PYDمانشيتمقالات

الجميع في انتظار نتائج الانتخابات التركية

بروين يوسف

لِما لهذه الانتخابات من تأثير مباشر على المتغيرات السياسية إقليمياً ودولياً، كون الموقع الجيواستراتيجي لتركيا جعل منها أن تلعب دوراً في عدة محاور وأقطاب بما في ذلك الملف السوري، حيث كان لها الدور الأكبر والمؤثر بشكل سلبي على إطالة الحرب والأزمة في سوريا وعدم سماحها إلى اليوم تطبيق المشروع الديمقراطي للمنطقة الذي كان سيجلب الأمن والسلام لسوريا والمنطقة بأكملها، بل على العكس أمدّت الجماعات المتطرفة بالدعم اللوجيستي وبالعتاد والعدة وسمحت لهم بالعبور من أبوابها إلى المنطقة، وبعد دحر داعش من قبل قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في آخر معاقله في منطقة الباغوز غيّرت الدولة التركية سياستها من حرب الوكالات إلى التدخل العسكري المباشر انتقاماً لداعش لتدخل في حرب عسكرية في “عفرين وتل أبيض وسري كانية” إضافة إلى ما تحتله من مناطق أخرى في الشمال السوري من جرابلس وإعزاز والباب وإدلب بجماعات متطرفة والتي تندرج عدة من تلك الجماعات تحت قوائم الإرهاب ولتحقق من خلال تلك الجماعات ما لم يتحقق عن طريق داعش ولكن هذه المرة بطرق أخرى وبأسلحة الناتو وتحت ذريعة حماية أمنها القومي، إلا أن الجميع يعلم ومدرك حقيقة الأطماع التوسعية للدولة التركية في امتداد نفوذها ولإحياء أمجادها العثمانية إلى كركوك والموصل وخاصة مع مئوية الإعلان عن الجمهورية التركية وما يدعيه أردوغان منقذ الإسلام ويستخدم الإسلام السياسي للتأثير على الفئة الدينية والعربية والاسلامية ليجعل من ذلك أداة لكثرة نفوذه واستخدامهم في حربه التوسعية وضرب كل المكونات والأقوام والشعوب والأديان تحت مسمى الدين، وهذا ما رأيناه في تاريخ إنشاء الدولة التركية التي أقامت أسسها على إبادة كل الشعوب من السريان والأرمن والآشور والكرد، واليوم أيضاً في الداخل التركي يعمل على إبادة وصهر القوميات واعتقال المعارضين، وكذلك في سوريا ما تقوم به الجماعات المرتبطة بأردوغان من إبادة وانتهاكات وصهر في المناطق الخاضعة لهم وما يقومون به من سياسة التتريك ورفع الأعلام التركية وكذلك التغيير الديمغرافي وإنشاء المستوطنات التي تعد أخطر مشروع وذلك بإرسال لاجئين من مناطق أخرى من سوريا واستغنام ممتلكات أشخاص آخرين وذلك لافتعال الفتنة واقتتال الشعب السوري بين بعضه البعض، وكذلك دعم فصائل المعارضة وتشويه أهداف الثورة وتغييرها من مسارها الحقيقي في بناء سوريا الديمقراطية وإحلال السلام والعيش المشترك وتحولها إلى ثورة النهب والقتل وجرِّ السوريين حسب مصالحه والزج بهم في حروبه، وهذا ما رأيناه في ليبيا وناغورنو كاراباخ وغيرها من الصراعات في المنطقة حيث تحولت هذه الفصائل إلى جيوش مأجورة لا تخدم سوى مصالح حزب العدالة والتنمية بل حتى الحرب التي كان لأردوغان الدور الأكبر فيها وفتح مصراعيه لاستقبال اللاجئين السوريين ما كان ذلك إلا لاستخدام السوريين كورقة ضغط على الدول الأوربية والعالمية وجعلهم أداة من أجل التدخل المباشر في الملف السوري وحتى في الكثير من الأحيان هدد الدول الأوربية بإرسال جماعات متطرفة إليهم ليسكتهم في حال عارضوا سياسته القذرة.

ففي بداية الثورة اتبع أردوغان سياسة احتواء المعارضة وجعلهم أدوات لتحقيق مآربه واستخدم جميع منابره لمحاربة الأسد ونَعَتَه علناً بأنه قاتل ودكتاتور، إلا أنه بعد أن فشل عبر حربه وجماعاته في تصفية مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية غيّر وجهته وباع المعارضة والتفت إلى التطبيع مع الأسد وتفاوض على كيفية التخلص من هذه المعارضة.

إن حكومة العدالة والتنمية مستعدة للتفاوض غير المشروط وتقديم التنازلات عن مبادئها، وهذا ما يثبت بالدليل القاطع أن هذه الحكومة لا تملك أي مبدأ أو أي سياسة أخلاقية، لذا كيف تشرعن لنفسها اجتياح أرض غير أرضها واحتلالها ــ الهدف الحقيقي هو إعادة تطبيق بنود الميثاق المللي في المنطقة حيث يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعادة أمجاد الدولة العثمانية التي تقلدت هزيمة قاسية في الحرب العالمية الأولى أجبرتها على توقيع هدنة “مودروس” مع الحلفاء في عام 1918، ووقع الأتراك اتفاق يسمى “الميثاق المللي”، وهو الاتفاق الموقع في 28 فبراير عام 1920 إثر هزيمة السلطة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وسقوط معظم أراضيها في يد الحلفاء ــ فكانت الحجة هي المنطقة الآمنة على حدوده مع سوريا والعراق وهذه الأطماع خلّفت في المنطقة حروب وكوارث وعدم استقرار، ولا ننسى الوضع الذي يعانيه الشعب في تركيا فسياساته العدائية تجاه الكرد وشعوب المنطقة وتكاليف حربه أودى بالبلاد إلى أزمة اقتصادية والغلاء وانتشار البطالة.

هنا يجب أن نعلم بأن سياسة أردوغان الداخلية والخارجية والتي كانت تُدعى بــ “صفر مشكلات” تحولت إلى هَرَمٍ من المشكلات ومحور الأزمات، لذلك تأتي أهمية هذه الانتخابات لأن كل ما تم سرده يتطلب مرحلة جديدة وحكومة جديدة لتغيير الواقع إلى الأفضل لأن الدولة التركية تحتل مكانة هامة في السياسة العالمية، حيث نلاحظ تحالف عدة أحزاب في هذه الدورة الانتخابية معارضين لأردوغان وتتجه الأنظار إلى هذا التحالف المتمثل بفوز المرشح “كليجدار أوغلو” مقابل هزيمة أردوغان ليأتي للبلاد مرحلة جديدة وفتح علاقات جديدة وبالأخص فيما يتعلق بالقضية الكردية التي أصبحت ورقة مهمة في الشرق الأوسط وللحل ويجب التوافق عليها، بعيداً عن سياسة أردوغان العدائية للكرد وزج الآلاف من السياسيين والنشطاء في السجون ونشر الشوفينية والعنصرية بين الشعب التركي وسيطرته على السلطة القضائية وتغييره القوانين لتخدم مصالحه.

أيام قليلة تفصلنا على مرحلة جديدة وفاصلة ومصيرية، لذلك ندعو جميع الشعوب في تركيا وباكور (شمال) كردستان للوقوف في وجه هذا الطاغي وأطماعه العدائية، فنجاحه يعني استمرار القتل والعداء واستمرار العنصرية وتكرار الأزمات.

زر الذهاب إلى الأعلى