تقاريرمانشيت

الجالية الكردية عندما ترسخ انتمائها للوطن

دفعت السياسات الشوفينية للأنظمة الجائرة الحاكمة الجاثمة على رقاب الشعوب إلى هجرة الآلاف من أبناء الشعب الكردي إلى خارج البلاد خاصة باتجاه لبنان وأوروبا وتزايدت هذه الهجرة شيئاً فشيئاً مع بداية تطبيق سياسة الحزام العربي حول المناطق الكردية في سوريا عام 1973 فازدادت الضغوط عليهم ودفعت بعدد منهم إلى البحث عن موطن آخر، فبلغ عدد أفراد الجالية الكردية عام 1996 في أوروبا الغربية وحدها ما يقارب 800 ألف شخص، وتأتي ألمانيا على رأس الدول التي يجتمع   فيها هؤلاء اللاجئون ثم فرنسا، وهولندا في المرتبة الثالثة بينما تأتي السويد والنمسا وسويسرا وبريطانيا وبلجيكا والدنمارك في المرتبة الرابعة من حيث أعداد أبناء الجالية الكردية المتواجدون على أرض هذه البلدان، وكان من الطبيعي أن تطرأ زيادة كبيرة على أعدادهم مع بدء الأزمة السورية وما سمي بالربيع العربي وتضاعفت أعداد اللاجئين على خلفية تبعات هذه الأزمة الكارثية على عموم المكونات.

حسب اعتقاد هؤلاء المهاجرين أن في أوروبا يتمتع الشخص بالحرية الكاملة والعيش برفاهية وربما هذا ما أدى إلى فتح المجال الواسع للهجرة، منذ اندلاع الثورة السورية في 15 آذار 2011 بدأ النزوح من عموم سوريا إلى دول الجوار مثل تركيا وباشور كردستان والأردن ولبنان وأنشِئت هناك مخيمات استقطبت ملايين السوريين بينهم الكرد وبدأت الهجرة والنزوح يزداد رويداً رويداً مع مرور الوقت وعسكرة الثورة ليزداد أضعاف مضاعفة عن ذي قبل وكان دخول أغلب هؤلاء إلى الدول الأوربية عبر تركيا التي لطالما اتخذت من ملف اللاجئين ورقة رابحة بيدها تهدد بها الاتحاد الاوربي.

بالنسبة للكرد الموجودين سابقاً وحالياً في أوربا ونشاطاتهم وفعاليتهم تجاه القضية الكردية قبل الأزمة السورية وبعدها نقول: إن امتداد الثورة السورية إلى مناطق روج آفا ودخول التنظيمات الإرهابية إلى مناطق عديدة ومواجهة وحدات حماية الشعب والمرأة (YPG-YPJ) لها ودحرها ومن ثم قوات سوريا الديمقراطية (QSD)التي هزمت أقوى وأشرس تنظيم إرهابي داعشي، فهل المقاومة والنضال يقع على عاتق الذين بقوا ليلقوا مصيرهم أمام أعنف وأشرس تنظيم إرهابي وأمام ألد أعداء الكرد وهو أردوغان الذي يحارب الكرد أينما كانوا؟ أم أن الانتماء للوطن ازداد أكثر لا سيما خلال الغزو البربري على مدينة عفرين؟ وما يقال عنهم بأنهم شطار كلام في إطلاق الشعارات الرنانة تجاه ما كان يبديه أهلنا من مقاومة ونضال ودماء الشهداء التي قدمت في سبيل هذه القضية العادلة؟ لذا كانت النظرة لهؤلاء اللاجئين كتالي (إنهم فضلوا الهروب من المواجهة والحياة بترف على أرض الأحلام أوربا لجني المال ومآرب أخرى) فحين بدأ الغزو الداعشي على مدينة كوباني  بدأت الجاليات الكردية في الدول الأوربية بتضامنها مع كوباني من خلال تصعيد حراكها الجماهيري والسياسي والدبلوماسي عبر الاحتجاجات والمسيرات والاعتصامات أمام البرلمانات والهيئات وعواصم وشوارع البلدان الأوربية رافعة شعارات منددة بالغزو الهمجي على قرى ونواحي كوباني، وهذا ما حصل أيضاً عندما بدأ الهجوم التركي البربري الوحشي على مدينة عفرين الآمنة.

