مقالات

الظاهر والمخفيّ في مقاومة عفرين

“علينا بالضرورة معرفة مبغى العدوان الهمجي الذي يقوم به النظام التركي والمجموعات المرتزقة من تنظيمي داعش والنصرة على عفرين، يدرك الجميع ما يخطط له هؤلاء وهو التغيير الديمغرافي من بعد تهجير سكان عفرين وتوطين المجموعات الإرهابية وعائلاتهم فيها.

إذْ لا يروق للفاشية التركية أن ترى مدينة كردية واحدة حيّة. هي عمليات عسكرتاريا بهدف التغيير البنيوي في المنطقة، ربما تستمر لعشرات السنين ويُراق فيها المزيد من الدماء، كما أنه ليس بالخفي أن هذا المخطط القذر ينفِّذه نظام أردوغان وبمشاركة روسية، بالتأكيد يعملون في ذلك على هدم كل المساعي السياسية لحل الأزمة السورية.

ونرى وبعد مرور 54 يوماً من الغزو التركي على عفرين مستخدماً فيه كل صنوف أسلحة الناتو ناهيك عن الآلاف المؤلفة من الإرهابيين، وبمقارنة مساحة عفرين بحجم القوة العسكرية الغازية نجد إن هناك فارقٌ كبير في ميزان القوة. فإرادة الثوار والقوى الثورية المقاومة في عفرين قد استطاعت أن تصمد في وجه القوى الثانية في الناتو وهذا بحد ذاته يُعتبر هزيمة لأردوغان بعد حوالي شهرين من القصف المكثف لمختلف الأسلحة الثقيلة؛ بعضها محرّمة دولياً. لكن؛ أردوغان لن يتمكن من السيطرة على عفرين ولن يتحقق أوهامه وأحلامه ومخططاته، لذا نجده تارة يهدد وأخرى يتقاذف بالاتهامات هنا وهناك. وبحربه على عفرين الآمنة قد أعد لنهايته، وأنها بمثابة بداية النهاية لأردوغان ولسياسته على جميع الصعد السياسية والاقتصادية داخلياً ودولياً؛ فعفرين مرحلة جديدة ستنهي وجود أردوغان.

الأخير، الذي انزلق في أتون التناقضات الدولية على الارض السورية، ومن الصعب عليه بمكان الخروج من المأزق السوري بوجود دول عديدة تتصارع اليوم على الجغرافية السورية. كما أن أردوغان لن يستطيع أن يكون لاعباً بين القوى الدولية الكبرى، وقد فشلت كل مخططاته. لذا نجده اليوم يوجه الاتهامات إلى التحالف الدولي ويتهم الناتو تارة ويدعوها تارة أخرى بمشاركته العدوان على عفرين.

علينا أن نعلم بأن أردوغان لديه مخططاته الخاصة المُعلنة. فهو يسعى إلى أن يسيطر على كل الشمال السوري من إدلب وحلب إلى الموصل وكركوك. أمّا حجة أردوغان بمحاربة القوات التي تدافع عن عفرين والتي يتهمها أردوغان، إنما هم وحدات حماية الشعب وهم أبناء عفرين وأبناء الشمال السوري وهم يقاومون الاحتلال التركي اليوم. ولا يملك أردوغان أدنى حق في أن يحدد من يدافع عن عفرين؛ فهو الباطل مجرد اقدامه أن يتدخل بالشأن السوري. في الوقت الذي لم يشكل حتى الآن أي تهديد من عفرين تجاه تركيا؛ وأيضاً من كوباني والجزيرة وكل شبر من أقاليم شمال سوريا وروج آفا. ونحن لم نقوم بالهجوم على تركيا أو التعدي على حدودها، ومن بدء بالهجوم بكل وحشية وهمجية هي تركيا، وخيارانا وقرارنا كان ولازال هو الدفاع عن أرضنا وشعبنا.

