ثقافة

الشاعر والأديب الكردي (أحمد خاني)

حياته:

هو أحمد بن إلياس بن رستم الملقب بـ (خاني)، شاعر وأديب من كبار الأدباء التي أنجبتهم الأمة الكردية طوال قرون، وُلِدَ شاعرنا في مدينة (بايزيد). هناك آراء متعددة حول نَسَبِهِ، فهناك من يقول إنها أتت من اسم عشيرة (خانيان) التي كانت تقطن منطقة (بوتان) في الأصل، وآخرون يقولون: إنه وُلِد في قرية (خاني) التابعة لمنطقة هكاري في شمال كردستان. تلقى علومه الابتدائية في الكتاتيب والجوامع؛ ثم في المدارس التي انتشرت في المدن الكُبرى، وقد ظهرت عليه علامات النبوغ وهو لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره، وسعياً وراء المزيد من العلم والمعرفة تنقل بين الكثير من المُدن؛ واطلع على علوم عصره وتلقى الأدب ولا سيما الشِّعرَ والفِقهَ الإسلامي والتصوف، حيث كان شاعرنا أحمد خاني صوفي النزعة إلى جانب الكثير من الدين والعلم.

وفي تلك الفترة ذاعت شهرته مقرونة بالثقافة الواسعة والمعرفة العميقة في الأمور الأدبية والفلسفية والدينية. قد أتقن خاني العربية والفارسية والتركية بالإضافة إلى الكردية لغته الأم، وعلى الرغم من تمكنه وإتقانه لهذه اللغات إلا إنه آثر أن يكتب بلغة قومه ليؤكد بذلك مساهمة الكرد في بناء الحضارة الإنسانية، وإبرازاً لطاقته الفكرية، ولكي يشجع الأدباء الكُرد على الكتابة باللغة الكردية بدلاً من اللغات الأخرى. ومن أجل ذلك راح يفتتح المدارس ويتطوع للتعليم فيها بنفسه دون مقابل.

 ومن أجل أن يحبِّبَ العلم للطلاب أعدَّ لهم قاموساً ليسهل عليهم التعلم؛ سماه (نو بهارا بجوكان)، أي الربيع الجديد للصغار؛ مجسداً بذلك حبه لشعبه ولغته القومية، ويعد أول قاموس كردي معروف حتى الآن.

الفترة التي عاش فيها أحمد خاني كانت حافلة بالصراع بين الإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية للسيطرة على كردستان وثرواتها، وشهدت تلك الفترة انصراف الأمراء والحكام الكرد إلى الاقتتال الداخلي. فدعاهم إلى الوحدة، ودعا الشعب لليقظة والتنبه والاعتماد على الذات إذ كان يثق بطاقات شعبه؛ فلم يكن يترك فرصة إلا وكان يدعو الكرد فيها إلى الاتحاد والعمل؛ حيث كان يربط بين الازدهار السياسي والازدهار الاقتصادي بالإضافة إلى فكره القومي الثاقب، وكان متحرراً يقف إلى جانب المرأة وإنصافها في شِعْرِه ودعاها إلى التعلم والتحرر.

ومن أعماله الأدبية:

الملحمة التاريخية الشهيرة (مم وزين) وتُعَدُّ من أهم آثاره الشعرية، وقاموسه الذي أعده للأطفال (نو بهارا بجوكان) و(عقيدة الإيمان) وهي قصيدة شعرية باللغة الكردية نَظَّمَها في 70 بيتاً، ومجموعة من القصائد الغزلية، وديوان (لحن الجراح) ومعجم / روضة اللغة/، وقصيدة جمع فيها من اللغات الشرقية العربية والفارسية والتركية بالإضافة إلى لغته الأم التي تبقى مدينة له وهو يبقى رمز قوة لها، والعديد من الأعمال الأدبية الأخرى.

