مقالات

الأمة الديمقراطية وقضايا الشرق الأوسط

قد يسأل سائل من المتسلقين على دماء الشعوب أو أحد المتابعين للأحداث؛ ما العلاقة العكسية بين مفهوم الأمة الديمقراطية ومعضلات الشرق الأوسط الذي يعيش على صفائح ساخنة أو فوهة بركان ثائر بكل تعقيداته المتشابكة.

حقيقة أن هذا السؤال يحمل في طياته الجواب؛ إذا أمعنَّا العقل والمنطق في السؤال نفسه وخصوصاً في ما يخصَّ الأزمة السورية المستعصية على الحل لأسباب عديدة وأهمها هو التمترس خلف المواقف الخلّبية التي تنبع من المصالح الشخصية مضافاً إليها القراءات المعكوسة لحلول الأزمة القديمة الجديدة الناشئة في الشرق الأوسط؛ فمنذ أن انتفضت الشعوب على أنظمتها وبعد أن أمسكت بزمام هذه الانتفاضات القوى الإسلامية الراديكالية الفاشية التي عاثت في الأرض خراباً وفساداً ودماراً بغية تنفيذ أجنداتها لرسم خرائط جديدة للمنطقة مبنية على ذهنيات قديمة مريضة عفى عليها الزمن وشَرِب في مواجهة سلطات مستبدة لا تقل عن التنظيمات شراسة ودماراً بل تتخطاها في الكثير من المحطات الإجرامية.

كان لا بد بين هذين المسارين أو الخطين من إيجاد خطٍ ثالثٍ يكون أكثر واقعية وتحقيقاً لأهداف ومطالب الشعب السوري خصوصاً بعدما تحول الصراع الدائر في سوريا إلى حرب طائفية ومذهبية واتخذت منحىً خطيراً أودت بسوريا إلى منزلقات التدمير والتشريد والتهجير والتدخل الدولي الحاصل في كل صغيرة وكبيرة وقيادة دفة الصراع حسب مقتضيات مصالح هذه الدول، وبمقتضى تطبيق هذا الخط الثالث أو الأمة الديمقراطية التي تنبع من فكر وفلسفة المناضل والفيلسوف الكردي عبدالله أوجلان تم تشكيل وحدات حماية الشعب من ثم تحولت إلى قوات سوريا الديمقراطية التي ضَمَّت كل مكونات شمال وشرق سوريا وحاربت الإرهاب العالمي وقضت عليه نيابة عن العالم أجمع وتشكلت الإدارة الذاتية الديمقراطية التي قامت على ركائز بنوية صلبة تنبذ التفرقة بين حقوق المكونات كافة في الإدارة والحرية الشخصية والدينية والمذهبية والثقافية وغيرها من الحريات التي كانت حبيسة الأنفس والتمنيات في نفس كل فرد.

لا نبالغ إن قلنا أن هذه التجربة الفريدة من نوعها في الحكم هي محطة إعجاب كل الوفود والمنظمات والهيئات الغربية التي زارت وتزور شمال وشرق سوريا، وأن مشروع الإدارة الذاتية كان مشروعاً مفصلياً ونموذجاً مثالياً للحل في سوريا بنَظَرِ الكثير من الوفود الدبلوماسية مقارنة وتشابهاً بالأزمات والصراعات التي حصلت في الكثير من بلدان العالم؛ بيد أن هذا النموذج الديمقراطي الجديد في الشرق الأوسط لم يرُق لجمهوريات الاستبداد والفاشية وعلى رأسها الجمهورية التركية والدول القومية وبدأت بنسج الاتهامات الزائفة والحجج الواهية من قبيل ورقة الانفصال والاتجار بها في المحافل الدولية؛ رغم أننا أكثر حرصاً منهم جميعاً على وحدة الأرض والشعب السوري، والأصح من هذه التهم الملفقة أننا نعم منفصلون عن الذهنية الاستبدادية والقوموية الشوفينية التي ينادون بها ليلاً نهاراً لنهب ثروات الشعوب وإفقارها والقضاء على أحلامها في العيش بحرية وكرامة وإمحاء مكونات أصيلة من هذه الأرض منذ آلاف السنين، ووفقاً لهذا المشهد المتشابك والخرائط الفكرية المعقدة والقضايا العالقة أو التي غُيِّبتْ بحكم القبضة الحديدية السلطوية؛ نرى بأن مشروع الأمة الديمقراطية هو الحل الأمثل لحقوق مكونات وشعوب المنطقة وهو المفتاح السري للقضايا المعقدة في الشرق الأوسط والحل الجذري لمشاكله المتراكمة منذ مئات السنين ونزداد يقيناً به انطلاقاً من هذه المعادلات.

زر الذهاب إلى الأعلى