مقالات

الشعوب الأصيلة وإصرارها على البقاء والمقاومة

سليمان حسن

عندما نعود إلى تاريخ الحضارات والشعوب التي قطنت منطقة ميزوبوتاميا ونغوص في أغوار التاريخ نتوصل إلى حقيقة ما قاله القائد عبد الله أوجلان: (التاريخ الحقيقي لم يكتب بعد فالتاريخ مخفي في يومنا ونحن مخفيون في بداية التاريخ) فمنذ ظهور المدنية الأولى في سومر وإلى يومنا هذا نجد فقط في كتب التاريخ أسماء الإمبراطوريات كالسومريين والأكاديين والبابليين والاشوريين وغيرها وإن هذه الحضارات قامت على حساب إنهاء أو القضاء على الحضارات التي سبقتها وقد يكون هذا صحيحاً, ولكن ما لم يذكره التاريخ؛ هي المقاومة التي أبدتها شعوب ميزوبوتاميا وتحالفها مع هذه القوى الواحدة تلو الأخرى في سبيل القضاء على الظلم ومجابهة الاستبداد والانعتاق من نير الاستعباد الذي فرض على كاهل شعوب ميزوبوتاميا وما يمكن قوله بهذا الصدد: إن شعوب هذه المنطقة بقيت محافظة على زخمها النضالي ضد قوى الهيمنة المركزية إلى يومنا هذا وتحديداً الشعب الكردي الذي لايزال يقاوم منذ فجر التاريخ وإلى يومنا هذا وذلك عبر سلسلة التحالفات الكونفدرالية المقاومة لاستبداد الدولة المركزية وذلك في سبيل البقاء والمحافظة على وجودهم وأصالة وعَرَاقة جذورهم التي لم تقبل الظلم والاستبداد أبداً ولم تنخرط في القتل والسفك واستعباد الشعوب بل على العكس فقد كانوا دائماً من السبَّاقين في مقاومة كافة أشكال السلطات والهيمنات المركزية وعلى الرغم من أن جميع الحروب التي جرت على جغرافية ميزوبوتاميا (كردستان) فقد استطاعوا الحفاظ على لغتهم وثقافتهم العريقة والأصيلة رغم استهدافها المتكرر عبر المكائد وحملات الإبادة الممنهجة والفرمانات والخيانات الداخلية والخارجية؛ حيث يمكننا القول أن سلسلة المقاومة التي أبدتها شعوب ميزوبوتاميا بقيت مترابطة إلى يومنا الحاضر حيث تجسدت بشكل أكثر وضوحاً ورسوخاً في مقاومة كوباني وشنكال ومدن شمال كردستان وصولاً إلى مقاومة العصر في عفرين التي جابهت أعتى قوَّة تسلطية مركزية ومجاميعها الهمجية الارهابية، حيث أصبحت مقاومة شعوب ميزوبوتاميا وطليعتها الشعب الكردي منهلاً لكافة الشعوب التواقة للانعتاق من نير الاستبداد والهيمنة المركزية المتسلطة.

هذه المقاومة المتجددة التي أبداها ويبديها الشعب الكردي منذ مطلع التاريخ إلى وقتنا الحاضر أصبحت مبعثاً للفخر والاعتزاز لأنها حافظت على امتدادنا السحيق في التاريخ وجذورنا الأصيلة المبنية على القيم والتقاليد والمبادئ والثقافة المجتمعية النابعة من الفطرة الأولى للطبيعة الإنسانية حيث يمكننا القول إن هذه المقاومة الأصيلة والراسخة المتوارثة بروح عظمائنا من الشهداء كمظلوم ومعصوم وآرين وبارين وأفستا … وغيرهم الآلاف الذين سبقوهم في سلسلة المقاومات المترابطة يجعل من المستحيل القضاء على إرادة هذه الشعوب المقاومة، ومهما كان العدو أو المحتل قوياً ودموياً فلن يستطيع البقاء على أرض كردستان إلى الأبد لأن شعبها المقاوم والمضحي يزداد صموداً كلما استفحل الاستبداد، ويتحول إلى حقيقة حية لشعب مقاتل.

وما يجري الآن من حروب وصراعات وتدخلات المحتلين هي امتداد لتلك الأطماع من سومر وأكاد وبابل وآشور وصولاً للصفويين والعثمانيين وتركيا الحديثة وإيران الملالي والهيمنة العالمية المتمثلة بأمريكا وفرنسا وبريطانية وروسيا, وفي ظل هذه المعمعة والفوضى في الشرق الأوسط فإن الحل الأمثل يكمن في الفكر والفلسفة التي استطاع القائد عبدالله أوجلان صياغتها بناءً على الحقائق التاريخية والتحليل العميق لقضايا الشرق الأوسط عبر طرحه قيم ومبادئ الأمة الديمقراطية التي تستند إلى ميراث الشعوب المقاومة وعظمائها الشهداء والمستند على الحقيقة المجتمعية وقيمها السامية منذ فجر التاريخ عبر كونفدرالية الشعوب ابتداء من الهوريين والميتانيين والميديين والذي يعتبر الشعب الكردي امتداداَ أصيلاً لهذ الحضارات النقية.

زر الذهاب إلى الأعلى