مقالات

التقارب الروسي الأمريكي هل يشي ببوادر حل مرتقب في سوريا؟

ياسر خلف        

لم يعد خافياً على المتتبعين للمشهد السوري أن الساحة السورية باتت سوقاً لتمرير كافة الصفقات الدولية والإقليمية، الأمر الذي جعل من الشعب والأرض سلعة أساسية في هذه الصفقات، فتداخُل الأجندات والمصالح أو تنافرها هي التي تحدد ملامح كل منطقة أو إقليم على حِدَةٍ، وهذا الأمر تحوَّل الى أمر واقع بحكم الصفقات وحجمها بين مختلف القوى المتناحرة على كامل امتداد الجغرافية السورية، والتسوية السياسية محكومة بما يتوافق عليه هؤلاء الفرقاء الدوليين والإقليميين، فالحسم العسكري لم يعد الخيار الممكن لأي طرف، وانسحبت تلك التوافقات في الداخل السوري على المناطق التي تسيطر عليها مجموعات تركيا وإيران، فتحولت إلى صِدام لامتناهي بين من يقدِّم الولاء والطاعة بشكل أفضل لتفكيك الجغرافية السورية التي كانت محكومة مسبقاً بالقومية واللغة والثقافة الواحدة لتصبح الآن رهينة ليس فقط للذهنية العنصرية ولكنها تعدتها إلى ممالك خاصة بالمرتزقة والجماعات الإرهابية التي تستند الى أيديولوجيات عقائدية متصارعة منذ 1500 سنة. 

صراعٌ قضى على الهوية والتاريخ والجغرافيا، واستحضر معه خرائطه الطائفية القديمة وبلوَرَتْه هذه المجموعات بما يتناسب وتبعيتها للقوى التي تمولها لتحقيق أجنداتها وخاصة تركيا وإيران، فكل طرف يحرك بيادقه سواء في الداخل السوري أو خارج سوريا لتكون ورقة مساومة وضغط لأي حل لا يخدم مصالح هذه القوى وسياساتها؛ ليس في سوريا وحدها ولكن على كامل خارطة الشرق الأوسط.

ما يمكن تحليله وتقيمه من هذا التسونامي اللامتناهي لخارطة الصراع هو أنه بات محكوماً بمدى خلط الأوراق ومنع أي حل من شأنه إنهاء الأزمة البنيوية التي تتعرض لها دول المنطقة ابتداء من تونس وليبيا واليمن ومصر وسوريا والعراق ولبنان مروراً بحوض البحر المتوسط كاليونان وقبرص وأوكرانيا ودول القوقاز وانتهاء بأفغانستان، فهذا التداخل الشائك والنزف المستمر أشبه بإرهاصات التخندق التي سبقت الحرب العالمية الثانية أو تحالفات الحرب الباردة  بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وحلفائهما، وكأن التاريخ يعيد نفسه ولايزال مستمراً أو متجدداً لكن بفوارق شكلية للقوى المتحالفة والمتناحرة، وهذا التناحر أخذ من الساحة السورية المرجعية الأساس لأي تحرك أو تحالف ورجحان الكفة لأي قوة إقليمية وبشكل أكثر تحديداً بين كلٍ من إيران وتركيا مرهونٌ بمدى قبول القوى الدولية (أمريكا وروسيا) بأجنداتها، وهذا ما نلاحظه من حجم التنازلات التي يبديها العديد من دول المنطقة كسحب تركيا لمرتزقتها من ليبيا وتقاربها من مصر ودول الخليج وبالمقابل إيران أيضاً هي الأخرى قبلت بمبدأ التفاوض على ملفها النووي لحل أزمتها الاقتصادية وتثبيت تدخلها في سوريا، وهذا الصراع بات على أشده وخاصة بعد اللقاءات الأخيرة بين كل من الولايات المتحدة الامريكية وروسيا واللقاء الدولي الذي جرى في بغداد والذي بموجبه تم توقيع ما بات يسمى بصفقة الغاز في الجنوب السوري والتي تمكّنَ بموجبها النظام ومن خلفه إيران وروسيا بسط سيطرته على كامل درعا البلد وكذلك السماح لإيران بتوريد النفط والغاز للنظام بموافقة أمريكا وإسرائيل من وراء الستار على الرغم من وجود قانون قيصر، الأمر الذي يشي بوجود صفقة متكاملة لملامح الحل المرتقب في سوريا وخاصة أن رأس النظام بات يتحدث بعدم إمكانية عودة سوريا إلى ما قبل 2011. طبعاً هذا الخطاب بتوجيه مباشر من روسيا التي استقبلت وفداً من الإدارة الذاتية في موسكو بدعوة رسمية حيث يُستشف من التصريحات الروسية بعد هذا اللقاء : “إن النظام يسيطر على 90 بالمائة من الجغرافيا السورية” وبأن على تركيا قبول الوقائع والتفاهمات المستجدة على الساحة الدولية وخاصة بعد صدور عدد من التصريحات بضرورة إنها التدخلات والاحتلالات التركية سواء من جامعة الدول العربية أو ليبيا والعراق ومؤخراً تصريح الخارجية السورية وتحشيد القوات السورية بمحيط إدلب بموجب الاتفاق الروسي الذي يقتضي إنهاء الوجود العسكري في شمال سوريا فيما عُرف وقتها بصفقة عفرين، وهي ما لم تلتزم بها تركيا مستفيدة من اللعب على متناقضات السياسة الدولية بين القوى العظمى.