لم تقف الجالية الكردية مكتوفة الأيدي أمام جرائم أردوغان ومرتزقته وأعوانه ضد شعب عفرين وكان الاستنكار والتنديد واضحاً من خلال الاعتصامات والتظاهرات والمسيرات التي قام بها أبناء الجالية الكردية والجهود التي بذلت لإيصال صوت أهالي عفرين إلى الدول الأوروبية والتدخل لوقف القصف التركي الفاشي على المدنيين العزل في مقاطعة عفرين، لهذا كان لصحيفة الاتحاد الديمقراطي لقاءات مع بعض الذين شاركوا في هذه النشاطات والمسيرات تضامناً مع أهلنا في عفرين أبرزهم:

الديمقراطية داخل الدول الأوربية شيء وخارجها شيء أخر

نواف خليل مدير المركز الكردي للدراسات في أوروبا

مع تصاعد التهديدات التركية باحتلال عفرين بدأت الاستعدادات هنا تأخذ منحى آخر خاصة على صعيد مكاتب العلاقات التابعة للإدارة الذاتية التي عملت بما يتوفر لديها من إمكاناتها البشرية وعلاقاتها وفق حراك جماهيري ودبلوماسي واسع وظهور حالة استنكار واضحة لدى الكرد وتضامن غير مسبوق والوقوف في وجه العدوان التركي.

ربما كان هناك تجاوب متباين ومختلف من دولة لأخرى مثلاً كان الموقف الفرنسي أفضل من بين كل الدول الأوربية ومتعاطف مع أهلنا في عفرين فيما كانت هناك دول تبيع السلاح لتركيا بكل أسف كدولة ألمانيا هذه الدولة التي عانت من ويلات الحروب وحكوماتها كانت السبب في نشوب الحربين العالميتين فحكومة هتلر التي قتلت الملايين من اليهود كذلك الحكومات الألمانية كانت متفرجة على إبادة الأرمن بل ودعمت الحكومة التركية طيلة العهود السابقة في تدمير الآلاف من القرى من خلال بيع الأسلحة لتركيا ولاتزال.

رغم كل الضجة الإعلامية والحرب الكلامية العلاقات مازالت جيدة بين الدولتين والمقصود من هذا أن هناك دول كألمانيا لها موقف سلبي وسيء بدعمها لتركيا كما كانت دول أخرى تحاول أن تضع حداً للعدوان التركي ولكنها لم تنجح في ظل التواطؤ الروسي والصمت الأمريكي الذي يثير الاستغراب وطرح العديد من الأسئلة، بالتأكيد علينا أن نقرأ الواقع كما هو فإذا سئل أي إنسان كان كردي أم عربي أو سرياني في أي مدينة من مدن روج آفا وشمال سوريا بكل سهولة يقول إن الدول مصالح وهذه المصالح بالتأكيد تتعارض مع حقوق الإنسان، الديمقراطية داخل الدول الأوربية شيء وخارجها شيء آخر هم يدركون ما تقوم به تركيا، إذا كانت الدراسة الصادرة عن قسم الدراسات العلمية في البرلمان الألماني وفق المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة ليس لتركيا الحق في أن تهاجم عفرين في البرلمان وخلصت الدراسة أن إطلاق الصواريخ المزعومة باتجاه تركيا لم يكن لها أثر حتى في الصحافة التركية نفسها، البرلمان الألماني لم يكن بحاجة إلى جهد دبلوماسي كي يتم إقناعهم بأن تركيا تغزو منطقة آمنة تستضيف مئات الآلاف من النازحين السوريين، ليس هذا فحسب بل إن أحد الخبراء الألمان قال حرفياً أن تركيا تهاجم أنجع الأسلحة ضد داعش في إشارة إلى وحدات حماية الشعب والمرأة وقوات سوريا الديمقراطية فعلى الكرد الحذر والحيطة أكثر وباعتقادي يجب أن نقتدي بالتجربة (قبل كوباني وما بعد كوباني) ويجب أن يكون هناك قبل عفرين وما بعد عفرين كما يجب قراءة التطورات لحظة بلحظة، ما الذي لم يكن يتوقعه الكرد وحلفائهم في قوات سوريا الديمقراطية، كيف تمكنت تركيا من تحييد المواقف الدولية والتوافق مع الجانب الروسي فيما يتعلق بغزو عفرين، الكثير من الأسئلة تطرح نفسها لكن السؤال الأهم كيف يمكن للإدارة الذاتية وكذلك حزب الاتحاد الديمقراطي من إعادة هيكلة الجسم الدبلوماسي والإعلامي والبدء بمرحلة أخرى ترتقي سوية مع المرحلة الثانية من مقاومة العصر في عفرين لكسب المزيد من الرأي العام الذي يمكن أن يكون ضاغطاً على الحكومات الأوربية التي لا تبحث سوى عن مصالحها بشكل سيء جداً إذاً هناك الكثير الذي يمكن للجالية الكردية تفعيله إبان الحرب على عفرين (المظاهرات الاعتصامات) ومختلف أشكال التظاهر والمسيرات وبالتأكيد كل المشاركين فيها يستحقون الشكر لكن الشكل الذي يتم فيه تنظيم تلك النشاطات لم يكن مؤثراً على صناع القرار في الدول الأوربية وهؤلاء صعب أن يتأثروا ولكن على الناس في الدول الأوربية هذه مسألة جدية؛ كما يجب إعادة النظر فيها بالتوازي مع هيكلة جديدة لبناء جسم دبلوماسي قوي وفاعل يكون فيه مختصين من مختلف المجالات ومتمكنين يستطيعون مخاطبة الشعوب الأوربية التي تستطيع أن تؤثر كثيراً على حكوماتها لأنها تنتخب من قبل هذه الشعوب وبالتالي هي تخشى شعوبها إلى حد كبير.

