ثقافةمانشيت

الاتحاد الديمقراطي (PYD) منهل فكري وثقافي لإحداث التغيير الديمقراطي

إعداد: ياسر خلف

إن الأحزاب ضمن المجتمعات التي تعيش حالة ثورية يجب أن تكون نواة لإحداث التغيير وذلك عبر ترشيد المجتمع نحو قِيَم ومبادئ نابعة من ثقافة ذلك المجتمع وإرثه الحضاري وعمقه التاريخي بحيث يكون ذلك الحزب وعبر فكره وأيدولوجيته المنهل والمنبع الذي يشبع ويروي ظمأ المجتمع بجميع مكوناته وفئاته ويكون بمثابة المخزون والمنظم الفكري الذي يجمع ويوفق بين كافة الثقافات المجتمعية وعاكساً لتنوعها وغناها الحضاري.

ربما يقول البعض إن من الصعب التوفيق بين الثقافة والسياسة أو بمعنى أدق الميدان السياسي والثقافي مختلفان من حيث الجوهر والمضمون، وقد يكون ذلك صحيحاً إذا ما أخذنا العمل السياسي من وجهة نظر السلطة والهيمنة ولكن عند تناول السياسة من الرغبة في إحداث التغيير الديمقراطي في البنية الثقافية والمعرفية والقيمية ضمن المجتمع فإننا هنا بحاجة إلى فكر وفلسفة وإيديولوجية تكون الوسيلة والأداة والموجِّه لإحداث التغيير والتطوير ضمن المجتمع وباعتبار الأحزاب في الأدبيات السياسية هي جهاز وهيكلية مؤسساتية تطوعية لتطوير المجتمع وتوجيهه نحو العمل الثوري فمن هنا تصبح الرؤية الثورية للحزب بمثابة المرآة العاكسة للثقافة المجتمعية وتطلعاته نحو إحداث التغيير الديمقراطي الذي يضمن حريته وكرامته بحيث تصبح السياسة جزءً من ثقافة المجتمع وليس استغلال الثقافة لتمرير سياسات وأيدولوجيات السلطة أو إنكار الغنى والتنوع الثقافي عبر فرض قوالب ومخططات سلطوية ممنهجة تمنع تداول التنوع الثقافي ضمن المجتمع عبر فَرضِ الثقافة الواحدة والقومية الواحدة والدين الواحد … إلى ما هنالك من أشكال الفردانية والأحادية التي تتميز بها النظم السلطوية.

وعند تناولنا لمسار الأحداث في سوريا منذ قرابة الثماني سنوات الفائتة من عمر المقتلة السورية نجد أن الرؤية التي تبنتها ثورة روج آفا وشمال سوريا كانت الأقرب إلى ثقافة المجتمع وقِيَمِهِ ومبادئهِ حيث يمكننا القول: إن مشروع الإدارة الذاتية الذي طرحه حزب الاتحاد الديمقراطي ضمن فكره وأيديولوجيته لحل المعضلة السورية والتي كانت نابعة من فلسفة بناء الأمة الديمقراطية وحل القضية الكردية ضمن الشرق الأوسط عامة حيث كان مسار الحل والخط الثالث الذي تأسس على مبدأ الغنى والتنوع الثقافي من كافة  النواحي (القومية والدينية والاثنية والعرقية) هي النواة التي أجمعت عليها جميع مكونات روج آفا وشمال سوريا عبر طرحهم لمبادئ العقد الاجتماعي الذي كان تتويجاً لمشروع الإدارة الذاتية وثقافة الأمة الديمقراطية التي طرحها حزب الاتحاد الديمقراطي، وانطلاقاً من هذه النقطة وعلى هذا الأساس يقع على عاتق الأحزاب والقوى السياسية والمؤسسات المجتمعية الفكرية والثقافية والتربوية في روج آفا وشمال سوريا العمل بجدية في كيفية بناء الإنسان على أسس سليمة نابعة من ثقافة و فلسفة أخلاقية أصيلة مبنية على فكر وتحليل عميق ومناهج تمكنه من وضع الحلول الأنسب للقضايا والإشكالات المجتمعية التي تعاني منها المجتمعات الشرق أوسطية بشكل عام وروج آفا وشمال سوريا بشكل خاص نتيجة للتراكمات والمخاضات التي أنتجتها الهيمنات المتسلطة بكافة أشكالها وأدواتها العنصرية منها والإرهابية التي تحركها تبعيتها ودوافعها المنفعية ومصالحها المادية عبر انتهاج  سياسات إنكارية وصلت لحد الإبادة والصهر الثقافي والتربوي والفكري الممنهج والمقصود بهدف إفناء وإخفاء شعوب وحضارات عبر القضاء على قيمها وغناها الثقافي

