العالمتقاريرسوريةمانشيت

السدود والمياه.. حربٌ تتقنها تركيا في دول الإقليم

افتتح الرئيس التركي رجب أردوغان، يوم الجمعة/ الحادي عشر من يونيو الجاري، عبر تقنية الفيديو كونفراس، سد “عفرين الأعلى” في ولاية كلس، جنوب شرق تركيا.. ووفق ما ذكرته وزارة الزراعة والغابات التركية، فإن السد الذي تبلغ تكلفته 300 مليون ليرة، وبسعة تخزينية 38 مليون متر مكعب، سيكفي احتياجات مياه الشرب والمرافق العامة في كلس.

الاسم لـ عفرين والفوائد لتركيا

ورغم أن السد حمل اسم مدينة عفرين السورية، التي تحتلها تركيا، منذ الثامن عشر من مارس العام 2018، إلا أن الفوائد لتركيا وأراضيها، إذ أشارت الوزارة التركية إلى أن السد سيحمي 30 ألف دونم من الأراضي من الأضرار الناجمة عن الفيضانات، فيما يستصرخ النشطاء من عفرين بين الفينة والأخرى، من أزمات المياه المتكررة التي تحصل داخل عفرين وريفها.

ففي مايو الماضي، وجهت استغاثات من أزمة مياه الشرب في عفرين، بسبب عدم استمرار تشغيل مضخات المياه، وكذلك قيام إدارة سد ميدانكي (المصدر الرئيس للمياه في مركز عفرين)، بتحويل القسم الأكبر من ساعات الضخ إلى مدينة إعزاز، ما أدى لحرمان أحياء من مدينة عفرين من مياه الشرب، مع مواصلة المجلس المحلي التابع لأنقرة بمدينة عفرين، في جباية فاتورة المياه الشهرية، والتي تبلغ /20 ليرة تركية/ وخصها بسكان المنطقة الأصليين الكُرد، بذريعة أنهم مقيمون، وإعفاء المستقدمين من ذوي المسلحين بحجة أنهم نازحون.

واتهم- وما يزال- أهالي عفرين الأصليون الكُرد، أنقرة وميلشياتها المُسماة بـ”الجيش الوطني السوري”، بانتهاج سياسات متعمدة، تهدف إلى التضييق عليهم من مختلف الجوانب، لحملهم على ترك المنطقة وتهجيرهم منها، في إطار مساعيها لتتريك المنطقة وتوطين الغرباء فيها، تحقيقاً لمشروع التغيير الديموغرافي الذي تحدث عنه أردوغان منذ بدء غزوة “غصن الزيتون”، إذ ادعى حينها، أن نسبة الكُرد في عفرين لا تتجاوز الـ 35%، علماً أن نسبتهم التاريخية لم تقل عن 98%.

حرب المياه التركية على سوريا

ولا تقتصر حرب المياه التركية على عفرين، بل تمتد إلى مناطق سوريا أخرى شرق البلاد، تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، ففي أبريل المنصرم، خرج مسؤولون مدنيون في إدارتها، للتعبير عن سخطهم وخشيتهم من تحويل مناطق شرق الفرات إلى أرض جرداء، مع خفض الجانب التركي حصة الجانب السوري، إلى 200 متر مكعب بالثانية أي ربع الكمية المتفق عليها، والتي يفترض أن تصل إلى 550 متر مكعب بالثانية.

وبجانب أنقرة، تستخدم ميليشياتها المسماة بـ”الجيش الوطني السوري” منهجية مُماثلة، تتمثل في قطع مياه الشرب عن كامل محافظة الحسكة السورية بعد احتلالها برفقة الجيش التركي، لبلدة علوك في ريف مدينة رأس العين، وبحسب وثيقة بعثتها وزارة خارجية النظام السوري إلى الأمم المتحدة ومنظماتٍ دولية منها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن أنقرة وميلشياتها عطّلت محطة مياه علوك الواقعة أكثر من 23 مرة خلال آخر عامين ونصف.

العراق.. الواقع لا يختلف

ورغم عدم شرعية كل الحجج والذرائع التركية لقطع المياه عن سوريا، فإن الحرب تلك ليست حكراً عليها، فالعراق المجاور يعاني من وضع مماثل، ففي مايو الماضي، أطلقت بغداد صافرات الإنذار، عقب انخفاض منسوب نهر الفرات، محذرةً من شأن كارثة مائية وشيكة، نتيجة توجّه أنقرة لمُضاعفة استغلال مياه نهري دجلة والفرات في مشاريع زراعية وصناعية ضخمة، بجانب التنبيه من استخدام أنقرة للمياه كورقة ابتزاز سياسي وأمني.

