تقاريرمانشيت

التداعيات الإقليمية للسياسات المتبعة من قبل الأتراك في المنطقة وما هي الأهداف التركية من اجتياح دول الجوار؟

تحقيق: مصطفى عبدو

“الكل يتآمر على الكرد بينما الكرد يتآمرون على بعضهم فيما بينهم”

عشية الحرب التركية على مناطق في العراق وتحديداً شمالها, اتجهت أنظار جميع المحللين والمتابعين والباحثين في مراكز الدراسات نحو معرفة إلى أين ستتجه تركيا بسياساتها تجاه دول الجوار والمنطقة والعالم وما الذي يضمره الأتراك من خلال تخبطهم هذا.

تبدو تركيا عاجزة عن كبح جماحها، والأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية فيها لا تبدو أنها تتجه نحو الاستقرار، إذ ينشغل الأتراك تارة بالحفاظ على الأمن القومي، وتارة بعلاقاتها مع الدول العظمى وتارة أخرى بالسعي للانضمام إلى الاتحاد الأوربي وحيناً آخر تحاول استيراد صواريخ من روسيا وهي العضو في حلف شمال الأطلسي، وهذا بالتأكيد يتعارض مع شروط الحلف، وغيرها الكثير من الأزمات التي تختلقها تركيا؛ من دون أيّ تقدم حقيقي لا نحو هذه ولا نحو تلك.

وبسبب هذا التدهور السياسي والأمني تتراجع شعبية اردوغان، ويزداد الانتقاد له ولفريقه الذي فشل في نقل تركيا إلى بوابة “الديمقراطية” التي طالما أرادها الشعب التركي؛ في حين يصرّ اردوغان على المكابرة والدفاع عن سياساته وعلى التمسك برأيه غير آبه بأحد.

لأن الإقرار بالفشل يستدعي من أردوغان الإقرار بمثله في الكثير من القضايا.

تبدو الدولة التركية في حالة من الارتباك لا تُحسَدُ عليها، فلا هي قادرة على التراجع أمام خياراتها، ولا هي قادرة على التقدم.

“يقول البعض أن هذه الحرب وفي بيئة إقليمية متوتّرة بساحاتها المفتوحة على الصراعات لن تفضي إلى نتائج إيجابية فلم يحقّق فيها الأتراك سوى خيبات الأمل منذ سنوات عدة بالرغم من وضعهم لإمكانيات كبيرة من أجل ذلك مراراً وتكراراً.

من هنا كانت على تركيا أن تضع حداً لذلك التراجع المُتدَرِّج في شعبية رئيسها، ولتزايد الانتقادات عليه داخلياً وخارجياً، وعلى إدارته السيئة وجرِّها البلاد إلى مشاكل وأزمات متعددة”.

لم يتبقَ لدى اردوغان سوى حلم تحقيق انتصار وهمي يعيد خلط الأوراق في المنطقة، ويجعل المجتمع الدولي أكثر انصياعاً للمطالب التركية، وهو الذي ينتظر اللحظة المناسبة لإعادة الاعتبار إلى هيبة جيشه وهيبة حكومته بعد الفشل الذريع الذي منيت به في الأزمة السورية.

ولهذا بدأ اردوغان اليوم بتمهيد الطريق من دون تردد أمام الخيار العسكري للتعامل مع أزماته، وبالتالي تكون الحرب مخاض ولادة  جديدة لمشاريعه المستقبلية التدميرية.

أعوام طويلة من محاولات السيطرة على الموقف دون أن تحقق تركيا الأهداف التي وضعتها لها؛ فلم يتم القضاء على حزب العمال الكردستاني ولا تم نزع سلاحه، ولا إيقاع الهزيمة به، وبات من السهل الاستنتاج بأن تركيا فشلت في سياساتها المتبعة ولم تنجح في التقدم فيها بالشكل الذي توقّعته وأرادته.

 تداعيات التدخل التركي في دول الجوار

لن تكون هذه الحرب اليوم مختلفة عن حروب أخرى شنتها تركيا، بامتداداتها وتداعياتها الإقليمية، وإذا تجاوزنا انعكاساتها على كل من سوريا والعراق؛ فإن أبرز ما يمكن تسجيله من تداعيات لهذه الحرب على المستوى الإقليمي هو التالي:

تركيا تحاول التأكيد أنها مازالت دولة قوية وجيشها لا يمكن أن يُقهر

تبدو تركيا اليوم مصابة بدوار سياسي وعسكري؛ فالحروب التي تحاول من خلالها استعادة هيبة جيشها وقدرته؛ أسقطت النسبة المتبقية من تلك الهيبة؛ فعلى الرغم من “الإفراط في القوَّة” وعشرات آلاف القذائف، والتدمير الهائل غير المسبوق… لم يتقدم الجيش نحو الأهداف التي حددتها القيادة السياسية له، وفشل ميدانياً في أكثر من موقع من مواقع المواجهة ودفع أثماناً باهظة غير مألوفة في حروبه السابقة مع الكُرد من أرواح جنوده وفي أسلحته المتطورة؛ لقد فقدت تركيا في هذه الحروب “قدرة الجيش”.

وهذا يعني على المستوى الاستراتيجي أن عقيدة تركيا القتالية واستراتيجيتها الدفاعية فقدت مبرراتها ومصداقيتها.

وأن أهم نتائج التدخلات التركية في دول الجوار تثبت أن الشعب التركي لم يعد يثق في قدرة قيادته السياسية أو العسكرية على تحقيق أي انتصار.

بالمحصلة تركيا متضرّرة ومضطربة وستستمر في هذه الحالة طويلاً إن لم تبادر إلى إعادة ترميم مفاهيمها العسكرية والسياسية والأمنية.

ولإظهار المخفي في السياسة التركية تجاه شعوبها والدول الإقليمية والعالم ولتسليط الضوء على الأهداف التي تسعى إليها تركيا من خلال شن الحروب على دول الجوار بادرت صحيفة الاتحاد الديمقراطي إلى طرح السؤال المعنون به تحقيقنا هذا على عدة من الشخصيات لاستطلاع آراءهم وتحليلاتهم للسياسة التركية وكانت الأجوبة كما يلي:

التركيبة السكانية لتركيا قريبة جداً من تركيبة السكان في دول الجوار الأمر الذي تخشاه تركيا “انتقال عدوى الديمقراطية

فنر الكعيط  نائب الرئاسة المشتركة لهيئة العلاقات الخارجية في إقليم الجزيرة:

تركيا تعتبر نفسها الوريث الشرعي والوحيد للإمبراطورية العثمانية وكما يعلم الجميع فمنذ التاريخ وتركيا لها أطماع في الشمال السوري “ولاية حلب” وكذلك الأمر بالنسبة للعراق “ولاية الموصل”, وطبعاً تركيا تتَّبع جميع الأساليب لتحقيق أهدافها وأطماعها, مرَّة باسم محاربة الإرهاب والأحزاب الانفصالية حسب رأيها ومرة أخرى باسم مساندة الشعوب والديمقراطية وتارة أخرى تحت عباءة الإسلام السني المعتدل وهذا ما يمكن ملاحظته في تصريحات القيادات التركية منذ بدايات الأزمة السورية، وهنا لا بد من التطرق إلى التحالف القائم بين حزب العدالة والتنمية والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين والذي اتضح جلياً من خلال تحالف الأتراك مع الرئيس المصري المخلوع “مرسي” ووجود أغلب القيادات الإخوانية في تركيا وإقامتهم فيها، ومن جانب آخر؛ تحالف الأتراك مع “النظام القَطَري” الممول الرئيسي للإخوان, والممر والمقر للكثير من قيادات إخوان المسلمين.

التركيبة السكانية لتركيا قريبة جداً من التركيبة السكانية لأغلب دول الجوار “كرد– عرب – علويين – سنة – شيعة..”.

الدستور العراقي الجديد مع أنه لنا بعض المآخذ عليه ولكنه رائد بالنسبة لدساتير دول الجوار كونه يضمن حقوق التنوع وهذا ما تفتقر إليه تركيا في دستورها تجاه شعوبها, لذلك كله نجد أن تركيا تستبق الأحداث أو تحاول عرقلة الأحداث خشية وصول عدوى الديمقراطية إليها, وأما من الجانب السوري فتركيا تتخوف من أن تؤدي الأحداث المتسارعة في النهاية إلى وضع دستور ونظام ديمقراطي تعددي ضامن وجامع لكل السوريين على اختلاف انتماءاتهم العرقية والطائفية والدينية, وهذا ما يدفع القيادات التركية إلى الحديث عن إنهم لن يسمحوا بتكرار الخطأ الذي حدث في العراق وبالتالي تسعى تركيا إلى التذرع بالحجج وتضع العراقيل لإطالة أمد الصراع سواء في سوريا أو في العراق، والدليل على ذلك هو احتلالها لأجزاء من الشمال السوري من جرابلس وصولاً إلى عفرين وإدلب وسعيها الحثيث لإيجاد نوع من النظام الإسلامي القريب من النهج الإخواني وبالتالي قريب من نهج حزب العدالة والتنمية ليكون حاجزاً أمام أي مشروع حضاري ملبي لطموح الكل السوري.

أما عن موقف الحكومة العراقية من الاجتياح التركي للأراضي العراقية فهو موقف ضعيف حيال هذا الأمر بسبب الانقسامات والصراعات الطائفية والعرقية إلى جانب ضعف موقف الجامعة العربية؛ كلها أمور ساهمت إلى حد بعيد في النفوذ الإيراني والتركي داخل الشأن العراقي الداخلي, كما أن لتركيا اتفاقيات مع القيادات العراقية السابقة منذ الثمانينات تسمح لها بالتوغل وملاحقة من تصفهم بالإرهابيين داخل الأراضي العراقية حتى.

طبعاً هناك أصوات في القيادة العراقية الحالية ترفض بشدة مثل هذه التجاوزات ولكن دون أن يكون لها تأثير فعلي، ويجب أن لا ننسى بأن لتركيا حلفاء في الداخل العراقي كبعض الأحزاب السنية والأحزاب التركمانية التي تمهد الطريق أمام هذا التدخل…

تركيا ارتكبت أسوأ تسونامي مجتمعي وخاصة في سوريا

محمد جميل عضو إداري في حزب الاتحاد الديمقراطي

منذ ظهور الفكر الاردوغاني على المسرح التركي حاول إحياء الامبراطورية العثمانية من خلال إطلاق مشروع العمق الاستراتيجي الإمبراطوري العثماني التوسعي على القارة الإفريقية والآسيوية وعلى العالمَين العربي والإسلامي مستغلاً بذلك موقعها الجغرافي الجيواستراتيجي مستخدماً في ذلك الإسلام السياسي كأداة دينية وكنقطة ضعف تاريخية معروفة لدى العرب وشعوب المنطقة بحيث يمكن من خلالها التلاعب بالعقول والأمزجة في رحلة البحث عن النفوذ الإقليمي عبر علاقات تجارية مع مختلف البلدان مدركاً أن حلمه بحاجة إلى قوة اقتصادية وعسكرية إلّا أن عوامل كثيرة لعبت دوراً مهماً في عدم تنامي هذا الدور نتيجة المتغيرات التي حصلت في عموم المنطقة منذ غزو العراق مروراً بثورات الربيع العربي واستفحال الأزمات في دول تجاورها كـ (سوريا والعراق) وعلى الرغم من انهيار العمود الفقري لبعض الأنظمة العربية وغياب دورها المؤثر لم تستطع القيام بأدوار فاعلة حيال القضايا الكبرى ومع ازدياد حساسية القوى الإقليمية الأخرى كـ إيران ومصر والسعودية مؤخراً لجأت تركيا إلى سياسة اللعب على المتناقضات وبالأخص في سوريا بعد تنامي المشروع الديمقراطي وبقوَّة على المسرح السوري ليشكل هواجس لدى قادة تركيا بالمجمل؛ فاعتمدت تركيا على مختلف القوى التكفيرية وجعلها مادة دسمة في لحظة المساومات والبازارات الدولية واستعمالها تارة كأدوات مشروعة في حماية أمنها القومي وضمنياً لتوسيع مشروعها الإمبراطوري..

إن ما فعلته تركيا مؤخراً في سوريا والعراق يدل على تاريخ طويل من التآمر التركي لاقتطاع أراضي وضمها إليها كالمنطقة الآمنة في شمال سوريا والموصل وكركوك والتمسك بالورقة العراقية والتي تُعد من أهم الأوراق لدى تركيا من خلال التواجد العسكري وتحت حجة مكافحة الإرهاب الكردي وحماية الأقليات كالتركمان والعرب السنة وتحاول بقدر الإمكان استغلال الأزمات الحالية وملئ الفراغ الحالي وبما ينسجم ومصالحها التوسعية. إلا أن انطلاقتها في التعاطي من خلال الفكر العصبي الممزوج بالإسلام المتطرف لتغدوا كفلسفة وايديولوجية مبنية على الطابع الديني والذي بدوره تنمي عقلية الجريمة والارهاب والكراهية وبذلك ارتكبت أسوأ تسونامي مجتمعي وخاصة في سوريا من خلال دورها السيئ في تفاقم الأزمة والتي بالنهاية لابد أن تغرق في أوحال ما اقترفته…

ما تشهده المنطقة وخاصة الكردية من أزمات تؤكد أن المؤتمر الوطني الكردستاني هو البلسم للجراح الكردية

ياسر خلف – إعلامي

في الفترة الأخيرة تصاعدت حدة التهديدات التركية باجتياح جنوب كردستان وهذا التهديد يزداد بوتيرة متصاعدة وخاصة على لسان مسؤولي حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه أردوغان.

