مانشيتمقالات

الرابع من نيسان ميلاد العصرانية الديمقراطية

دارا أحمد
لدى الخوض والتعمق في دراسة تاريخ البشرية القديم والمعاصر، يتبين للمرء على انه لكل حقبة زمنية فكرها، فلسفتها، وسماتها الخاصة التي تميزها عن سابقاتها بكل المعايير والمقاييس، ويتجلى ذلك أيضاً بظهور شخصيات أثرت في تلك الحقبة وطبعتها بطابعها الخاص والجديد ،وأمهرتها ببصمتها بما يخدم المجتمع سلباً أو أيجاباً، منها ما استطاعت أن تملك صفة الديمومة – رغم مرور احقاب زمنية على غياب ممثليها فيزيائياً – وذلك بقدر ما قدمته للبشرية ومجتمعاتها زمانياً ومكانياً من خدمات جليلة وقيمة أصبحت إرثاً قيماً للبشرية جمعاء، اهتدت بل سارت ونظمت وفقها حياتها مجموعات بشرية وأخذت أسماءها من القوة الفكرية المؤثرة لتلك الشخصية او الايدلوجية كـ “المحمدية، العيسوية، الزرادشتية، والمانية، والايزيدية، والوضعية منها كالماركسية والماوية…” وغيرها من الأفكار استطاع المرء الامتثال والاقتداء بها الى يومنا هذا لامتلاكها قوة الديمومة، ولما قدمته من معارف في شتى انواع العلوم الانسانية الروحية، الاجتماعية، الإدارية، التقنية، العسكرية، الاقتصادية، الثقافية، السياسية، الجنسوية وعلوم الفضاء والكون والبيئة.
منهم من ادعوا النبوة والرسولية وتفسيرٍ للعلوم والظواهر الطبيعية وعلوم وضعية أحدثوا تغييرات ثورية وفقاً لطبيعة المراحل التي عاصروها وظهروا فيها ولاقوا الكثير من المآسي والآلام وصلت بهم الى مرتبة التضحية والصلب في سبيل خلاص من يقتدي بهم.
لذا فإن ولادة هكذا شخصيات أصبحت أيام انبعاث للانتقال من الظلمات الى النور من الجهل الى عالم المعرفة والرقي والحضارة. وكان ذلك حق طبيعي لتلك المجموعات في الاحتفاء بذكرى ميلاد من كان المخلص والمنقذ للانتقال والعبور من العبودية الى الحرية والتحرر والعيش بسلام وكرامة ووئام، وللدور الثوري لتلك الشخصيات في إحداث تغييرات بنيوية جوهرية في حياة مجتمعاتها.
ففي نهاية المئوية الفائتة تستطيع البشرية التقدمية الافتخار بميلاد شخص أمْهَرَ العصر ببصمته يوم الرابع من نيسان 1948 في قرية “آمارا” حيث مهد الانبياء والرسل. ميلاد الإنسان عبد الله أوجلان، ميلاد العصرانية الديمقراطية وفق براديغما الأمة الديموقراطية والعيش المشترك كروح متجسدة في جسد الكونفدرالية الديموقراطية.
هذا الميلاد الذي يعتبر بمثابة حدث وانعطاف تاريخي في الصيرورة الحياتية للكون والبشرية، وهذا العصر الذي اتسم واتصف بالقهر والظلم والقتل والنهب والإنكار والاستغلال ،هذا العصر الذي بات يتحتم على مَعْرفييه وعلمائه البحث في ايجاد السبل بل المشاريع التي تخلص البشرية من تراكم الأزمات التي عانتها وتعانيها في كافة مناحي الحياة والمجالات وخاصة الجنسوية والعرقية والاثنية والبيئية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية والتي تعود في مجملها الى (الذهنية) التي تعتبر مكمن جُل المشاكل ،الذهنية الذكورية التسلطية التي برهنت على عدم قدرتها على انتاج مشاريع براديغما وعقود اجتماعية إنسانية حقيقية لحل معضلات البشرية الراهنة، وفي هذه الحالة فإن ظهور المفكر والفيلسوف العصري عبدالله اوجلان يُعد بمثابة معجزة وطفرة كونية بشرية وحالة تجاوزت ما كان معتقداً بانه – لا مخلص لكم من بعدي- وبالنسبة الى البشرية والنظام العالمي الراهن كمثيلاتها من العصور السابقة. وهنا لا بد من عودة التاريخ لذاته وتكراره في هكذا حالات بتكالبها وتآمرها وتماديها رغم تضادها وصراعها الفكري فيما بينها ،فكان التكاتف لمواجهة ما هو جديد من ظهور لبرايغما عصرية والذي يُعد خرقاً للدائرة الكونية المرسومة من قبل المنظومة الفكرية والإدارية العالمية في مؤامرة دولية مستمدة من التاريخ كما حصل لدى قبائل قريش وروما لقتل محمد وصلب عيسى بن مريم ، متناسين قوة الديمومة للأفكار والأيدلوجيا التي تخدم البشرية ومدى الامتثال والتمسك بها من قِبل معتنقيها رغم غياب ممثليها ،وهذا ما حصل مع ممثل العصرانية الديمقراطية الحقيقية كفلسفة وبراديغما كونية قادرة على خدمة البشرية بعيداً عن كل ما يمت بالصلة الى الدوغمائيات السابقة التي هكرت فكر وعقل الانسان الى يومنا هذا .
فكان هذا الميلاد هو ميلاد البدء بمسيرة تحرر الانسان والطبيعة من كل القيود للعيش بسلام ووئام متمثلاً لحقيقة وجوهر الفرد ذو الطابع الإنساني الحقيقي الصحيح البعيد عن كل ما يمت بصلة للشر والشرور الدخيلة ، في تنظيم حياة الانسان بما يواكب طبيعته معيشياً حياتياً وإدارياً وفق براديغما الامة الديمقراطية والعيش المشترك والتحرر الجنسوي في جسد الكونفدرالية الديمقراطية.

زر الذهاب إلى الأعلى