مقالات

الانتخابات التركية ودعاء الغلابة

محمد أرسلان

عشرة أيام تفصلنا عن الانتخابات التركية والتي ستكون لنتائجها تداعيات محلية وإقليمية ودولية، خاصة أن تركيا أردوغان تعيش في أصعب مراحلها شؤمًا شبيهة بالمراحل الأخيرة لما كان يُسمى “الخلافة العثمانية” نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وكانت من نتائج تلك المرحلة أن تم تقسيم الجغرافيا العثمانية وتحجيم حدودها لولادة مسخة ومشبوهة عمَّرت قرنًا من الزمان على حساب شعوب نفس الجغرافيا.

تشكلت أو بالأحرى تم تشكيل تركيا على حساب دماء شعوبها من الأرمن والكرد والتركمان والعرب ووفقا لأطماع القوى المهيمنة آنذاك، وتحويل تركيا من العقلية الدينية المسخة نحو الشوفينية القوموية المشوهة والتي ربما ستكون نهايتها في نفس الوقت.

ربما يترقب الكثيرون الانتخابات التركية وما ستؤول نتائجها لما لها من ارتدادات على الجميع وربما سنعيش مرحلة التفكك والتشتت الثانية أيضًا على حساب دماء الكرد والعرب ووفق أطماع ومصالح نفس الجهات السباقة التي عملت على تقسيم وتشكيل تركيا.

الكل يشحذ سكاكينه منتظرًا اللحظة المناسبة لتفريغ جشعه وأطماعه على جسد أردوغان الذي بدكتاتوريته الشوفينية وتحالفه مع الحركة القومية بات يمثل تركيا المترهلة والمريضة والباحثة عن “مصلٍ” أو دواء يطيل من عمرها برهة أخرى وهو ما تتمناه من روسيا لعل أن تكون صفقة S 400 تكون التحاميل التي تنقذ أردوغان تركيا من السقوط في جحيم التفتيت والصراعات الداخلية والتي لن تنتهي إلا بالتمثيل بجثة ما سيتبقى من تركيا.

اللعب على المتناقضات والاستفادة مما سيتمخض عنها أسلوب تركيا الدولة والسلطة ولها باع طويل في هذا، ولأننا نمتلك ذاكرة تاريخية حيوية، نُدرك جيدًا أن ما يقوم به أردوغان الآن ما هو إلا تكرار لما قام به سلفه مصطفى كمال “أتاتورك” في اللعب على نفس المتناقضات بين “لينين” ما كان يسمى الاتحاد السوفيتي سابقًا وإنجلترا وعقد اتفاقية الأخوة بين موسكو وانقرة وبموجبه تفرغ أتاتورك لليونانيين ومن معهم من فرنسا وبريطانيا. وبعد الحرب العالمية الثانية انضمت تركيا في 1952 إلى حلف شمال الأطلسي والناتو وتم جعل تركيا الحصن الأول أمام المد الشيوعي.

تخلى لينين عن مبادئ الاشتراكية والشيوعية مقابل الأمن الذي كان يبحث عنه وتثبيت سلطته في موسكو، وكذلك غض الطرف عن المجازر التي ارتكبتها تركيا بحق الأرمن والكرد والروم ولم يدافع عنهم وفق شعاره في “حق الأمم في تقرير مصيرها”، وكذلك قدم لينين الدعم اللوجستي والمادي لتركيا أتاتورك في لعبة منه تخيل فيها أنه بمقدوره إبعاد تركيا عن الغرب.

إنها نفس اللعبة الآن يقوم بها بوتين وأردوغان ويسعون لإعادة التاريخ للوراء والعيش في ظلمات القرن العشرين، إلا أن مسار التاريخ مستمر وتدفقه سيكون نحو الأفضل حتمًا وإلا لما كان هناك أمل في المستقبل. قام بوتين بتسليم عفرين وجرابلس والباب لتركيا أردوغان، وابتعد كذلك بوتين عن مبادئ الاشتراكية على حساب الأمن مثلما فعل لينين بالضبط، هنا ندرك جيدًا أن اشتراكية لينين لم تختلف عن رأسمالية إنجلترا وصعود نجم أتاتورك على حساب الشعوب، والآن يعمل بوتين على دعم وإسناد أردوغان الرجل المريض لتريكا على حساب الشعوب أيضًا.

لذا، علينا أن ندرك أن الاشتراكية ليست فقط شعارات نطلقها بقدر ما هي أخلاق نعيشها بين جميع الشعوب على حساب التصدي لأطماع القوى الرأسمالية.

الكل يترقب الانتخابات ومنهم من يدعو لفوز أردوغان على أنه الخليفة الاسلامي لبعض الرهط من المتأسلمين السياسيين، وآخرون يدعون له بالفشل ونجاح المعارضة نكاية بأردوغان وليس حبًا بها.

كِلا الطرفين من حيث المبدأ بعيدين كل البعد عن الحقيقة المجتمعية لشعوب المنطقة، لأنهما لا يفكران سوى بالسلطة والأقرب مني وإليَّ، ولا أحد يفكر بمصير المجتمعات والشعوب التي تئن تحت رحمة السلطة.

المعتقلات باتت المسكن الأول لكل من يعارض أردوغان وهناك الآلاف من الكرد الذين تم اعتقالهم ليس لأي سبب إلا لأنهم يبحثون عن كرامتهم المجتمعية. وأن بالدعاء وحده لا يمكن القضاء على الدكتاتوريين والفاشيين ولا يمكن نشر العيش المشترك كذلك. لأن الدعاء هو سلاح الغلابة من الناس والقدريين منهم. لأنهم لا يعملون شيئًا وينتظرون معجزة نبوية سماوية أن تأتي وتخلصهم ممن تفرعن على عباد الله.

إلا أن الحقيقة تحض جميع الشعوب على التكاتف والتلاحم مع بعضها البعض وعدم الجلوس وانتظار الفرج من هذه المصيبة الإقليمية، بل ينبغي على جميع الدول الإقليمية أن تقوم بواجبها في دعم الكرد في الانتخابات التركية لأنهم يشكلون القوى المجتمعية الأولى في تغيير النظام الأردوغاني التركي وتخليص شعوب المنطقة من توحشه السلطوي

زر الذهاب إلى الأعلى