القضية الكردية عادلة ويعلمها الجميع ولكنهم يصمون أذانهم ويغلقون أعينهم

أديب ومهاجر كردي- فضل عدم ذكر اسمه: خلال تجربتي القصيرة في أوروبا لاحظت بأن الجالية الكردية لم تقم بالدور المطلوب مقارنة مع الجاليات الأخرى ومع الظروف والأجواء التي أتيحت لها ولكن من جهة أخرى لا يمكننا إنكار وتجاهل دورها بالمطلق فقد لاحظت بأنها قامت بتشكيل جمعيات ومنتديات ثقافية واجتماعية في كل منطقة يتواجد فيها عدد مقبول من الكرد حيث تقوم بتقديم المساعدات وتقديم الإرشادات والنصائح للقادمين الجدد للتعرف على قوانين هذه المجتمعات والاندماج فيها وكذلك توجيهها ومن أهم إنجازات الجالية الكردية أيضاً الحفاظ على الهوية الكردية لأبنائها من خلال النشاطات التي تقوم بها هذه الجمعيات كإحياء عيد النوروز في كل عام وكذلك إقامة دورات تعلم اللغة الكردية للأطفال ودورات تعلم العزف على الآلات الموسيقية كالبزق والطنبور وكذلك إقامة أمسيات وملتقيات للعوائل الكردية في المهجر لكي تتعرف على بعضها البعض وتتبادل فيما بينها الخبرات والتجارب وكذلك تقوم أيضاً بتقديم الدعم المالي والمحدود ضمن إمكاناتها المتاحة من خلال جمع التبرعات خلال بعض نشاطات الجالية الكردية أيضاً تقوم بتنظيم الاحتجاجات والمسيرات الموالية والمنددة عندما تتطلب الظروف ذلك وتحاول أن تعرّف العالم بعدالة القضية الكردية وكسب تعاطفهم ودعمهم إلى جانب الكرد وفي النهاية أود أن أقول رأيي الشخصي: إن القضية الكردية قضية عادلة ويعلم الجميع بذلك الشرق والغرب ومن في الداخل والخارج ولكنهم يصمون آذانهم ويغلقون أعينهم ويتجاهلون ذلك لأنهم لا يريدون أن يروا هذا الشعب المظلوم والمضطهد حراً أو أن يكون له كياناً وإنما يستخدمونه دوماً لخدمة مصالحهم وتنفيذ أجنداتهم في المنطقة فقط عند اللزوم أي بمعنى نحن وقود لثوراتهم.

