تقاريرمانشيت

الثابت والمتغيّر في الأزمة السورية بعد تسع سنوات من الحرب

تمهيد

تسع سنوات من حرب طاحنة في سوريا، لم تعد المسألة متعلقة بإزالة النظام الحاكم أو حتى تغييره، بقدر ما ترتبط المسألة بإدارة الصراع وتوجيهه وفق متطلبات كل مرحلة، البلاد تحولت إلى ساحة تتنافس عليها قوى خارجية ذات مصالح متناقضة، أجزاء من البلاد احتلت واقتطعت وتجري عليها عملية تغيير ديمغرافي ممنهج، معارك دامية مستمرة وأخرى تنتظر دورها في الاشتعال وحالة سياسية مستعصية بين الفرقاء، بلد على وشك الانهيار، أطراف تسعى للحل والحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من ما تبقى من سوريا سكانيها يديرون أمرهم بعد أن أبعدوا شبح الإرهاب عن مناطقهم وأخرون جعلوا من مناطقهم مرتعاً للإرهابيين وذلك في رهانهم الخاسر على نظامٍ خارجي استغل السوريين والأزمة السورية بأبشع طريقة عرفها التاريخ، والنظام لا يزال يغرد على انتصارات حققها الأخرون الذين وجدوا في الأزمة الهالكة ساحة لتصفية حسابات قديمة وعرضٍ للعضلات في منافسة كونية جديدة ساحتها سوريا.

النزاع دخل عامه التاسع مع حصيلة تخطت 360 ألف قتيل ودمار تقدر كلفته بـ400 مليار دولار، مع أكثر من ثماني ملايين نازح في الداخل والخارج حسب المصادر التي ترصد الواقع السوري عن قرب.

هذا ناهيك عن الحالة المأساوية التي وصل إليها المواطن السوري في الداخل.

 على الميدان تسيطر روسيا والنظام السوري والمجموعات الإيرانية على أكثر 60% من البلاد. بينما تسيطر قوات سوريا الديمقراطية على ما يقارب 25 % من البلاد، مع وجود قواعد أمريكية في العديد من مناطق شمال شرق البلاد، وتحتل تركيا والمجموعات الارهابية المرتزقة المحسوبة على جماعة إخوان المسلمين المرتبطين بتركيا على ما يقارب 15% من البلاد.

 في ظل حالة الانقسام الحاصل وفي ظل المشهد الراهن ونحن ندخل عاماً جديداً للمأساة السورية يبدو إن لا حل في الأفق القريب بالرغم من بعض المؤشرات التي تطلعنا عليها بعض مراكز القرار الدولية.

لكن الثابت في المشهد هو بقاء القوى الدولية والإقليمية على الأرض السورية وفق الصورة الحالية مع تبادل للأدوار، الحل العسكري لا يزال طاغياً على المشهد، والسياسي في أفقٍ مسدود. الثابت الأخر هو إن نموذج شمال شرقي سوريا هو الأنسب في أي غلبة للمشهد السياسي وفي حال التفات القوى الدولية على الداخل السوري من باب حل الأزمة سياسياً وهذا ينصب تماماً في سياسية الإدارة الذاتية التي تتحاصر يوماً بعد يوم أمام التمدد التركي المدعوم روسياً وأمريكياً وايرانياً.

أما “المعارضة” الاسلاموية القوموية فقد انتهت وهي الآن أداة وظيفية شكلية تتلاعب بها تركيا كورقة للحفاظ على المناطق التي احتلتها من سوريا.

الثابت إن الإدارة الذاتية الديمقراطية هي الأمل في بقاء سوريا موحدة وهي مشروع سوريا المستقبل لكن بأي صورة…؟. المتغيّر هو إن النظام سيضطر إلى الجلوس والتنازل وفتح أبواب الحوار.