وبهذا الصدد يذكر القائد عبد الله أوجلان في كتابه المعنون القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية: (إن ما يجب أن يَسري في الميدانِ الاجتماعيِّ الذي تتواجدُ فيه السياسة، هو المصالحُ الحياتيةُ للمجتمع، وسلامتُه ورُقِيُّه بُنيةً ومعنىً. بينما المجتمعاتُ التي تَغيبُ أو تضعفُ فيها السياسة، لن تتخلصَ من معاناةِ نيرِ سلطةٍ إباديةٍ واستعماريةٍ من الخارج، أو استغلالِ وقمعِ نخبةٍ سلطويةٍ وطبقةٍ استغلاليةٍ من الداخل. من هنا، فأعظمُ حَسَنةٍ يُمكنُ القيامُ بها من أجلِ مجتمعٍ ما، هي النهوضُ به إلى مستوى المجتمعِ السياسيّ. والأفضلُ من ذلك هو البلوغُ به إلى ديمقراطيةٍ دائمةٍ وبنيويةٍ تَنشطُ فيها السياسةُ الديمقراطيةُ على مدارِ الساعة. وبقدرِ تصييرِ مجتمعٍ ما أخلاقياً وسياسياً، فإنه يَغدو بالمِثلِ ديمقراطياً وحراً ومُفعماً بالمساواة، وبالتالي يصبحُ مقاوِماً ومنغلقاً على استثمارِ واستغلالِ نُخَبِ السلطةِ واحتكاراتِ رأسِ المال. أما قيامُ علومِ الاجتماعِ المُستَوحاةِ من الليبراليةِ بإسقاطِ السياسةِ إلى مستوى الديماغوجية والغَوغاء، وتعريفُها بشكلٍ خاصٍّ للأحزابِ التي هي نماذجٌ مُصَغَّرةٌ من الدولةِ على أنها أدواتٌ ديماغوجيةٌ أساسية؛ فلا يقتَصِرُ فقط على كونِه إساءةً شنيعةً وخيانةً للعلمِ باسمِ العلم، بل ويتأتى من وظيفتِه في خدمةِ احتكاراتِ السلطةِ والاستغلالِ بأداءِ دورِه الذي يُعتَرَف له به عن وعي.) وهنا يكمن الفرق بين حزب يسعى إلى إدارة المجتمع عن طريق نشر السياسة الأخلاقية عبر بناء مؤسساته المدنية وطرح حلول ومشاريع لانتشاله من براثن الإبادة والانحلال والصهر الثقافي وبين أحزابٍ ونُخَبٍ بيروقراطية تسعى إلى استغلال المجتمع للوصول إلى السلطة القائمة على المنفعة الفردية الهدامة عبر تكريس الهيمنة واحتكار الإرادة الحرة للمجتمع بتأطيره بطبقات أرستقراطية ممنوعة من التغيير والمساس ببنيتها المتعجرفة؛ حيث يمكننا القول بأن حزب الاتحاد الديمقراطي  PYD خرج من ضمن معاناة شعبه ووَرِثَ النضال من دماء شهدائه ليجعل من فلسفة وثقافة المقاومة أساساً في عمله النضالي والحزبي ليكون بذلك في مقدمة الحِراك الثوري ويصبح الأداة والوسيلة التنظيمية الأكثر فعالية في روج آفا وسوريا وأحد أهم ركائز الحل في منطقة الشرق الأوسط عامة.

زر الذهاب إلى الأعلى