يبدو أن تركيا باتت الحلقة الأضعف في تجاذبات المصالح الدولية وتوافقاتها، فرغم جميع تدخلاتها في دول المنطقة؛  لكنها لم تنل شيء من مبتغاها سواء من ناحية الوصول إلى منابع الطاقة (النفط والغاز) في كل من ليبيا وسوريا وحوض البحر المتوسط وكذلك اصطدام حلمها العثماني بالفشل الذريع وخاصة بعد تلقي جماعات الاخوان المسلمين الضربة القاضية في كل من مصر وليبيا وتونس وهزيمة ربيبتها الداعشية في كل من العرق وسوريا على يد قوات سوريا الديمقراطية بدعم مباشر من القوى الدولية، وكذلك فشل تركيا في استقطاب جماعات طالبان على عكس ما تروجها حليفتها الوحيدة قطر والصورة الوردية التي تظهر بها حركة طالبان التي صرحت منذ البداية أنها لن تكون كالجماعات المرتزقة السورية رهينة الأجندات التركية وسياساتها؛ هذا بالإضافة إلى أن الداخل التركي بات هو الآخر يشير إلى خسارة حزب العدالة والتنمية لشعبيته وتراجعه بشكل ملحوظ، وهذا ما تؤكدها استطلاعات الرأي التي جرت مؤخراً.

إن ما يمكن التنويه إليه في هذه الفترة هو أن الاحتلال التركي سيستخدم كافة أوراقه للحيلولة دون حصول مكونات شمال وشرق سوريا على شرعية سياسية وحقوقية وإبعادهم عن الحل النهائي للأزمة السورية، وقد تُقدِم على استخدام جميع الأساليب القذرة سواء عبر:

1ــ تقديم المزيد من التنازلات وهو ما بدأت به فعلياً مع دول الردع العربي (مصر والإمارات السعودية)

2ــ اتباع أساليب الحرب الخاصة كاغتيال رموز الحركة التحررية الكردستانية كما حدث في كل من شنكال وروج آفا ومؤخراً في مدينة السليمانية جنوب كردستان

3ــ إضفاء الشرعية على احتلالها عبر الترويج لعودة المهجرين قسراً من قبل حركة الجحوش الكرد (الأنكسة ENKS ورابطة ما يسمى المستقلين الكرد) دون أي ضمانات وعهود دولية.

4ــ العمل على دفع المرتزقة الكرد (بيشمركة روج) لمواجهة قوات الكريلا وبدعم وموافقة من قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني – العراق.

وهنا ينبغي على قوى الإدارة الذاتية العمل جبهتين، على الصعيد الداخلي عبر حملات التوعية وتمتين أواصر وقيَم العيش المشترك، واتخاذ التدابير الاحترازية لمواجهة أساليب الحرب القذرة وأدواتها، والعمل على تقوية الجبهة الداخلية عبر الحوار مع جميع القوى التي تؤمن بالديمقراطية والتعدية السياسية والثقافية من خلال تنظيم العديد من الندوات والمؤتمرات لقوى المعارضة الوطنية.

أما على الصعيد الدبلوماسي والسياسة الخارجية فبالإضافة إلى اللقاءات التي جرت في روسيا والأخرى المقررة في واشنطن ينبغي العمل على المزيد من العلاقات الدبلوماسية مع دول الاتحاد الأوربي وكذلك مع الدول العربية المحورية “مصر والسعودية والامارات والعراق” التي لها تأثير مباشر على مجريات الأحداث في سوريا.

أما على الصعيد الكردستاني فأن وحدة الموقف الكردي من القضايا الاستحقاقية والحقوقية مهم جداً والعمل على دعم المبادرة الوطنية التي أطلقها قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي مع العلم أن هذه المبادرة تلقى قبولاً إيجابياً من قبل الولايات المتحدة والتحالف الدولي، وقد تكون أفضل السبل لإبعاد الأنكسة عن دعم سياسات الاحتلال التركي حيث يمكن الاستفادة في هذا المجال من قياداتها في الداخل الذين لديهم مواقف واضحة من الاحتلال التركي وسياساتها العدوانية تجاه القضية والوجود الكردي.    

زر الذهاب إلى الأعلى