لقد فرضت هذه الحرب علينا. ومحاولة أردوغان وبعض الأطراف فرض التسليم علينا أمرٌ مرفوض، فقرار المدافعين عن عفرين هو المقاومة والمقاومة حتى النصر، أما التسليم فهذا أمر مستحيل. بخاصة أننا من نعلم بأن عداء أردوغان هو موجه ضد الكرد أينما كانوا والعالم كله يعلم بذلك، ومثال الاستفتاء في إقليم باشور كردستان واضح للعيان. نعلم بأن الشعب في باشور أراد أن يعبر عن إرادته عبر هذا الاستفتاء، لكن ماذا كان موقف أردوغان وماذا كان رده؟ لقد مارس –الذي يهاجم عفرين- الضغط على العديد من الدول من أجل الوقوف بوجه الاستفتاء، وحتى يومنا هذا يهدد أردوغان شعب باشور، وهنا أسأل هل حزب العمال الكردستاني هو من دعا إلى الاستفتاء وهل كان حزب العمال الكردستاني هو المتواجد في باشور وكركوك والتي يسعى أردوغان لإخضاعها تحت سيطرة سلطانه؟ إنه بسياسته هذه يهدف لإنهاء الوجود الكردي ويتبِّع سياسة الإمحاء وإنكار الوجود؛ وهذه السياسة ليست بجديدة على شعبنا.

أمّا الدول الكبرى فلها مصالحها. الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لها مصالحهما في المنطقة وفي عموم العالم، ولا ضير هنا من ذكر مرة أخرى مثال الاستفتاء وكركوك، نعلم كيف غضت هذه القوى خاصة الولايات المتحدة الامريكية الطرف عما حدث في كركوك في وقت لم يكن بالخاف كيف كانت العلاقة بين حكومة الاقليم مع أمريكا وأوروبا. أمّا اتفاقنا مع الولايات المتحدة في شمال سوريا كان ومازال في إطار محاربة تنظيم داعش، ونحن ننتقد السياسة الأمريكية حيال مواقفها الخجولة تجاه العدوان التركي على عفرين، ولم نتكّل يوماً على الولايات المتحدة الأمريكية، لكننا نقول بأننا نساند بعضنا في محاربة الإرهاب، وهنا لابد من القول بأن أساس مقاومتنا وقوتنا هي إرادة شعبنا. وأن الشعوب في عفرين هي القوى التي تحرك المقاومة فلا يمكن لأي قوة داعمة خارجية أن تحقق النصر دون أن يكون هناك قوة داخلية وشعب مقاوم يمتلك الإرادة على الأرض. وعلى جميع الكردستانيين أن يدركوا بأن قوتنا هي في وحدتنا وفي إرادة شعبنا الصامد المقاوم.

نؤكد هنا بأن بعض الاتفاقات السابقة حدثت طبقاً للمرحلة التي أنتجتها. وحالياً تجري بعض اللقاءات بيننا وبين الاطراف الدولية وهناك وعود، لكن الأكثر أهمية بالنسبة لنا من تلك الوعود والاتفاقات هي الاعتماد على قوة شعبنا وإرادته، لأن هذه الإرادة هي التي حققت النصر وهي التي تقاوم اليوم في وجه أردوغان ومرتزقته. كما أن الواقع السياسي يفرض بدوره وقائع جديدة على الميدان وبقراءة لهذا المستجد فأنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة الامريكية اجتياح تركيا نحو شرق الفرات، وأعتقد إن أمريكا لن تتفق مع أنقرة بهذا الخصوص، أمريكا لديها حساباتها ومخاوفها من عودة تنظيم داعش من جديد، كذلك الأمر بالنسبة للدول الأوربية ناهيك عن أن اجتياحاً تركياً لشرق الفرات سيزيد من التعقيدات والتناقضات داخل سوريا وفي عموم السياسة الدولية وهذا ما لا يتوافق مع المصالح والمخططات الامريكية في عموم المنطقة. وحتى الوقت الراهن علاقتنا مع الجانب الامريكي هي في إطار محاربة تنظيم داعش الإرهابي، بالطبع إلى الجانب من هذه العلاقة هناك لقاءات في جوانب أخرى، لكن وكما قلت لا نعقد آمالنا على هذه العلاقات، بالرغم من أننا نحترم ونقدر هذه العلاقات ونسعى إلى توطيدها.

