آخر المستجداتمقالات

الانتخابات التركية … فرصة لتكريس الديمقراطية  أم وسيلة لتدوير الدكتاتورية

ياسر خلف – 

لطالما كانت ولا تزال الحكومات التركية المتعاقبة تراهن على وجودها في المشهد السياسي التركي على مدى قمعها وافنائها للشعب الكردي ونخبه السياسية لدرجة وصلت في العقدين الأخيرين الى حد الإبادة الجماعية والتغير الديمغرافي الممنهج  فمنذ قرابة العقدين من الزمن وحزب العدالة والتنمية الذي يترأسه ارد وغان يحكم سيطرته على المشهد السياسي في تركيا وذلك عبر قبضته الامنية العسكرية وسيطرته البرلمانية وتسخيره للجانب الديني والقومي كدعاية لإحكام السيطرة الايدلوجية على المشهد الاجتماعي فكريا وعقائديا عبر تسخير كل السبل للقضاء على الشعب الكردي الذي بات الفوبيا الأكثر ترويجا إعلاميا في الأوساط التركية في عهد اردوغان وأركان حكمه لدرجة استعداده للمقايضة والتنازل عن أي شيء من شائنها انهاء الحقية الكردية التي باتت كابوسا ثقيلا يؤرق مضاجعه وهذا ما بات واضحا من سعيه للمصالحة والتطبيع مع نظام الأسد ومن خلفه ايران برعاية روسية في ما يسمى بمسار الآستانة وخاصة بعد الزلزال الأخير الذي ضرب تركيا وسوريا ونوايا المعارضة بالذهاب الى استعادة العلاقات مع دمشق والتخلص من عبئ اللاجئين السوريين وتمويل الجماعات المتطرفة التي اثقلت كاهل الموازنة التركيا وفاقم من حجم التضخم الاقتصادي الذي يعاني أصلا من أزمات متراكمة نتيجة السياسات التي انتهجها اردوغان وحزبه

فسياسات اردوغان العدائية تجاه الشعب الكردي عامة وحزب الشعوب الديمقراطية بشكل خاص كانت لها انعكاسات سلبية للغاية في تدني شعبية العدالة والتنمية وينذر بحتمية سقوطه في الانتخابات المقبلة وخاصة اذا علمنا ان الشعب الكردي ونخبه السياسية باتت تدرك جيدا مفاصل العملية السياسية ضمن تركيا وخاصة حزب الشعوب الديمقراطية الذي بات بمثابة بيضة القبان فيما يلوح  في الافق القريب من المشهد الساسي ولذلك لم يكن بالمستغرب على اردوغان وحكومته وحزبه هذه الاستماته والسعي للقضاء على الشعب الكردي سواء داخل شمال كردستان او خارجا في جنوب كردستان  وروج أفا خاصة وهذا ما يمكن ملاحظته بشكل جلي في سياسات اردوغان الدكتاتورية تجاه حزب الشعوب الديمقراطية وسعيه لإنهائه قبل اي استحقاق انتخابي قادم  قد تشهدها تركيا ومحاولته فرض سيطرته على الشعب الكردي بالقوة والترهيب عبر استهداف ارادته السياسية المتمثلة بحزب الشعوب الديمقراطية  حيث اقدم على السيطرة على اغلب البلديات المنتخبة من الشعب في شمال كردستان كما ان الاعتقالات التعسفية للسياسيين الكرد وصلت الى ذروتها بما يقارب 18000 الفا بين برلماني ونيابي وسياسي كما يقدر تعداد المعتقلين  بمجرد الشبهة بانه منتسب للشعوب الديمقراطية الى اكثر من 160000 الفا بتهم  باتت معروفة وهي الانتماء الى “تنظيم إرهابي”

