مقالات

الجثة الكردية التي تخلّت عن نفسها

مصطفى عبدو

الحقيقة التي لا يجب أن تصدمنا هي أن ما نعيشه هذه الأيام من تطورات وتحولات سياسية فرضت نفسها على الواقع الكردي، ليس جديداً ولا فجائياً، إنما كان مساراً منظماً ومبرمجاً لأعداء الكرد التقليديين (الأنظمة التركية المتعاقبة) والتي حاولت دوماً إبادة الكرد تأسيساً على حبك مختلف الأساليب التآمرية الهادفة إلى تصفية الشعب الكردي وخططت لصهر وإبادة كافة الثقافات المجتمعية المنضوية في حدودها.

فمن الأنسب والأنجع والأسهل اليوم أن نقرأ الواقع الكردي ضمن أبعاد وسياقات مختلفة، ولدى تقييمنا لجميع تلك الأبعاد فأنه يتعين علينا وضع التشابه القائم بين جميع شعوب الشرق الأوسط بالحسبان وبعناية فائقة نظراً لحالة التقسيم والصهر والخروج من الكينونة التي تسود جميع شعوب الشرق الأوسط.

 إن حالة الاختلاف الكردي تعكس تراجع الوعي بخطورة المشاريع المعادية، وتحجر مواقف البعض, وسقوط الأقنعة عن وجوه البعض ممن أرادوا إرضاء الآخرين على حساب المبادئ والثوابت, حتى أصبحوا في وادٍ والشعارات التي كانوا ينادون بها في وادٍ آخر…

حاجتنا كانت لمن يعرف كيف يقرأ اتجاه البوصلة، ويستطيع أن يقدم خارطة طريق صحيحة ومقنعة للجماهير بدلاً عن خريطة أردوغان أو خريطة الحريري وها نحن ذا قد وجدناه فماذا ننتظر؟

لاشك إنّ هناك في كلّ مجتمع طائفة لا تزال تعيش على الأحلام ولا تعي أن الظروف قد تحولت؛ فتدني مستواها الفكري أعجزها عن رؤية المهمة الوطنية وأفقدتها المبادرة, وتحولت إلى جثة هامدة  بتخليها عن شعبها, وبناءً عليه وجبت عليها أن تستيقظ لترى ما آلت إليه الأمور, فقد بلغ اليوم واقع الشعب الكردي أعلى مستويات الوعي لأول مرة في التاريخ، وبات يدرك ذاته ويعيها بتخطي كينونته المنحصرة في مجموعة نخبوية أو حزب ضيق, فالجسم الرئيسي للواقع شعباً وأمة قد بلغ مرحلة وعي الواقع وإدراكه.

والحركة الكردية المتصاعدة في شمال وشرقي سوريا, ورغم العديد من الأخطاء والنواقص ارتقت بالوجود الكردي إلى مستوى مهم، وطالت تداعيات المستجدات البارزة في هذه المنحى الأجزاء الأخرى من كردستان والعالم.

 إن المشهد خطير، والحل ما زال في متناولنا ولم نفقد المبادرة بعد… ونجاح الكرد واستمرار مكتسباتهم اليوم تكمن في وحدة صفوفهم، فوحدة الصف هي الحاسمة وخيبة الكرد في تشتتهم وتعدد راياتهم، وهذه الأيام في تاريخ الكرد هي الأوضح وهي الحاسمة فلنحدد موقفنا…

بصراحة, أغلب مشقات الواقع الكردي تنبع من الكرد أنفسهم, فالكرد ليسوا واقعاً اجتماعيا قضاياه شديدة الوطأة بل وتنتصب المشقات في موضوع تعريفهم كوجود أيضاً, فكان الكرد موضوع جدل وسجال على مدى التاريخ ومع ذلك حافظوا على ميزاتهم الاجتماعية في وقت كانوا  يواجهون التصفية والإبادة وفي كل مرة حاولوا فيها التحول إلى مجتمع سياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى