مقالات

“السوريّة” مقابل “الكُردية”

آلان بيري –

لا يمكن فهم سياق التطور الاجتماعي, الثقافي والسياسي الكُردي بسوريا إلا من خلال ربطه بالأجزاء الكُردية الأخرى. فأن نتحدث عن كُرد سوريا وكأنهم وحدة إثنية (أقلية سورية كغيرها من الأقليات الإثنية والدينية بسوريا) قائمة بحد ذاتها منفصلة تمام الانفصال عن التواجد الكُردي في البلدان المجاورة، لن يؤدي إلا إلى نتائج ناقصة وربما خاطئة.

فالروابط العائلية والقبلية من جهة والروابط اللغوية والثقافية والاجتماعية من جهة أخرى صمدت أمام الحدود المصطنعة لأكثر من مئة سنة (الحدود السورية، العراقية – التركية) وما تزال ثابتة. فهذه الروابط وبالرغم من الإبادات الجسدية والثقافية المتتالية والمتكررة والمستمرة حتى اللحظة لم تحافظ على كيانها فحسب وإنما تطورت أيضاً وبلغت مراحل أفضل عما كان عليه الحال من قبل.

هذا الأمر يتوضح بالأكثر في الجانب الثقافي. فالآن ومنذ بضعة عقود ما يُنشر من كتب في شمال كُردستان يُقرأ في غرب كُردستان بكل سهولة. فاللغة واحدة (اللهجة الكُرمانجية) والأبجدية واحدة (الأحرف اللاتينية المُعدَّلة) كما وهناك تقاليد ثقافية مستمرة بين الطرفين لم تنقطع رغم الحدود الدولية الجديدة. هذا بالنسبة للجزئين الكُرديين الأكثر تضرراً (منع اللغة والثقافة الكُردية في تركيا وسوريا)، أما الروابط اللغوية والثقافية بين كُرد العراق والكُرد على الطرف الآخر من الحدود الإيرانية فهي أقدم وما تزال مستمرة حتى اليوم. فما يُكتب ويُنشر في كُردستان العراق يُقراً بكل يُسر في كُردستان إيران.

مناسبة الحديث هو إصرار بعض السوريين المُستميت على “سوريّة” الكُرد وأنهم جزءٌ لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي السوري العام “فقط” ضمن حدود الدولة السورية الحديثة العهد, في إشارة إلى فصلهم عن الجسد الكُردي فصلاً كاملاً من النواحي اللغوية والثقافية والاجتماعية والسياسية.

نعم، الحدود الجديدة (إنشاء الدول سوريا والعراق وتحجيم تركيا بحدودها الجديدة وريثة المملكة العثمانية بدايات العقد الثاني من القرن العشرين) فرضت واقعاُ جديداً كان لزاماً على الكُرد التأقلم معه، إلا أن هذا لم يعني إطلاقاً أنه ما عاد يربط الكُرد من مختلف الدول القومية المُنشأة حديثاً شيئاً بعد الآن. فإضفاء صفة “السوريّة” على الكُرد جديدة وكانت حتى أمد قريب لا تعني شيئاً من النواحي اللغوية والثقافية والاجتماعية، كذلك الأمر بالنسبة “لعراقيّة” الكُرد و “تركيتهم” و”إيرانيتهم” في الأجزاء الأخرى.

فأن يكون الفرد الكُردي سوريّاً أمرٌ مفهوم من وجهة نظر قانونية وسياسية فحسب. مع العلم أن سوريّة الكُرد “قسريّة”، ولم يشفى الكُرد من “سوريّتهم العربية القسرية” إبان ستينيات القرن المنصرم وحتى العام 2011 إلا متأخراً مع التطورات التي حصلت خلال سنوات الحرب الأهلية السورية.

لا يمكن فصل الكُرد بخط الحدود (التي كانت بمثابة مشرط الجراح في الحالة الكُردية) وتعبئتها بالأسلاك الشائكة والجدران العالية وزرعها بالألغام. فاللغة المشتركة والتراث الثقافي والاجتماعي القائم حتى الآن لا يمكن جعله سوريّا إلا ضمن نطاقه المحدد، ذلك أن إضفاء “السوريّة” على مختلف مناحي الحياة الكُردية ضمن حدود هذه البلاد أمرٌ غير مجدي ولا معنى له أصلاً.

ليس لدى الكُرد مشكلةٌ في الهوية، فهي متبلورة لديهم منذ عهد مملكة ميديا القديمة وحتى اليوم، كما وأن للكُرد تراثٌ ثقافي ما يزال حاضراً وإن لم يُقَدَّم غالباً على أنه “كُردي”. كما وليس لدى الكُرد السوريين ممن يعيشون على أرضهم ضمن سوريا الجديدة (سوريا عهد الاستعمار) مشكلة مع الهوية السورية الحقة، وهي تلك الهوية التي تعترف بالكُرد إثنية لها خصوصيتها من النواحي اللغوية والثقافية وتراهم شركاء حقيقيين في الحياة الاجتماعية، السياسية والاقتصادية السورية دون أدنى إقصاء أو تمييز.

زر الذهاب إلى الأعلى