يبدو ان  ما تشهدها تركية في الآونة الأخيرة وخاصة بعد الزلزال المدمر وفشل اردوغان وحكومته من تسويق نفسه كمنقذ  تجري بما لا تشتهيه  سفن العدالة والتنمية  وتنذر بخفت نجمه في الاوساط السياسية والاجتماعية والثقافية وهذا ما اكدته استطلاعات الراي التي صدرت مؤخرا  تراجع كبيرا في تايد سياسات العدالة والتنمية بقيادة اردوغان وخاصة النظام الرئاسي الذي اعطته صلاحيات التفرد والحكم بدكتاتورية فظة داخليا وخارجيا  واهماله لدور البرلمان كمظلة لنوع من الديمقراطية وان كانت بحدودها الدنيا  وتسبب بغياب معارضة حقيقة يضمن التنوع والحريات فما شهدتها تركيا طيلة حكم العدالة والتنمية لم تكن سوى انقلاب على كل ما يمت بالإنسانية بصلة حيث تحولت تركيا الى سجن كبير لمعارضي السلطة الحاكمة ليصل بها الى التصنيفات العالمية المتقدمة في مجال انتهاك الحريات وقمع وكم الافواه و خاصة في ما يتعلق بغزوات اردوغان الخارجية وسياساته الداخلية القمعية

يبدو ان المشهد السياسي المتعلق بالانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية المقررة في الرابع عشر من شهر مايو/ أيار المقبل باتت اكثر وضوحا حيث ان اغلب التحليلات المتابعة للشأن التركي تشير الى الشريحة الأكبر الخارجة عن التحالفين المتنافسين (اطار الأحزاب الستة ومرشحه كلجدار اغلو في موجهة اردوغان المتحالف مع حزب الحركة القومية ) فإن الأنظار تتجه إلى الصوت الكردي الذي تُقدر كتلته الانتخابية بنحو 18 بالمئة من الأصوات أي نحو ثمانية مليون ناخب، حيث يتركز معظم الكرد في جنوب شرقي البلاد، فضلاً عن المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وأزمير. وعليه، تبدو المعركة بين الخصمين هي معركة الحصول على صوت الناخب الكردي في المرحلة المقبلة، وفي هذا المسعى يتبين رغبة الطرفين في كسب ود الكرد حيث يمكن تلمسه بشكل جلي في خطاب الطرفين تجاه حزب الشعوب والكرد عموماً، وخاصة بات معلوما للطرفين حجم هذا الإطار المؤثر في تحديد هوية الفائز في هذه الانتخابات التركية

ما يتطلب من حزب الشعوب الديمقراطية في هذه المرحلة هي الدقة في التوجه الساسي والوضوح في طلب الاستحقاقات العادلة للشعب الكردي ليس في شمال كردستان فحسب بل في عموم المنطقة وعلى ضوئها يتوجب ان يتم بناء التحالفات السياسية بما يخدم القضة الكردية وعموم شعوب المنطقة

فما أقدم اردوغان على ممارسته كان معاكسا تمام لكل ما روج له قبل توليه السلطة والحكم في تركيا وهو ما يروج له معارضيه الان في كسب ود الشعب الكردي كنوع من ممارسة النفاق السياسي والترويج والتسويق الانتخابي المخادع والسعي في الوقت ذاته الى القضاء على شعوب المنطقة والشعب الكردي خاصة لكسب رضا الشارع التركي القومي والديني فاستهداف شمال كردستان عبر القمع وروج آفا عبر الاحتلال والتغير الديمغرافي هي لعبة خطيرة للفوز في الانتخابات والبقاء في السلطة

ومن هنا باتت افشال المخططات العثمانية الجديدة من أكثر الاولويات التي يتوجب على الشعب الكردي عامة وشعوب المنطقة قاطبة التصدي لها ومقاومتها فهي تستهدف الوجود والسيادة والارادة السياسية لهذه الشعوب والدول وعليه فان التحالفات السياسية يجب ان تكون لها رؤية شفافة واستراتيجية واضحة تجاه معظم قضايا المنطقة ولا تكون آنية وتكتيكية منتكسة لوعودها السابقة لكسب الانتخابات والعودة بعجلة السلطة لسابق عهدها من احتلال وتهديد وإرهاب لسائر دول المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى