مقالات

الخُطط الخبيثة للنظامين التركي والسوري أخطر ما تهدد سوريا

ربما يشاطرني الكثيرون ممن يعايشون الواقع الراهن بمعطياته ودلالاته أن من سفاسف التصريحات على المنابر الدولية في ما يتعلق بدول الشرق الأوسط وخصوصاً سوريا هي تلك التي يطلقها رأس النظام التركي حينما يتبجح حد التخمة بالحرص على وحدة الأراضي السورية، ومحاربة الإرهاب، وزعمه أن في سجونه المئات بل الآلاف من مقاتلي داعش ومشتقاته لاستخدام هذه الورقة في فاتورة حساباته السياسية في الداخل التركي وممارسة أقصى درجات الضغط كما ورقة اللاجئين السوريين على الدول الأوربية.

اللافت في ذلك هو تماهي المجتمع الدولي وخصوصاً رأس الهرم في النظام الأمريكي بقيادة ترامب القائم على التفكير بمنطق السمسرة بعيداً عن اللباقة السياسية والأخلاقية لدفع عجلة استثمارات شركاته، ومجاراة النظام الروسي له في ما يدَّعيه النظام التركي بمحاربة الإرهاب في الشمال السوري، والعملية التفاضلية لدى الدول الغربية في الاختيار بين السيء والأسوأ (أردوغان وداعش) والتي تخطت المتناقضات في العلاقات الملتبسة بين كل هذه الدول وتركيا إذ إن الأقوال تناقض وتخالف الأفعال في واقع الحال. يضاف إلى ذلك صمت النظام السوري عن الهجمات العسكرية التي تشنها مرتزقة أردوغان وجيشه على الشمال السوري رغم التفاهمات والاتفاقات العسكرية الحاصلة بين كافة الأطراف مما يجنح بنا التفكير في طرح أسئلة ملحَّة تقتضي التفسير أو محاولة إيجاد أجوبة لها، ولعل أهم ما يجب التطرق إليه هو الصمت السوري تجاه هذه الهجمات وما يروِّج له النظام التركي إعلامياً ويحمل قناعاً جميلاً (محاربة الإرهاب) ويُخفي خلفه صورته القبيحة (التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي) تحت مسميات زائفة ومختلفة ( نبع السلام وغصن الزيتون….) ولا يمتُّ إلى أصل وجذر الكلمة بشيء وتختلف بأقصى درجات الاختلاف عن ممارسات الواقع الميداني لعربدة الجيش التركي وميليشياته ومرتزِقته.

لا يخفى على أحد أن مصالح الدول المتدخلة في الصراع السوري التقت في كثير من المحطات مع تركيا (المستنبت والحاضن الرئيس للإرهاب) بدءاً من الولايات المتحدة الأمريكية وانتهاءً بالروسي وتحديداً فيما يخصُّ غزوها الأخير على شمال سوريا وطريقة التعامل معها ومقارباتهم المغلوطة للعملية العسكرية والتغاضي عن الهدف الحقيقي لها.

النقاش ضمن هذا الحيِّز لا يحتاج إلى أدلة وبراهين أو معطيات جديدة تثبت ذلك، إلا أن ما لا يمكن التغاضي عنه أو محاولة استيضاحه هو صمت النظام السوري تجاه العمليات والخطط العسكرية التي يقوم بتوليفتها النظام التركي وينفذها المرتزقة، ومن هنا فإن تقاطع المعادلات القائمة والمعطيات الحسية تشي للمتتبع والمهتم بالصراع السوري بتوافق ضمني للنظام السوري والتركي في عملية التغيير الديموغرافي في الشمال السوري رغم بعض التصريحات والتنديدات الخجولة أو ربما هي تنفيذ لاتفاقيات قديمة جديدة كانت قائمة بين جهات استخباراتية غير شرعية تم التوافق بينهما لاختلاق كيان هجين من الفاشيين المواليين للنظام الطوراني على كامل الشريط الحدودي لشمال سوريا وجنوب تركيا، ومما لا شك فيه أن ذلك سيصب في مصلحة البلدين حسب اعتقادهم إذ أن النظام السوري بجميع أبواقه والمطبلين والمزمرين له لا ينفكون عن اتهام الكرد السوريين بالانفصاليين كما أن النظام الفاشي التركي يتهمهم بالإرهابيين وسكان الجبال لا حقوق لهم ولا يحق لهم العيش بين الشعوب وهذا ينطبق تماماً على المسوغات والمبررات التي تقدمها تركيا للعالم وللنظام السوري في اجتماعاتهم المغلقة (تحت الطاولة) وهو ما يفسر اعتماد النظام السوري على التهديدات التركية للكرد السوريين والإدارة الذاتية في تسويق شروطه والضغط عليها ومماطلته في إيجاد حل سياسي بانتظار ما ستؤول إليه نتائج الغزو التركي والمسارات المشكوكة بها التي تطرحها روسيا على اعتبار أنها الضامن في هذه المرحلة الحساسة لكافة الأطراف.

زر الذهاب إلى الأعلى