ليبقى السؤال الأهم والثابت لماذا الإدارة الذاتية الديمقراطية…؟ 

شهدت شمال سوريا قبل حوالي خمس أعوام من الآن ولادة نظام سياسي فريداً من نوعه ليس في سوريا وحدها وإنما على مستوى عموم الشرق الأوسط، النظام الذي طفى على مشهد الأزمة السورية وأصبح مثار جدل لقوى وأنظمة محلية وإقليمية ودولية استطاع العاملون عليه تطويره ذاتياً على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية والمجتمعية وترسيخ المبادئ التي تم إقرارها في عقده الاجتماعي على أرض الواقع وسط معمعان ومآلات الصراع الذي اجتاح سوريا والمنطقة، هذه المبرهنة التي أثبتت إنها تصلح لكل مكانٍ وزمان جاءت نتيجة استقراءٍ صحيح لحقيقة واقعية وهي إن نموذج الدولة المركزية وسلطة الرجل الواحد أو الحزب الواحد هي السبب الأساس في كل الأزمات التي عصفت وتعصف بالمنطقة، كما إن التعدد والتنوع يفرض واقعاً سياسياً مغايراً عما عرفته الشرق الأوسط طيلة السنين السابقة. وهنا نحن لسنا بصدد التعريف بالإدارة الذاتية الديمقراطية أو الترويج لها فالواقع هو الذي يدفع بهذا النموذج الديمقراطي في جوهره.

قبل خمس سنوات وبالتحديد في 21 كانون الثاني 2014 أُعلن عن تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم الجزيرة ثم امتد هذا النموذج إلى باقي المناطق الأخرى والتي حررت من التنظيمات الإرهابية ليشارك أبنائها في تأسيس وتشكيل إدارتهم.

القوى والأحزاب والشخصيات البارزة وفعاليات مجتمعية ومؤسسات مدنية اجتمعت في إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية؛ مُقرّين خلال اجتماعهم عن عقد اجتماعي ناظم لأسس العلاقة ما بين تكوينات المجتمع القومية الاثنية والدينية في مناطق روج آفا وشمال سوريا وشرقها، محافظة من خلالها على مؤسسات الدولة الوطنية الموجودة، وبمثابة قرار جمعي لمنع أي اعتداء على الشعب وعلى إرادته، وبداية تم من خلالها بناء مئات المؤسسات والمجالس والكومينات في القرى والأحياء والمدن. وكإحدى أهم النتائج تأسيس مستوى متقدم في الحماية الذاتية بدأت بالآسايش ووحدات حماية الشعب والمرأة لتتشكل قوات سوريا الديمقراطية في10 اكتوبر 2015 تضم تحت مظلتها مجالس عسكرية مهمتها الدفاع عن شعب وجغرافية المنطقة والحفاظ على حياتهم ضد الهجمات الإرهابية وضد كل قوة معتدية تستهدف أمن وأمان المنطقة، وهذه القوة تطورت بما فيها الكفاية، كونها خاضت معارك ضد الإرهاب وكل القوى المعادية.

و للتذكير فقد جاء في نص ميثاق العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية:

نحن شعوب مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية من كرد وعرب وسريان (الآشوريين الكلدانيين الآراميين)، ومن تركمان وأرمن، وبإرادتنا الحرة نعلن هذا العقد لتحقيق العدالة والحرية والديمقراطية وفق مبدأ الأخوة والمساواة بين الشعوب دون تمييز على أساس العرق أو الدين أو العقيدة أو المذهب أو الجنس، بهدف البلوغ بالنسيج السياسي والأخلاقي للمجتمع الديمقراطي إلى وظيفته المتمثلة بالتفاهم المتبادل والعيش المشترك ضمن التعددية، واحترام مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وضمان حقوق المرأة و الطفل، وتأمين الحماية الذاتية والدفاع المشروع، واحترام حرية الدين والمعتقد.

إن مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية لا تقبل مفهوم الدولة القوموية والعسكرية والدينية، والمركزية في الإدارة والحكم المركزي ومنفتحة على أشكال التوافق مع تقاليد الديمقراطية والتعددية، لتستطيع جميع المجموعات الاجتماعية والهويات الثقافية والأثنية والوطنية أن تعبر عن ذاتها من خلال مؤسساتها المدنية، واحترام الحدود السورية ومواثيق حقوق الإنسان والحفاظ على السلم الأهلي والعالمي.

وتحقيقاً لمبادئ ميثاق العقد الاجتماعي، وبناء المجتمع الديمقراطي من خلال الإدارة الذاتية الضامنة للعدالة الاجتماعية، وإقامة مجتمع متمدن، فقد توحدت أهداف كل مكونات مجتمع الإدارة الذاتية الديمقراطية، من كرد وعرب وسريان وأرمن وغيرهم على أساس قاعدة الوحدة في التنوع، واتفقت مع إرادة بقية مكونات الشعب السوري لتكون مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية ضمن سوريا التعددية الديمقراطية كنظام سياسي وإداري للمجتمع وتجسيداً لهذه الإرادة وتحقيقاً لهذه الأهداف، وضعنا وبينّا هذا العقد.

