مقالات

التحالف الفاشي محصور بخيارين لا ثالث لهما

لن نكون مبالغين بالقول إذا قلنا: إن مقاومة العصر المستمرة في أوجها بعفرين ولو بصورة مغايرة، قد كشفت حقيقة النظام الفاشي التركي، نظام الاستبداد والإنكار نظام تَحَالفَ فيه التيار العنصري القومومي التركي المتمثل بحزب الحركة القومية MHP والمعادي لأي توجه ديمقراطي في تركيا والمُمَجِد للقومية التركية والتيار الإسلاموي الأخواني المتمثل بحزب العدالة والتنمية الحاكم والساعي إلى عثّمنة المنطقة برمتها مستنفراً كل مقدَّرات البلاد في خدمة مسعاه متجاوزاً كل القوانين والأعراف الدولية الغائبة تماماً بحضور تآمر قِوى الأنظمة الفاشية مع قوى رأس المال العالمي على رقاب الشعوب.

ولن نكون مبالغين بالقول إن قلنا: هدف هذا التحالف الفاشي القديم المُستَحْدَث هو إفراغ مدينة عفرين من سكانها الأصليين وتوطين مجموعات جهادية وهمجية جائعة بدلاً عنهم؛ واستخدامهم في خدمة سياسته القذرة في المنطقة برمتها وهذه الأفعال ليست بجديدة على الفاشية التركية المُبدِعة والخبيرة بالمؤامرات والدسائس وسياسات القمع والإبادة.

بالطبع وككل حاكم مُستبد يحاول أردوغان تغطية فشل التحالف الفاشي داخلياً وتعزيز شعبيته في الداخل بغزوٍ خارجي لصرف الأنظار عن الانتهاكات التي تُرتكب في الداخل التركي؛ طبعاً الأمرين متناقضين لكن ثقافة قطعان الذئاب والخِراف تستوجب بالضرورة مثل هكذا سياسات.

تاريخياً العداء التركي- الكردي، والتركي ـ العربي، والعربي- الكردي ـ لم يكن يوماً عداء بين الشعوب؛ فالشعوب التركية والعربية والكردية تعايشت جنباً إلى جنب وعلاقة التعايش كانت مبينة على أسس الجِيرة و التآخي في الإسلام، ولربما كان هذا الرابط الأكثر تأثيراً في هذه العلاقة، ولم يكن يظهر أي تناقضات وأزمات متورمة، في حالات السلم والاستقرار؛ أي في الحالة التي اتخذت فيها العدالة الاجتماعية مجراها عبر مؤسسات الإدارة الحاكمة آنذاك، والتاريخ الإسلامي في المنطقة لا يخلو من فترات الاستقرار والازدهار، لكن ما إن يهتز كيان السلطة الحاكمة خلال مرحلة من المراحل التاريخية؛ وما أن يُنصب على العرش طاغٍ أو سفاحٍ؛ وتاريخ السلطة والدولة في المنطقة “الشرق الأوسط” حافل بالمستبدين والطغاة والنماردة؛ حتى يشنَّ هؤلاء حملات الفتك ببنيان العدالة الاجتماعية وحالة الاستقرار التي أنتجت الازدهار في مُجمل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بدءاً من تلك الإدارة التي ساهمت في ترسيخ حالة الأمان والتعايش التي كانت تبنى أساساً على تقبل كل المكونات لبعضها البعض ضمن وحدة منسجمة كانت تتكاتف عندما تتعرض جغرافية تعايشها لتهديدٍ أو غزوٍ خارجي.

 بالطبع أردوغان وكما سابقيه من أصحاب الصحف السوداء؛ يترجم اليوم فشله على الأرض داخلياً وخارجياً في أن يكون مؤثراً في السياسة الدولية، وبأن تكون الجمهورية التركية قوَّة إقليمية ودولية بين القِوى الكُبرى في العالم وهذا بالطبع “هدف حزب الحركة القومية الذي يتحضَّر ليسحب البساط من تحت قدم العدالة والتنمية في انتخابات 2019″، كذلك لينقل بنفسه من سلطانٍ تركي متعجرف إلى خليفة للعالم الإسلامي والعربي خاصةً “هدف حزب العدالة والتنمية الذي لمّ يتحقق حتى الآن”، وكما ذكرنا في مستهل هذه المقالة فأن عفرين كشفت عن نوايا أردوغان وتحالفه في إبادة الكرد وتفتيتهم، وكشفت في الوقت نفسه عن نوايا التحالف الفاشي تجاه سوريا والسوريين بكُردهم وعَرَبِهم؛ وزَرْعِ الشقاق بين الكرد والعرب عندما أراد أردوغان أن يُظهِر المهاجمين على عفرين من العرب كلصوص جائعين خانعين للجندرمة التركية، ومشاهد مجموعات السلب والنهب وقطعان الذئاب الجائعة في عفرين والتي بُثَّت على شاشات التلفزة كشفت مدى المؤامرة التي حبكها اردوغان لتلك المجموعات المحسوبة عربياً سورياً على ما يسمى بالائتلاف السوري، (المشهد كالآتي: انظروا إلى هؤلاء العرب المرتزقة أنهم جائعون والغزو والسلب من صفاتهم، بينما انظروا إلى الجندي التركي الذي يحمل راية الأتراك ويدافع عنها وينصبها أينما يريد” بالطبع هذه وقائع على الأرض وليس فلماً تركياً يُعرض على الشاشات العربية والكردية.

التحالف الفاشي مجدداً وبصورة أكثر وضوحاً في عدائيته تجاه الكرد قد وضع الدولة التركية مجدداً في صراع طويل الأمد بحيث أصبح من المستحيل أن تخرج منه وستبقى في دوامة سلسلة من الأزمات والتي ستتخذ أشكالٍ وأوجه عدة، هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية فإن فشل هذا التحالف الذي يقوده أردوغان بأدواته من المحسوبين على المواطنة السورية في المشروع الإخواني الإسلاموي الذي كان يخطط له فقد أوقع تركيا في أزمات اقتصادية واجتماعية مع العالم الغربي والعالم العربي أيضاً.

وفق هذه النتائج التي يتفق فيها أصحاب النظرة السياسية الثاقبة فإن تركيا لم تعد قادرة على الخروج من دوامة الأزمة في سوريا، وذلك بالنظر لحجم التوغل والتورط التركي السياسي والعسكري في الأرض السورية وبأدوات إرهابية والتي بدأت تنتشر كورم سرطاني في الداخل التركي الذي احتضن هذا الإرهاب.

وهُنا إما أن ينتصر التحالف الفاشي المُطعّمِ بالإرهاب ليتلافى السقوط في الداخل وبذلك يتحول لأكبر خلية سرطانية تهدد العالم برمته، وإما أن تَجرَهّ هذه السياسة إلى الهاوية.

مواجهة هذا التحالف أمرٌ في غاية الحتمية كردياً وسورياً وعالمياً، ومن هنا فأن  مواجهة هذا التحالف العدائي المحتل تجاه الكرد في عفرين ليست ضرورة تاريخية من أجل تحرير عفرين فقط، لأن هذا التحالف موجهٌ ضد الكرد وضد القوى الشعبية والديمقراطية قاطبةً، ولا يستهدف جغرافية معينة بحد ذاتها لتكون مركزاً لاستيطان آلاف الإرهابيين، فغاية أردوغان من احتلال عفرين جلية وواضحة وظاهرة للعيان، لكن ما يبطنه أردوغان أعظم ويتخطى الحدود والموانع الدولية والإنسانية، لذا يتوجب علينا مواجهة هذا المشروع وأدواته الإرهابية والقضاء عليه في عفرين بالذات، بقدر ما لهذا التحالف من أبعاد وتوجهات بعيدة المدى كما ذكرنا آنفاً، وكون قاعدة مشروع التحالف الفاشي قد بدأت من عفرين يجب دحرها وإنهاؤها في عفرين، وإمكانيات الدحر قبل أن يستفحل متوفرة في عفرين نفسها؛ إن توحدت القِوى الديمقراطية مع القِوى الشعبية الثورية في وجه هذا التحالف الفاشي.

زر الذهاب إلى الأعلى