الأخبارمانشيت

(الدم الكردي في الأراضي العربية؟ آفاق تحرير الرّقة) عنوان مقال للشهيد فراس داغ

تعود هذه المقالة للشهيد فراس داغ عضو المكتب الإعلامي لوحدات حماية الشعب YPG، اسمه الحقيقي محمد أكسوي وهو مخرج كردي يحمل الجنسية البريطانية استشهد في 25 أيلول 2017 بالرقة ووارى جثمانه الثرى في مقبرة هايغيت في العاصمة البريطانية لندن.

وجاء نص مقالته كالتالي:

تمّ إعلان عملية غضب الفرات لتحرير الرّقة من الدّولة الإسلاميّة (داعش) من قبل قوّات سوريا الدّيمقراطيّة بقيادة وحدات حماية الشّعب الكرديّة  في 6 نوفمبر 2016, وأعقبت المرحلة الأولى لعزل المناطق حول الرقة ثلاثة مراحل أخرى, واتُّخذت فيها مناطق مثل الطبقة وطريق الرّقة ودير الزور السّريع والقرى الهامّة لحصار الجّهات الأربعة للمدينة.

بدأت المرحلة الأخيرة من تحرير المدينة نفسها في 6 يونيو 2017 وهي الآن في يومها الثّالث والسّبعون, وعلى الرّغم من عدم الإعلان من قبل  شخصيّة رسميّة فقد استُشهد حوالي 200 مقاتل عربي وكردي وسرياني وأجنبي في المرحلة الأخيرة.

وتسيطر قوّات سوريا الدّيمقراطية الآن على حوالي 60 ٪ من المدينة، مع وجود 1500 من مقاتليّ الدّولة الإسلاميّة من أصل 5000 ما زالوا متمسّكين بالمدينة, وتمّ تخليص آلاف المدنيّين من الرّقة من قبل مقاتلي قوّات سوريا الدّيمقراطيّة، وانضم أكثر من 1000 منهم إلى صفوف هذه القوّات للمساهمة في تحرير المدينة.

حملة الرقة ونهج مختلف الجهات الفاعلة

عندما بدأ الحديث عن عمليّة تحرير الرقة من الدولة الإسلامية (داعش) في عام 2016، تساءل بعض الكرد: لماذا تذهب وحدات حماية الشّعب إلى الرقة؟ إنها ليست أرضاً كرديّةً.

هؤلاء جادلوا على وسائل الإعلام بأنّهم لا يريدون” سفك الدّماء الكرديّة “من أجل الأراضي العربيّة, وأنّ على وحدات حماية الشّعب الكرديّة أن تركّز على الدفاع عن روج آفا ذات الأغلبيّة الكرديّة”.

وفي الوقت نفسه مناهضي الكرد والحكومات من مثل تركيا وسوريا, روّجت بأنّ وحدات حماية الشّعب ستقوم بتطهير المنطقة العربيّة وتثبيت الحكم الكردي لها, كما أنّ تركيا لم تنسَ استخدام حجّتها الأكثر استخداماً بأنّ وحدات حماية الشّعب الكرديّة هي امتدادٌ لحزب العمّال الكردستاني (PKK), وبالتّالي فهي “جماعة إرهابية”.

ما أخفوه أو تناسوه عمداً هو أنّ القادة المحليّين والقبليّين في الرقّة قد قاموا بإجراء مكالماتٍ مفتوحةٍ, وعقدوا اجتماعاتٍ مع قوّات سوريا الدّيمقراطيّة ومسؤولين من مجلس سوريا الدّيمقراطيّة من أجل تحرير المدينة, كما لم يذكروا أنّه على الرّغم من كون العرب هم الأغلبية, إلّا أنّ الرقّة كان فيها أيضاً نسبة 20٪ من الكرد و 10٪ من الأرمن من بين سكّانها البالغ عددهم 220.000 نسمة (إحصائية 2004), كما أنّ معظم السّكان الكرد والمسيحيّين كانوا قد تعرّضوا للاضّطهاد وأُجبروا على الفرار عندما سيطرت جبهة النصرة الإسلاميّة (القاعدة في سوريا) على المدينة في عام 2013.

وفي أوائل عام 2014 سيطرت الدّولة الإسلاميّة على الرقة بعد أن اقتحمت الموصل على الحدود مع العراق, ونفّذت إبادةً جماعيّةً ضدّ الإيزيديّين الكرد في شنكال, وجلب مسلّحو تنظيم الدّولة الإسلاميّة الآلاف من النّساء والأطفال الّذين استعبدهم إلى عاصمته المزعومة الرّقة في سوريا, والعديد منهم لا يزال يُعتقد أنهم موجودون فيها.

كان من الممكن أن تكون هذه أسباباً كافية لقوّات سوريا الديمقراطية بقيادة وحدات حماية الشّعب (وهي القوّة القتاليّة الوحيدة متعدّدة الأعراق والأديان في سوريا, والّتي تتألّف في معظمها من العرب والكرد وأيضاً السريان والتركمان والأرمن), لشنّ عمليّةٍ في الرقة, لكن ما كان يفتقر إليه التّحليل والاتّهامات في ذلك الوقت أو تمّ التستّر عليه, الأهميّة الاستراتيجيّة والتّاريخيّة للمدينة بالنّسبة لتنظيم داعش, وأيضاً لضمان أمن روج آفا في المستقبل, وعلاوةً على ذلك كان من الواجب الإيديولوجي من قبل وحدات حماية الشّعب أن يحرّروا الرقة, لكون المشروع المتمثّل في إنشاء سوريا لا مركزيّة وفيدراليّة لا تعتمد على التّقسيم (الإثني/ الديني), أو المناطق الّتي تقطنها أغلبيّة كرديّة في الشمال.

وإذا ما تمّ إطلاق عمليّة التّحرير لكانت داعش تشكّل باستمرارٍ تهديداً مباشراً للسّلام والاستقرار النسبيّين الّلذين تمّ تحقيقهما في روج آفا, وأيضاً لشكّل داعش عقبةً في طريق حلّ الأزمة السّوريّة.

وفي المقابل كان هذا من شأنه أن يزيد من جرأة تركيا في عملية (درع الفرات) الّتي أطلقتها في أغسطس 2016 للنيل من المكاسب الّتي حققها الكرد في شمال سوريا, فأنقرة أرادت لميليشيات الجّيش الحرّ الّتي تدعمها أن تكون في الرّقة, وضغطت دون جدوىً على التّحالف الّذي تقوده الولايات المتّحدة حتّى آخر لحظةٍ لإنهاء الدّعم لقوّات سوريا الدّيمقراطية  في تحرير المدينة, كان الانزعاج الرّئيسي لتركيا هو أنّ قوّات سوريا الدّيمقراطيّة تتألّف بشكلٍ أساسيٍّ من مقاتلين كرد, وادّعت أنقرة بأنّ القوّات العربية ليست موجودةً ضمنها أو وجودها لا يُذكر, ودُحض هذا الادّعاء من قبل قوّات سوريا الدّيمقراطيّة والبنتاغون, حين قالوا: إنّ 60 ٪ من القوّات تتألف من المقاتلين العرب, وحاولت أنقرة كمحاولةٍ أخيرةٍ وبقليلٍ من التّناقض تقسيم قوّات سوريا الدّيمقراطيّة بقولها أنّها تستطيع تنفيذ عمليّة الرّقة مع المقاتلين العرب في صفوف قوّات الدّفاع الذّاتي, ولعب القيام بهذه الخطوات المعادية للكرد من قبل تركيا دوراً إيجابيّاً انضمام الشّباب العربي إلى قوّات سوريا الدّيمقراطيّة, الّذين توافدوا قبل العملية كردٍّ على تدخّل أنقرة في منبج ومناطق عربيّة أخرى يغلب عليها الطّابع السّياسي.

والنّظام السوري الّذي هو حاليّاً على أبواب معقل داعش من الجّنوب الشرقي من الرقة, ويشنّ هجوماً على المدينة يحاول إضعاف المشروع الفيدرالي لحلّ النّزاع السّوري, وعلاوةً على ذلك فإنّ التّداعيات الإقليميّة والعالميّة لتقدّم تركيا أو النّظام إلى الرّقة كانت متعدّدةً, وربما كانت أكثر تعقيداً وسلبيّةً, وستؤدّي إلى حربٍ فوضويّةٍ بالفعل.

مجلس الرّقة المدني وآمال ما بعد داعش

 بالنّوع المناسب من الإدارة يمكن أن تصبح المدينة نموذجاً لسوريا ديمقراطيّة اتّحادية, هذا ما أبرزته (إلهام أحمد) الرّئيسة المشتركة لمجلس سوريا الدّيمقراطيّة بعد انطلاق حملة الرّقة مباشرةً.

وقالت إلهام أحمد أيضاً: “يمكن أن تقدّم مثل هذه الإدارة مثالاً جيّداً للتّغيير الديمقراطي في الرّقة, خاصّةً وأنّ المدينة كانت منذ سنواتٍ عاصمة فعليّةً لداعش الإرهابيّة, وسيكون هذا الإنجاز تغييراً كبيراً في الوضع العامّ في سوريا, وسيساعد البلاد على التّحرك نحو الاستقرار والتّغيير الدّيمقراطي, والرقة ستكون مثالاً للبلاد بأسرها”.