ويأتي تشكيل الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا استناداً إلى القرار المتخذ في المؤتمر الثالث لمجلس سوريا الديمقراطي الذي عقد في 16 تموز عام 2018 م وأن تشكيل الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا هو مشروع طرحه مجلس سوريا الديمقراطي في مؤتمره الثالث الذي عقد بتاريخ 16/7/2018 م في مدينة الطبقة وتمت المصادقة عليه من قبل المكونات السياسية وممثلين عن المجتمع المدني وعن العشائر في عموم المنطقة.

وقد تم تشكيل هيكل إداري ينسِّق الخدمات فيما بين المناطق المحرَّرة والإدارات الذاتية الديمقراطية في بقية مناطق الشمال السوري, في المؤتمر الأخير لمجلس سوريا الديمقراطية الذي عقد في عين عيسى في النصف الثاني من عام 2018 حيث صادق المؤتمر على هذا القرار بموافقة كافة المؤتمرين.

وعلى هذا الأساس عقدت اللجنة التحضيرية للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بتاريخ 6-9-2018 اجتماعاً ضم 70 عضواً من مختلف الإدارات في شمال وشرق سوريا والبالغ عددها سبعة إدارات في مقر مجلس سوريا الديمقراطية بعين عيسى.

هذا وقد حضر الاجتماع رؤساء المجالس المحلية في كل من ”الرقة, والطبقة, ومنبج, ودير الزور, وممثلون عن الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليمي “الجزيرة – عفرين, وممثلون عن قوات سوريا الديمقراطية وفعاليات مدنية وقوى وطنية.

— الهدف والرؤية:

–  إيجاد أرضية لتكامل الاجتماعي والاقتصادي

–  توفير الأمن والاستقرار

– توفير التعليم والصحة والخدمات العامة

– إعادة الإعمار وتأمين المسكن وتهيئة الظروف وعودة النازحين والمهجرين إلى أماكنهم

–  دعم المشاركة الفعالة لمجلس سوريا الديمقراطية في العملية السياسية السلمية لحل الأزمة السورية

–  العمل على صياغة دستور جديد للبلاد

الإدارة الذاتية منذُّ تأسيسها حاولت أن تدخر كل قدراتها وإمكاناتها في سبيل تحقيق مطالب مكونات شمال سوريا بكل أطيافهم دون أي تمييز واضعاً نصب عينها الحفاظ على النسيج الاجتماعي والجغرافية السورية موحدة.

واجه القائمون على مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية صعوبات وتحديات كبيرة خاصة وإن هذا النموذج تعرض لشتى أنواع التهديدات من قبل الأنظمة المركزية سواء من النظام السوري أو النظام التركي والذي يرى في هذا النموذج تهديداً لمصالحه السلطوية والاستعمارية لذلك ومنذ تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية وهي تتعرض لأعنف الهجمات من قبل الارهابيين والمجموعات الإرهابية ومن الأنظمة التي ترعى وتوظف هذه المجموعات.

 حيث تعرضت مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية لحصارٍ خانق من قبل الدول التركية من الشمال والمجموعات الإرهابية المرتزقة من الجهات الأخرى، لكن ورغم هذا الحصار الخانق خطى الشعب المتكاتف مع الإدارة الذاتية خطوات جدية في كافة مجالات الحياة واستطاعت أن المحافظة على لغتهم الأم، وفتح المجال أمام أبناء المقاطعة للعمل في مؤسساتهم وللانخراط في صفوف الوحدات المدافعة عن المقاطعة، ولا ننسى بأن العلاقات أيضاً بين المكونات الكرد العرب الأرمن والتركمان في المقاطعة أصبحت أفضل بكثير مما كانت عليه إبان حكم حزب البعث، فلم تخلو مؤسسات وهيئات الإدارة الذاتية من أبناء جميع هذه المكونات التي ذكرناها، وهذا بحد ذاته إنجاز لأول مرة يحصل في سوريا، ونذكر هنا أيضاً بأن هذه التجربة جعلت من المكونات في الشمال السوري أن يجلسوا ويتحاوروا على مستقبل الشعوب ومستقبل سوريا.