ولو لم نتخذ كل التدابير في عفرين ومنذ البداية، ولولا أننا لم نعتمد على أنفسنا لما استطعنا المقاومة والوقوف بوجه الاحتلال التركي حتى يومنا هذا. بالرغم من ذلك كله فإننا نعتقد بأن القراءة الدقيقة تستوجب أن تكون لكل مرحلة وفق ما تفرزه الوقائع، بالطبع لكل مرحلة توازناتها الخاصة بها أيضاً، لذا من غير الممكن أن تدير الولايات المتحدة ظهرها وتغادر بهذه البساطة، أو أنها ستبقى صامتة دون أن تبدي أية مواقف حازمة. وهنا أود القول بأن القراءة في الاحتمالات السابقة لأوانها غير مجدية، المرحلة الراهنة تستوجب قراءتها وتحليلها بشكل خاص، ولا داعي أن نستبق المجريات في وقت يخوض شعبنا مقاومة شرسة ضد العدوان التركي. هذا الشعب الذي لبى دعوة المقاومة وهو ينتفض في كل الساحات. وبدورنا وجهنا رسائلنا إلى الرأي العام الدولي والمنظمات الدولية بخصوص الانتهاكات التركية اللا إنسانية في عدوانها السافر على عفرين، لكن علينا العمل بقوة أكثر لممارسة الضغط على القوى الدولية للوقوف بوجه أردوغان وسياساته، وأي شيء ينهي هذا الصمت والتواطؤ. وأعتقد بأن المجتمع الدولي سيخرج من طور السبات.

لم ننسى بأن دمشق أرسلت بعض القوات الشعبية إلى عفرين لكن قد انهاهم النظام التركي، وهم بالنسبة لنا شهداء شاركوا اخوانهم من عفرين في الدفاع المشروع والمشترك. لكن كما أردفنا بأن من يدير هذا المخطط هي موسكو، وجميعنا يعلم كيف أن روسيا تستخدم كيد وعِداء أردوغان ضد الكرد لتمرير مخططاتها وتحقيق مطامعها في المنطقة عموماً، فهي من تسعى لاقتطاع جزء من الأراضي السورية تشمل كل من جرابلس والباب وإدلب وعفرين لضمها إلى تركيا مقابل تمرير سياستها في المنطقة وعموم العالم، من هنا فإن صفقة روسيا مع تركيا تختلف عنها والنظام السوري، وبالتالي تقسيم سوريا وفق مخطط روسي تركي أمرٌ وارد ونرى ملامحه باتت واضحة. وهنا ومن دون شك فإن وحدة الكرد بدت واضحة ومقاومة عفرين اثبتت ذلك، ومن يبقى خارج هذه الوحدة التي شهدناه جميعاً، يكون بعيداً عن الشعور بالوطنية، شعبنا خرج إلى الساحات والميادين من أجل عفرين وهذا أثبات بأن إرادة شعبنا اينما كانوا هي واحدة مع إرادة المقاومة. إذْ لا يمكن التعبير عن الوحدة الكردستانية وامتلاك الشعور بالوطنية بالبيانات فقط أو بمواقف فردية هنا وهناك من قبل بعض الاطراف الذين هم في الأساس جزء من القوى التي تهاجم عفرين وهذا ينطبق على أكراد الائتلاف. الأهم هنا بأن المواقف الحاسمة هي التي تبنى عليها الشعور الوطني والحس القومي؛ وهذا بدوره يختلف عن أمور تصبّ في خانة محاولة الابتزاز وتمرير الأجندات الضيقة بغية ابداء موقف وطني حازم من الاحتلال التركي وعدوانه على شعبنا.

عفرين مرحلة جديدة متكاملة. صفحة جديدة ناصعة تُكتب بدماء المقاومين والثائرين وعنفوان شعب إقليم عفرين. ومن أجل ذلك فإن هذه المقاومة يُكتب لها النصر.

آلدار خليل

نقلاً عن الوطن المصرية

زر الذهاب إلى الأعلى