن كان الشارع الكُردي راضياً عن هذه الأجسام (وهي الأحزاب السياسية الكبرى) أم لا.

ولكن هذا لا يعني أنه يتوجب علينا من الآن فصاعداً عدم الاكتراث لقضايا الشأن العام, كلا؛ فذاك حقٌ سياسي لكل مواطن ضمن حدود دولة ما أو إقليم, وتضمنه له سلطات الدولة في زمن السلم على أكمل وجه, وهذا يسري على الحكومات الديمقراطية بطبيعة الحال دون غيرها. ولكن ما أعنيه هو ضرورة التحرر والتخلص من فكرة أنَّ كل أزماتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية سببها الأحزاب وسياساتها الحاكمة والتي تتمتع بنفوذ واسع داخل وخارج حدود البلاد. فنحن حينما نُحّمِل الجسم السياسي المتمثل في عدد من الأحزاب النافذة مسؤولية مجموعة الأزمات التي نعيشها؛ نكون قد أخطأنا في تحليل الواقع على نحو سليم. فالكيانات الكُردية في غرب وجنوب كُردستان كيانات ذاتُ طابع حزبي أكثر منها ذا طابع مؤسساتي متمتع بتقليد راسخ في الإدارة والضوابط المستندة إلى تشريعات وقوانين ثابتة تساوي بين جميع أفراد ومكونات المجتمع, ويتساوى أمامها الأفراد والأحزاب ومختلف الهيئات العامة. فنحن وبكلمات أخرى نتعامل مع أحزاب حاكمة (مع أجسام سياسية لها برامجها الحزبية الخاصة بها), لا مع حكومات راسخة متمتعة بتقاليد تاريخية مستمرة في الحكم والإدارة.

وعليه فإن بادرنا إلى تركيز جهودنا الذهنية والعملية في إصلاح المجتمع – بعد أن نُشّخِصَ مواضعَ الخلل ــ وتحريره من الهياكل المشوهة, والنهوض به إلى وضع أفضل, فسوف نضمن بذلك بدايةٌ أفضل للخروج من المعترك السياسي ذا الطابع الحزبي وبأقل الخسائر الممكنة. حيث سيكون التركيز حينها مُنصَبَّاً على ضرورة التطلع إلى أفق أوسع, يدور فيه الحديث عن ضرورة بناء قيم عُليا مشتركة تَهمُّ الجميع, وتكون عابرة للقوميات والأديان والمذاهب ومهتمة بعيش الواقع على نحو أفضل قدر المستطاع.

أعلم أنه ليس من السهل أن نتخذ من النظرية مُمَارسةً عملية على أرض الواقع, ولكن ليس المهم أن تكون تطبيقات النظرية كاملة. فيكفي أن نَكُفَ عن ملاحقة الأحزاب ونلتفت إلى تصحيح واقعنا بعيداً عن حلبة الصراع. فقد بات الشارع الكُردي وللأسف أشبه بمن يطارد الظل فلا هو يمسك بالظل, ولا يَدَّخِرُ جهداً للتعرف إلى صاحب الظل.

زر الذهاب إلى الأعلى