الإدارة الذاتية لإقليم عفرين وإقليم الفرات (كري سبي وكوباني)

  • كري سبي:

كان مرتزقة داعش يتخذون من كري سبي “تل أبيض” معقلاً اساسياً ومركزاً لشن الهجمات على شمال سوريا وخاصة الهجمات على سريه كانيه وكوباني، والبوابة الحدودية في تل أبيض كانت تستعمل لوصول كافة الملتحقين بمرتزقة داعش من العالم إلى شمال سوريا، بالإضافة إلى ذلك فإنها كانت تعتبر مركزاً للملتحقين الجدد بمرتزقة داعش ومقراً لتوزيع وفرز مهامهم أيضاً.

وبتاريخ 15 حزيران عام 2015 تم تحرير مدينة تل أبيض من مرتزقة داعش وبتاريخ 27/7/2015: عقد مجلس أعيان منطقة تل أبيض مؤتمره التأسيسي بعد عدة جلسات تمهيدية بحضور ممثلين عن كافة مكونات المدينة من كرد وعرب وتركمان وأرمن وممثلين عن ‹الإدارة الذاتية› في مقاطعة كوباني ومجلس الإخوة والسلم الأهلي من سري كانيه.

و بتاريخ 21/10/2015 انتهى اجتماع مجلس الأعيان في مدينة تل أبيض “كري سبي” بإعلان الإدارة الذاتية ومنح الثقة للرئيسين المشتركين للإدارة في المنطقة ورؤساء لجانها الـ 9.

وبناءً على التقسيم الاداري فقد تم دمج كلٍ من مقاطعتي كري سبي وكوباني ضمن إقليم واحد تحت مسمى إقليم الفرات.

  • إقليم عفرين:

تم الإعلان عن الإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعة عفرين” في 28/كانون الثاني/ 2014م بالتزامن مع باقي المقاطعات المحررة وتألفت الإدارة الذاتية في المقاطعة من المجلسين التشريعي والتنفيذي والقضائي أو المحكمة العليا، ومثلت فيه جميع المكونات، الأديان، الثقافات، المرأة والشبيبة.

واستطاعت الإدارة الذاتية الديمقراطية تدبير الخدمات وإدارة مختلف النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية والثقافية، والحفاظ على الأمن والاستقرار فيها بالمقارنة مع المناطق السورية الأخرى التي تحولت إلى ساحات قتل وتهجير.

في اقليم عفرين نَظَمت الإدارة الذاتية الديمقراطية المكونة من أبناء إقليم عفرين نفسها بنفسها وإدارة شؤونها وفق أسس الإدارة الذاتية الديمقراطية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الخدمية والأمن الداخلي والصحة والتعليم والدفاع والثقافة، وتوافدت إليها الآلاف من المهجرين والنازحين من المناطق السورية التي تعرضت مناطقها لمعارك مدمرة، وأصبحت ملاذ أمن لهم.

 لكن الموقع الجغرافي المنفصل عن مناطق الادارات الذاتية الأخرى وضعها ضمن حصار خانق مارسته الدولة التركية بالتعاون مع الفصائل الإرهابية المرتزقة، وبالرغم من كل أشكال التهديد والحصار فشل مرتزقة النظام التركي في السيطرة على عفرين إلا إن الدولة التركية وعبر توافقات دولية برز فيها الدور الروسي بشكل كبير اجتاحت بقواتها البرية والجوية إقليم عفرين واحتلتها في 18 أذار 2018 بعد مقاومة شرسة من سكانها دامت لـ52 يوماً، وكنتيجة موضوعية للعمل العدواني الذي قامت بها تركيا والمجموعات الإرهابية فقد هجر منها سكانها قسراً وتحت قوة السلاح والإرهاب ومن تبقى فيها تعرض لكل أشكال العنف والتعسف، ولتبدأ مرحلة جديدة من الابادة بحق سكان عفرين كما الحال في سري كانيه/رأس العين وكري سبي/تل أبيض التي احتلتها تركيا مؤخراً أيضاً ضمن توافقات دولية برزت فيها دور الولايات المتحدة وروسيا كقوة دولية تدير الصراع والأزمة والتقاسم في سوريا.

سكان عفرين كما سري كانيه وتل أبيض تعرضوا لأبشع الجرائم، كما إن هذه المناطق تتعرض لعمليات تغيير ديمغرافي ممنهجة من قبل الدولة التركية حيث قامت بتوطين عوائل المجموعات الارهابية المرتزقة المرتبطة بها في منازل ومزارع وقرى سكانها المهجرين.