خبات شاكر عضو المجلس العام لحزب الاتّحاد الدّيمقراطي PYD في أوروبا:

عن الدّور الّذي تقوم به الجّالية الكرديّة في أوروبا منذ بداية ربيع الشّعوب في سوريا أوضح قائلاً:

بدأنا كجالية كرديّة في أوروبا بالقيام بدورٍ رئيسيٍّ من أجل التّعريف بثورة روج آفا, ومنذ أحداث سري كانيه وشنكال والمجازر الّتي حصلت في تل عران وتل حاصل وبناء جدار العار على الحدود بين روج آفا وشمال كردستان وحتّى احتلال إقليم عفرين من قبل الدّولة التّركيّة لم تتوقف الجّالية الكرديّة عن المظاهرات في عموم أوروبا, وعلى أبواب المؤسّسات الرّسميّة والمدنيّة وذلك من أجل طرح مفهوم ثورة روج آفا وفضح الممارسات الّتي تقوم بها الدّولة التّركيّة ومجموعات المرتزقة المرتبطة بها, كذلك قمنا بوقفات احتجاجيّة أمام مقرّات المنظّمات الدّوليّة إلى جانب الإضراب عن الطّعام وذلك من أجل إيصال صوت الشّعب الكردي وثورة روج آفا وشمال سوريا إلى الرأي العام العالمي, كذلك لم نتوقّف عن الفعّاليّات والنّشاطات في المجال الدّبلوماسي وخاصّةً مع المجتمع الأوروبّي.

مع مرور الزمن تقدمنا بالعمل الدبلوماسي على الصعيد الرسمي فالأبواب التي كانت مغلقة أمامنا حتى فترة وجيزة  تمكنا من فتحها وذلك بفضل ثورة روج آفا لفتح هذه الأبواب وفي المقدمة القوى المجتمعية في روج آفا وأوروبا تم تنظيمها والقوى العسكرية التي كانت تكبر يوماَ بعد يوم ككرة ثلجية أصبحت محط احترام عند العديد من القوى ولعب تنظيم المرأة دوراَ رئيسياَ ومؤثراَ على الرأي العام العالمي.

أما بالنسبة لتنظيم الجالية الكردية في أوربا فقد تم تأسيس العديد من النوادي والمؤسسات التي أصبحت مركزاَ للمجتمع ولعبت دوراَ هاماَ في حل العديد من قضايا المجتمع الكردي وتنظيمه في أوربا إلى جانب حماية الثقافة الكردية وفي هذا المجال أحيينا العديد من الفعاليات الثقافية كالمهرجانات والاحتفالات تحت مظلة هذه النوادي وكانت تعطي دورات للغة والفلكلور والموسيقا أما في المجال الإعلامي فقد استطاعت الجالية الكردية أن توسم بصمتها في فتح العديد من محطات قنوات التلفزة والراديو والجرائد والمجلات والمواقع الالكترونية وعلينا أن لا ننسى بأن أول قناة تلفزيونية كردية قد افتتحت في أوروبا عام 1995 والتي أصبحت قاعدة وأساسً للقنوات الكردية التي لحقتها فيما بعد وقد تخرج منها المئات من الكوادر الإعلامية أما في مجال التثقيف فقد أصدر العديد من الكتاب كتبهم في أوربا أمثال محمد أوزون، أحمد الحسيني وحليم يوسف والعديد من الكتاب، إلى جانب ما قدمته الجالية الكردية من مساعدات مالية لثورة روج آفا خلال ثماني سنوات لا يمكن أن ننساها فقد سُيِّرت ونظمت عشرات الحملات من أجل الدعم وجمع التبرعات من أجل تقديمها للضحايا وللثورة في روج آفا وشنكال كما أن الجالية الكردية قامت بعدة زيارات إلى روج آفا والعديد منهم أقاموا مشاريع صغيرة وكبيرة في روج آفا كذلك من أجل تقديم الدعم والمساعدة قامت الوفود الأوربية بالتوجه إلى روج آفا الذين انضموا إلى القوى العسكرية ولعبوا دوراً إيجابيا في تطوير الثورة وكنتيجة  للجالية الكردية في أوربا من دور لا يقل عما يقوم به شعب روج آفا على أرضه.

وبالتالي الأثنان يتممان بعضهم البعض ويعملان من أجل إعلاء شأن ثورة روج آفا والمثال الواضح أمامنا ما تقوم به الجالية الكردية على مدار ثلاثة أشهر من أجل مساعدة مقاومة العصر ووقفتهم الصامدة وهم يستمرون بها إلى الآن.

تقرير: حسينة عنتر

زر الذهاب إلى الأعلى