مقالات

التغيير الديمغرافي وشرعنة الاحتلال

إن أسوأ ما تتجه إليه الصراعات والحروب إضافة للقتل والتدمير وسفك الدماء هي عمليات التهجير القسري والتغيير الديموغرافي بغية خلق بنية اجتماعية مغايرة للبنية الأصلية وخلق نمط اجتماعي وصيغة واحدة وفق تجليات المكنة العسكرية بين القوى المتصارعة.

ما يجري في عفرين السورية يعتبر من أكثر الأمثلة وضوحاً أمام مسمع ومرأى العالم أجمع، فعملية اجتياح عفرين واحتلالها من قبل الدولة التركية بعد مقاومة أسطورية شهد ويشهد لها العالم أجمع والتي دامت (58) يوماً، أُضيف منهجاً جديداً إلى معاناة السوريين من خلال عملية التوطين القسري لمكونات سورية، تم نقلهم من أماكن مختلفة من كافة الجغرافيا السورية ضمن صفقات يشوبها الكثير من التساؤلات والاستنتاجات، ليكونوا في بقعة تحمل طابعاً عرقياً مغايراً، وهذا ما يعرف اصطلاحاً بالتغيير الديمغرافي ومن هنا تكمن أهداف تركيا لهذا المنهج (التغيير الديمغرافي) من قبيل؛

ــ التدمير الممنهج للمناطق المحتلة يجعل الحياة الإنسانية فيها مستحيلة كما يجعل إعادة بنائها صعبة في ظل الظروف الراهنة، وبالتالي عدم تفكير السكان الأصليين بالعودة إليها وإن انتهت الحرب الطاحنة وتوقفت عجلتها في سوريا.

– تفكيك المجتمعات المحلية وعدم قدرتها على الصمود والبقاء، وعدم السماح لأهالي تلك المنطقة بالعودة بحسب مكوناتها.

– إطالة أمد الحرب في سوريا وتعقيد الحل السياسي الأمر الذي من شأنه أن يدفع المهجرين إلى الاستقرار في أماكن توجداهم وأن تصبح آمال عودتهم ضئيلة جداً أو مستحيلة.

– الاستيلاء على الممتلكات وخاصة الأصول التي يمتلكها السكان الأصليين من كردٍ وعربٍ من خلال شراء العقارات عن طريق شبكة سماسرة يخضعون للاستخبارات التركية.

إن كل ما تقوم به تركيا من احتلال للمناطق السورية استكمال لسياستها التاريخية وأطماعها في سوريا منذ احتلالها للواء اسكندرون عام 1939 وحتى احتلالها لجرابلس والباب والآن عفرين، وهذا ما أكد عليه السلطان العثماني الجديد أردوغان عندما قال لقد ظلمتنا اتفاقية لوزان ويجب العودة الى الميثاق (الملي) أي يعتبر أن الفرصة آتية الآن لِضَمِ ولايتي الموصل وحلب, فتركيا تعبث بالموزاييك والنسيج المجتمعي السوري وذلك من خلال عملياتها العسكرية على طول الحدود الشمالية لسوريا في محاولة منها إبعاد الكرد عن حدودها بحجة وهم (الفوبيا الكردية) وذلك لطمس الهوية الكردية وحضارة شعب عمره آلاف السنيين.

يجب التذكير بخطورة عمليات التغيير الديمغرافي ومحاولات فرضه على الواقع السوري لِمَا له من تبعات مستقبلية خطيرة في خلق حالة من العدائية والفوضى والحقد والكراهية حتى بعد انتهاء الحرب وإحداث حالة من الانقسام داخل المجتمع السوري وخلق شرخ عميق في بنية وتركيبة المناطق المحتلة من قبل تركيا فخطورة التغيير الديمغرافي أشد فتكاً من كل القذائف التي سقطت على كافة المدن والبلدات السورية طيلة سنوات الحرب في خلق حالة من التعصب والتمذهب وإحداث شرخ في التعايش السلمي واللحمة الوطنية التي كان يمتاز بها كل السوريين.

فدعونا نركز على هذه النقاط المهمة للعودة إلى المسار الطبيعي لمجتمعنا المتسامح المتكاتف للوقوف جميعاً أمام مشاريع العدوان التركي لأن من أهم أسلحة الفاشية التركية هي ضرب النسيج السوري تارة باسم الإسلام والمذاهب وتارة باسم الفوبيا الكردية المقاومة بكل السبل لتحرير أراضينا من كل الاحتلالات.

عفرين كانت جزيرة محاطة ببحر من السواد, جزيرة احتضنت كل المكونات السورية فكانت لوحة سورية مصغرة للحياة والمحبة والسلام والاستقرار ورفض أهلها الفكر الظلامي التكفيري وقاوموا المشروع الإخواني العثماني.

كان يوم السبت (18) من آذار اليوم الأسود على مدنية الزيتون والسلام والمحبة وعلى أهلها حيث تم تهجيرهم قسراً بعد (58) يوماً من المقاومة للعدوان التركي المزدوج (الجيش التركي) وعشرات الفصائل الارهابية.

كما أن كفريا والفوعة اللتان تبعدان (8) كم شمال شرقي إدلب رغم الحصار الذي فُرِض عليهما منذ آذار عام 2015 حاول أهالي المنطقة التمسك بأرضهم والدفاع عن أرضهم ضد الظلم والحرب التكفيرية التي استمرت ثلاث سنوات ونصف السنة, وحتى الأطفال الرُضَّع حُرِموا من الحياة وقُطِعَ عنهم الغذاء والحليب, وبعد كل هذه التضحيات لاقت المنطقة نفس المصير الذي لاقته عفرين, وكان يوم (18) تموز يوم تهجير كل سكان كفريا والفوعة إثر اتفاق سياسي.

 جروح كفريا والفوعة من جراح عفرين المحبة والسلام في انتظار معركة المصير الواحد.

زر الذهاب إلى الأعلى