الإدارة الذاتية الديمقراطية لم تستسلم لكل الضغوطات وبقيت بكل إرادتها محافظة على نهجها وقائمة على مهامها حيث وضعت كل إمكاناتها في خدمة النازحين من إقليم عفرين ومدينتي سري كانيه وكري سبي في المخيمات التي أقامتها الادارة في المناطق الآمنة، وقدمت لهم الخدمات المتوفرة، في وقتٍ خابت فيه المنظمات الدولية.

وبقية الإدارة الذاتية الديمقراطية في المناطق الأخرى وعبر مجالسها تنظم شؤونها وتديرها على أسس الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وللإشراف على كافة الأمور الخدمية التي تهم الأهالي وذلك عبر لجانه المتخصصة المعنية كلٌ بمهامها المختلفة.

ففي الرقة على سبيل المثال يعتبر المجلس المكون من أبناء المنطقة الجهة الوحيدة المخولة بموضوع العملية الإدارية في الرقة ويملك الصلاحيات في تغيير ما يراه مناسباً في كافة مفاصل العمل ضمن المؤسسات، وعلى هذا الأساس ومن مبدأ العمل من أجل البناء قفزت مدينة الرقة خطوات كبيرة على كافة الأصعدة وسط حالة من الأمن والأمان الذي يسهر عليه قوى الأمن الداخلي ومجلس المدينة.

الأمر كذلك في مدينة دير الزور التي تحررت من تنظيم داعش الإرهابي فبالتزامن مع عملية التحرير أُعلن عن تشكيل مجلس دير الزور المدني الذي هبَّ لتنظيم شؤون المدينة ونواحيها وقراها وتقديم الخدمات للسكان الذين عانوا الويلات قبل أن تتحرر وتنضم إلى جغرافية الإدارة الذاتية الديمقراطية هذه الجغرافية التي حاول التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتهم داعش إقامة دويلة ديكتاتورية لكن بصبغة دينية، لكنها فشلت في تحقيق ذلك.

ومع إدارة كان كل مدينة ومنطقة لأنفسهم ذاتياً، اجتمع ممثلو هذه الإدارات معاً لتشكيل إدارة مشتركة تستطيع تطوير الجانب الخدمي وتضع آلية تنسيق فيما بين كافة المجالس والإدارات الذاتية لتسيير أمور السكان في شمال وشرق سوريا، لذلك أعلن ممثلو شمال وشرق سوريا وبتاريخ 6 أيلول/سبتمبر عام 2018 عن تشكيل الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.

لم تشكل شعوب ومكونات شمال وشرق سوريا معاً إدارة ذاتية فقط، بل إنها شكلت أيضاً قوة عسكرية مشتركة اعتماداً على التجربة الناجحة للإدارة الذاتية.

وتتخذ الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا قرارات موحدة على مستوى الشمال والشرق السوري، وذلك عبر عقد الاجتماعات التنسيقية والدورية بين الإدارات الذاتية والمدنية، وخلالها تتخذ القرارات وترتسم السياسة العامة للإدارات وتناقش خطط التنمية على كافة المستويات والأصعدة.

الإدارة الذاتية الديمقراطية مشروع لحل الأزمة السورية

حقيقة مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية تنبع من أنها الوسيلة الوحيدة للحفاظ على سوريا موحدة بشعبها وأرضها وبتوافق ومشاركة كل أبنائها من كل المكونات كما أنها الأساس لأي حلٍ سياسي ديمقراطي حلاً تحقن فيها الدماء للأبد وتصون فيه حقوق الجميع دون استقصاء لأي مكون أو طرف وتحافظ على خصوصية  كل مكون ضمن وحدة وطنية طوعية.

ومن هنا فأن ضرورات إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا متعددة بنيوية ومعرفية وسياسية وأن الأسباب التي دفعت لاتخاذ هذه الخطوة التاريخية، هي نفسها التي يجب أن تدفع بالعملية السياسية نحو الحل بمشاركة كل الأطراف دون استثناء أو استقصاء وإن الاعتماد على تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية كأرضية للبناء سيفيد حتماً في الوصول لبرِّ الأمان.

الحالة في سوريا ليست بحاجة إلى وصفة سحرية، بقدر ما يتطلب من السورين الالتفاف حول من يبحث عن طوق النجاة، ومن يرى في سوريا بلداً للجميع بغض النظر عن قوميته أو دينه أو طائفته، الصــورة قاتمة لكن بريق أملٍ مازال قائماً.

دوست ميرخان

زر الذهاب إلى الأعلى