مم وزين:

وعن ملحمة (مم وزين) التي دارت احداثها في جزيرة بوطان على شاطئ دجلة، والممتد في سهلٍ شاسع بين الهضاب والتلال الخضر، واسم هذه الجزيرة يتألق في مقدمة ربوع كردستان، والتي تتمتع بقسط كبير من جمال الطبيعة والذي يزيد من روعتها جبالها الشاهقة التي تنافس بجمالها معظم جبال العالم. وضع أحمد خاني في ملحمته الشهيرة بدايات الفكر الكردي وبدايات الرغبة في تأسيس دولة كردية؛ فدعا إلى الوحدة والتكاتف ونبذ الخلافات، ولهذا يعتبره الكثيرون أول من وضع الأسس الفكرية للقومية الكردية بشكلها الحديث، حيث كان ظهوره مرادفاً لبدايات النمو الرأسمالي في العالم وبدايات الدعوة للنزعة القومية في العالم.

تعَدُّ ملحمة (مم وزين) أعظم مأساة عاطفية في تاريخ الأدب الكردي، وهي واقعية من أول فصل إلى آخر فصل ليس للخيال فيها شأن سوى إحياء ما أهمله التاريخ أو تساقط منه. قصر الأمير عزالدين أحد الأماكن التي دارت فيها أحداث الملحمة، القصر الذي ذاع صيته بالجمال والرقي، ولم يكن الجمال مستمداً من القصر وعمرانه فحسب بل من شقيقتي الأمير عزالدين (ستي وزين) اللتين كانتا تتمتعان بالكثير من الجمال الإلهي، وذاع سيط جمالهما في جميع المناطق، ثم تحدث شاعرنا عن (تاج الدين) الذي كان يعمل لدى الأمير (عزالدين) وصديقه (مم) وبعد ذلك أسهب بالحديث عن اللقاء الذي حصل بين أبطال القصة، فقامتا الأختين في يوم النوروز بالتنكر بثياب شابين وتم اللقاء بينهما وبين الصديقين تاج الدين ومم، فتعلق مم بالأميرة / زين/ أما تاج الدين يقع في حب أختها ستي.

تتسارع الأحداث بعدها ويتحدث شاعرنا (خاني) عن عجوز تصبح صلة وصل بينهم، فيتمكن تاج الدين بالزواج من الأميرة (ستي) بينما يبقى (مم) رهين آلامه، وتحدث عن مأساته هو و(زين) وعذابهما، وكان من الممكن أن تنتهي القصة نهاية جميلة لولا وجود عنصر شرير وهو (/ بكر/ وكان متعارفاً عليه في القصر بلقب / بكو/ ) حاجب الأمير (عزالدين)؛ والذي كان يفتن على الأميرة زين وحبيبها (مم) ووشى للأمير(عزالدين) بزج (مم) في السجن، وبقي في سجنه مدة عام وتعب كثيراً وزادت آلامه، وقررت زين زيارته في سجنه حيث هي أيضاً كانت تعاني الكثير من العذاب لأجل (مم) وعند التقائهما دار بينهما الكثير من الحديث ومات (مم) وهو يحادث زين وانهارت على فراقه، وحينما سمع صديقه (تاج الدين) أقبل على الحاجب (بكر) وقتله، ودفنت حينها زين حبيبها (مم) وذرفت الكثير من الدموع والآهات على قبره وعلى أثر حزنها الشديد ماتت على قبره، وندم أخوها أشد الندم على ما فعلت يداه، ولكن الوقت كان قد تأخر على ذلك. فقام الأمير (تاج الدين) بدفن أخته (زين) إلى جانب (مم) حسب رغبتها قبل موتها.

وبذلك انتهت ملحمة (مم وزين) ولكن روح وصدى قصتهما بقيت خالدة حتى وقتنا الحاضر، وتبقى ملحمة أحمد خاني هذه مثالاً للأدب الرفيع مما احتواه من تشابيه وصور ومعانٍ كانت في قمة بلاغتها، ومثالاً يحتذى به لروعة معناها وصدق وصفها وعفة مغزاها. حيث يعتبر أحمد خاني أول شاعر ومثقف كردي حمل لواء القومية والوطنية في تاريخ شعبه، حيث كان خير مدافعٍ عن أرضه وقضيته القومية.

إعداد: دلناز دلي

زر الذهاب إلى الأعلى