يتألّف مجلس الرّقة المدني من حوالي 120 شخصاً, من بينهم نوّاب نساء  كرد وعرب, وقد تمّ تشكيله في أبريل 2017,  وهو ممثّلٌ للسّكان المحليّين في الرّقة وبمشاركة جميع الأعراق والجّماعات الدّينيّة الموجودة في المدينة, وكذلك أعضاءٌ من العشائر المحليّة.

لقد عمل المجلس بالفعل بلا كللٍ من أجل مساعدة المدنيّين الّذين تمّ إنقاذهم من داعش, ويقوم بوضع خططٍ لإعادة بناء الحياة في مرحلة ما بعد داعش, وفي اجتماعٍ مع مسؤولين من التّحالف الّذي تقوده الولايات المتّحدة في يوليو, ناقشت الوفود إزالة الألغام وإعادة الإعمار وإعادة التّأهيل والإغاثة والعمل الإنساني, مع إظهار التّحالف اعترافاً سياسيّاً ودعماً سبق أن تمّ حجبه, كما تعهّد المجلس المُعيّن بإجراء انتخابات في مايو 2018, بحيث يمكن لمواطنيّ الرّقة انتخاب ممثّليهم بشكلٍ ديمقراطيٍّ, وسيُتّخذ قرارٌ حول ما إذا كانت الرقة ستنضم إلى فدراليّة شمال سوريا, أو ستبقى منطقةً مستقلّةً في نفس الوقت تقريباً, ومن المتوقّع أن يكون القرار لصالح الانضمام إلى المشروع الفيدرالي الدّيمقراطي كما يقول المسؤولون, لكنّ الكثير من العمل الشّاق ينتظرهم.

وفي الختام سيكون تحرير الرّقة بنفس الأهميّة والاستراتيجيّة مثلما هو الحال في منبج, وهي منطقةٌ أخرى ثقافيّةٌ ومتنوّعةٌ تاريخياً, حاولت الجماعات المذكورة في بداية المقال منعها من التحرر من داعش في منتصف عام 2016, وقد حقّق المشروع الفيدرالي وتنفيذ الدّيمقراطيّة المحليّة هناك نجاحاً هامّاً, مع تاريخها وجغرافيّتها ومواردها وواقعها الاجتماعي.

يمكن للرّقة أن تصبح واحدةً من أعمدة سوريا الفيدراليّة والعلمانيّة والديمقراطيّة, شريطة أن تعمل شعوب سوريا المتنوّعة معاً حول الإطار الّذي تمّت صياغته ووضعه لأوّل مرّةٍ من قبل الثورة الكرديّة في روج آفا, ومن ثمّ مشاركتهم مع الشّعوب الأخرى, فإنّ الرّقة يمكنها التّمتع بالأمن وبناء أسس مجتمعٍ محليٍّ, والمساواة بين الجّنسين والمجتمع البيئي, وكما أنّ تحرير روج آفا من نظام الأسد والجّماعات الرّجعيّة يؤدي الآن إلى تحرير الرقة, والهزيمة في نهاية المطاف لداعش في سوريا, فإنّ الحريّة والديمقراطية في الرّقة ستحمي الكرد وروج آفا من الهجمات المستقبليّة، في حين أنّها تعزّز أيضاً إمكانية التّوصّل إلى حلٍ للحرب السّورية, وستكون هذه الضربة الأكبر لداعش وعقليّات الدّول الرجعيّة والجّماعات الأخرى في المنطقة الّتي تغذّي باستمرارٍ عدم الاستقرار والحرب والدّمار.

(محمد أكسوي) كان ناشطاً مناهضاً للرأسماليّة ومتضامناً مع الكرد منذ سنّ المراهقة, درس ماجستير صناعة الأفلام في جامعة (غولدسميث), كما تلقّى دوراتً في الكتابة والأدب الإبداعي, وأنتج العديد من الأفلام القصيرة, ونشر قصصاً قصيرةً وترجم مجموعةً من الشّعر, وقد كتب وحاضر بشكلٍ موسّعٍ حول المسألة الكرديّة, كان يقيم في روج آفا وشمال سوريا للمساهمة في العمليّة الاجتماعيّة والسّياسيّة الجّارية هناك.

استُشهد بواسطة كمينٍ بينما كان يغطي الكفاح الذي يؤمن به.

وقد كتبت عنه الأندبندنت: محمد أكسوي: إن المتطوّع البريطاني المناهض لداعش استشهد كبطلٍ كرديٍّ، ونقلت وسائل إعلام عن صحيفة “تليغراف” البريطانية أن “اكسوي” كان خارج مجمّعٍ سكنيٍّ بمدينة الرقة عندما خرج عليه عناصر من تنظيم (داعش) وأطلقوا عليه النار وأردوه قتيلاً مع صحفية كردية كانت برفقته”.

ترجمة: المكتب الإعلامي لحزب الاتحاد الديمقراطي

زر الذهاب إلى الأعلى