مقالات

الأمة الديمقراطية.. والتنوير

في ازدحام الأخبار العالمية المضطربة ينذر أن نعثر على خبرِ أو نسمع خبراً يشير إلى نظريات إنسانية بناءة وإن حدث وتوفر مثل هذا الخبر فإن أخبار الصراعات والحروب عادة ما تطغى عليه.

وبالنسبة إلى مشروع الأمة الديمقراطية فأننا مُطالبون اليوم قبل غيره ومن زاوية حضارية بأن نفرد لمشروع البناء مساحة من الترحيب تليق به؛ فثمة عرس للديمقراطية تشهده المنطقة؛ إنه مشروع العصر، مشروع الحل الوحيد لوأد التشظي السياسي والاجتماعي، وبالتالي على شعوب المنطقة التي تستنير بهذا المشروع متابعة مسيرتها بخطى حثيثة وواثقة.

لقد شهدت وتشهد المنطقة موجة غير مسبوقة من المدِّ الثوري الفائض بآمال الشعوب، من جانبنا أدركنا منذ بداية هذه الثورات الطابع المفاجئ لها وإمكانية انفلاتها سواء في الداخل أو الخارج، فإننا قدرنا أن مساراتها رغم إشكالات الوضع وإمكانيات المستقبل، ربما تظل مفتوحة على آفاق جديدة.

وإننا، إذ تفاءلنا دوماً بهذا المد الثوري، فإننا تفهَّمنا وُجود مخاوف من انحراف هذه الثورات عن أهدافها وانجرافها نحو مقاصد أصولية انتكاسية أو نحو فِتَنٍ طائفية.

حقاً لقد أعادت التغيرات الحاصلة التأكيد بأن المشروع الديمقراطي” مشروع الأمة الديمقراطية”، يظل الحاضن الأكبر للحداثة وللفكر العقلاني، ولَملَمة الشعوب؛ لأن المواطن هو الذات الفاعلة في هذا المشروع كونه يمثل نقطة تحول في طريق الإنسانية نحو مفهوم واضح ومحدد للمواطنة والديمقراطية.

وعليه فإننا نُرجِّح كفة التفاؤل الموضوعي والعقلاني، ونؤكد انخراطنا في مسار التحولات الجارية بالمنطقة، بما يساهم في حَسمِ اتجاهات الوعي لمصلحة مشروع متأصل بقيم الحداثة المجتمعية.

بالمحصلة فكل من ينحاز إلى مصلحة الوطن والمواطن, لابد وأن يفتح المجال للديمقراطية، ويعطي المشروع الديمقراطي المساحة اللائقة به، فلا يمكن أن يتواجد مجتمع مدني حقيقي إلا بتفعيل الديمقراطية فيه، وفي سائر قطاعات المجتمع؛ ذلك أن الديمقراطية في المجتمعات المدنية لا يمكن عزلها عن الديمقراطية في سائر قطاعات المجتمع الأخرى، وإذا كانت الديمقراطية هي الأسلوب الأمثل في إدارة المجتمعات المدنية فإنها لا يمكن أن تحقق أغراضها، بل لا يمكن أن تكون ديمقراطية حقيقية دون أن تعم سائر القطاعات بحيث تصبح ديموقراطية كاملة وليست ديمقراطية مقصوصة.

هكذا نرى أن فكرة المواطنة المرتبطة جذرياَ بالديمقراطية هي  جزء متأصل من منظومة فكرية تجديدية ونظام عقلي عام يتميز به مشروع الأمة الديمقراطية؛ كما يتّسم المشروع بإضفاء قيمة عملية جوهرية على وضع الإنسان في المجتمع من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فهو صاحب الإرادة الحرة، والفاعلية في المجتمع والسياسة والاقتصاد.

زر الذهاب إلى الأعلى