وقد نبهت لجنة الزراعة والمياه في البرلمان العراقي من مواجهة البلاد نقصاً فادحاً في المياه خلال الفترة المقبلة، وقال رئيس اللجنة سلام الشمري “إنّ تركيا تحاول بين الحين والآخر استخدام ورقة المياه لتنفيذ ما تخطط له بدولتي مسرى نهر الفرات (سوريا والعراق) بشكل خاص”، مضيفاً في بيان أصدره: “إعلان مسؤول في شمال سوريا عن انخفاض منسوب مياه نهر الفرات بأكثر من خمسة أمتار لأول مرة في التاريخ، أمر خطير وينذر بالأمر نفسه في العراق”.

وطالب وقتها الشمري، الجانب العراقي إلى الإسراع بتوقيع اتفاقية مع أنقرة، حول حصة العراق من مياه نهري دجلة والفرات وعدم السماح لها باستخدام الأمر كورقة ضغط لتنفيذ أهدافها.

وفي الخامس عشر من مايو، قالت “لجنة الزراعة والمياه النيابية” في العراق، إن تركيا لم تلتزم بالاتفاقيات العالمية للدول المتشاطئة، وقال عضو اللجنة عبد الأمير الدبي، إن وزارة الموارد المائية العراقية تتابع الملف بشكل منفرد، مطالباً وزارة الخارجية بالقيام بدورها و”مفاتحة الأمم المتحدة تجاه سياسات تركيا حول المياه”، مضيفاً إن تركيا أنشأت سدوداً على منابع ومسار نهري “دجلة” و”الفرات”، ما أدى إلى انخفاض حصة العراق المائية، على الرغم من وجود اتفاقيات، فيما أوضح المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، علي راضي، أن إيرادات نهري “دجلة” و”الفرات” انخفضت قرابة 50% عن معدلاتها عام 2020.

قبرص.. المنهجية المُفضلة عينها

وإلى جانب سوريا والعراق، وصلت حرب المياه التركية إلى قبرص، إذ أعلن الرئيس التركي، في الثاني والعشرين من مايو الماضي، أن بلاده ستزود قبرص بـ75 مليون متر مكعب من المياه سنوياً عبر أنبوب بحري، معتبراً أن افتتاح خط إمداد المياه من تركيا لقبرص يضيف رابطة جديدة بين البلدين، وهي هنا ليست حرباً بمعناها السلبي، بل سلاح مشهر في وجه الجانب الآخر من قبرص، حيث تقسم الجزيرة إلى جزئين، شمالي موالٍ لتركيا وتعترف به أنقرة لوحدها كدولة، وجنوبي يحظى بشرعية دولية، لكن دون أن يكون له القدرة على استعادة أراضيه المُهيمن عليها من جانب أنقرة.

وقال أردوغان إن مشروع نفق ضخ مياه الري إلى الشطر التركي من جزيرة قبرص، سيوفر فرص عمل لنحو 10 آلاف شخص عبر زيادة مساحة الأراضي الزراعية المروية، زاعماً أن تركيا أثبتت إصرارها في عدم جعل قبرص بحاجة لمساعدة الآخرين، من خلال المشاريع التي ساهمت في حل أزمة نقص المياه لديها، قائلاً: “مع افتتاح خط إمداد المياه من تركيا إلى قبرص التركية، نكون قد أضفنا رابطة جديدة بين البلدين، إلى جانب الروابط التاريخية والثقافية والجغرافية”.

كما ادّعى أردوغان أن أي مفاوضات جديدة في قبرص يجب ألا تجري بعد الآن، بين كيانين وإنما بين دولتين، حيث تدعم أنقرة تقسيم الجزيرة، في موقف مُعاد لرغبة المجتمع الدولي الساعي لإعادة توحيد الجزيرة، في تأكيد صريح على استخدام تركيا للمياه في القضايا السياسية ونزاعاتها مع دول الإقليم المختلفة.

ورغم أن استخدام المياه كسلاح وحرب بحق شعوب المنطقة من جانب تركيا هو فعل ظاهر وجلي في سوريا والعراق إلى جانب قبرص، لكن الظن لا بد وأن يؤدي بالمُراقب إلى الشك بأنقرة، في كل أزمة مياه تعيشها دول المنطقة، وخاصة الدول العربية الرئيسة، وهو ما ينبغي التنبه له، والبحث خلف خطوط التشابك التي تجمع أنقرة مع الدول والتنظيمات العاملة كأدوات مُنفذة لسياساتها.

 المصدر- ليفانت

زر الذهاب إلى الأعلى