إن التهديد التركي باجتياح جنوب كردستان ليس وليد اللحظة إنما استخدمته الحكومات التركية المتعاقبة والتي استهدفت الوجود الكردي بالدرجة الأساسية وهذا ما شهدناه خلال الاستفتاء الأخير في جنوب كردستان ورد الفعل التركي حيال ذلك وبالتالي قيام تركيا بحشد قواتها على الحدود مع جنوب كردستان حيث كان هناك تنسيق واتفاق بين كل من تركيا والعراق وايران بوأد الاستفتاء عبر التهديد باجتياح جنوب كردستان أو كما تسميها حكومة اردوغان بشمال العراق، والغريب في الأمر هذه المرة أن التهديدات التركية لجنوب كردستان يقابلها صمت من حكومة بغداد وحكومة الإقليم وخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يترأسه السيد مسعود البرزاني رغم إدراكه التام أن الدولة التركية لا تستهدف حزب العمال الكردستاني حسب ما تدعي فقط إنما هو تهديد يستهدف الوجود الكردي ومكتسباته وكسر إرادته وهذا ما حدث تماماً عندما احتلت الدولة التركيا عفرين فقد عمدت إلى التهجير القسري والتغيير الديمغرافي بشكل ممنهج رغم وجود بعض ممن ساندوها من الانكسيENKS والتي هي بدورها محسوبة على البرزاني هذا وقد تم اقصاؤهم حتى من المجلس المدني المشكل لإدارة عفرين من قبل الأتراك وهنا ينبغي التنويه أن هدف الدولة التركية من اجتياح جنوب كردستان هي احتلالها وتغيير تركيبتها الديمغرافية وهذا ما لوحظ بشكل واضح من وجود مجاميع إرهابية من النصرة وداعش ضمن صفوف حملتها الحالية, الأمر الذي يشكل خطراً كبيراً وسياسة قذرة يتبعها اردوغان وحكومته لذلك يتطلب من إقليم جنوب كردستان حكومة وشعباً وأحزاباً موقفاً صارماً تجاه هذه المخططات الاحتلالية التي تهدف إلى إبادة الشعب الكردي بالتدخل المباشر ومحاولة تحقيق ما عجزت عنها الجماعات الإرهابية الممولة من قبلها, ومن المهم والضروري في هذه الفترة الحساسة هي إعادة النظر إلى المؤتمر الوطني الكردستاني بوصفه البلسم للشعب الكردي والعمل على الإعداد له ووضع استراتيجية موحدة ومواجهة المخططات التي تستهدف الوجود الكردي من خلال هذا المؤتمر.

تسعى حكومة العدالة والتنمية إلى كسب أصوات المتشددين والقوميين الأتراك من خلال فرض الحروب على الكرد

حسين خالد عضو مجلس الحزب في ناحية تربسبية:

إن الهدف من التهديدات التركية لشمال سوريا وشمال العراق وخاصة قنديل وشنكال ومخيم مخمور هي لإطالة أمد الصراع في كل من العراق وسوريا وكسر شوكة القوة الوحيدة التي استطاعت هزيمة داعش ومثيلاتها، ومن ناحية أخرى هي للضغط على حكومة بغداد لتنفيذ الاتفاق الذي أبرمته معها في استنبول غداة الاستفتاء في جنوب كردستان والتي كانت تركيا من أشد معارضيه ومحاربيه.

هذا ويمكننا ربط هذا الاجتياح التركي بالانتخابات المبكرة المزمع إجراؤها في تركيا وسعي اردوغان وحزبه إلى كسب أصوات المتشددين القوميين وبالمجمل  ينبغي التأكيد أن هدف الدولة التركية هو منع وتصفية أي تجربة كردية أياً كان مكانها ومصدرها وهي تحاول بشتى السبل القضاء على الوجود الكردي سواء في جنوب كردستان أو شماله أو غربه وهذا الأمر بات واضحاً للعيان من خلال حجم الحقد المتوارث في الخطابات الرسمية لقيادات الطورانيين الأتراك وخاصة من قيادات حكومة العدالة والتنمية المشبعين بالفاشية الإسلاموية والعنصرية القوموية المقيتة.

زر الذهاب إلى الأعلى