تقاريرمانشيت

الأزمة السورية وآفاق الحلول الغائبة بين مصالح الدول

تحقيق بدران الحسيني:

ما إن مضت شهورٌ عدَّة على الثورة السورية وامتدت إليها الأذرع الخارجية ومراكز إدارة الإرهاب والتوحش؛ حتى أتت هذه الثورة على سوريا كريح عاتية لم تُبقِ منها أثر، وأصبحت شراً مستطيراً تحدق بكل منطقة الشرق الأوسط، وصارت الأرض السورية ميداناً يتبارى فيها المتصارعون على مصالحهم، بيدَ أن الدول المتدخلة أحاطت بهذا الشر المستطير واتفقت فيما بينها على تطويق هذه النيران خوفاً من امتداد ألسنتها إلى عقر ديارهم رغم بعض الامتدادات التي حصلت، وبقي الشعب السوري كمن يستجير من الرمضاء بالنار، وكالغريق الذي يتعلق بالقشَّة، وذاق شتى أنواع المُرِّ، وكافة صنوف العذاب من تهجير وقتل وسلب ونهب وسبي ّ وقطعٍ للرؤوس.

بالطبع هذه الدول وجدت من سوريا ذبيحة سَمِينة أو مُسَمَّنةٌ أو كعكة استوت على نار هادئة، وأخذت تنهشها كطريدة لم تعُد تستطيع الحراك تحت وطأة الضربات التي تلقتها، واستسلمت لسكاكين الجزارين ليتقاسموها كيفما يشاؤون للفوز بقطعة أو جزءٍ أكبر منها؛ فبدأت تُفصِّل وتُطرِّز وتُخيِّط على مقاسها حلولاً للأزمة السورية بعيداً عن متطلبات الشعب السوري متناسين الأثمان الباهظة التي دفعها من أجل هذه الثورة، والتأمت المؤتمرات وانعقدت الاجتماعات في عواصم الدول الكبرى من جنيف وآستنا وسوتشي ناهيك عن تلك الاجتماعات التي كانت تُعقَدُ في دولةِ مِرْيَاعِ الإرهابِ أردوغان، واستمرت الأزمة إلى وقتنا الراهن منذ الثماني سنوات ولم تُحلَّ حتى اختُزِلَت كل هذه الضحايا وهذا الغليان والفوران الشعبي بصياغة دستور لسوريا.

إلا أنه منذ أن اصبحت اللعبة مكشوفة على رؤوس الأشهاد آنذاك، وبدت معروفة للجميع؛ أخذت المكونات المقاومة والحريصة على سوريا بالاستعداد للدفاع عن هذه الأرض حرصاً منها على وحدة سوريا وعدم تجزئتها و وقفت سداً منيعاً ضد هذه المخططات التوسعية المبنية على هذا الأساس واتخذت خطاً ثالثاً بالتوازي مع محاربة الإرهاب وقدمت مشروع الحل لهذه القوى المتناحرة، بَيْدَ أن هذا المشروع لم يلقَ قبولاً من الدول التوسعية التي تناهض أي بصيص أمل للحل في سوريا وخصوصاً إذا كانت للكرد حصة في الحل السوري، وهذه الدول تحاول الدفع بالأمور إلى أن تصل إلى حلولٍ مفصَّلةٍ على مقاسها، ولكن رغم اللقاءات والاجتماعات التي انعقدت وتنعقد في جنيف وسوتشي واستنا والقرارات التي صدرت عنها بقيت الأزمة وما زالت تراوح مكانها ولا تلوح في الأفق أية حلول، وهنا تطرح اسئلة نفسها بإلحاح

ــ أسباب استعصاء الحل في سورية؟؟؟

ــ هل حل الأزمة السورية يأتي من الخارج أم يكمن في الداخل السوري؟؟

ــ هناك مشروع ديمقراطي متَّبع في شمال سوريا

ويمكن أن يكون نموذجاً للحل وقابلاً للتطبيق على أرض الواقع  لماذا تركيا وروسيا يتحالفان فيما بينهم لأسقاط هذا المشروع؟؟

على القوى الديمقراطية والوطنية والعلمانية في سوريا العمل على إنجاز رؤية موحدة تهدف إلى إنهاء الأزمة السورية والانتقال إلى نظام ديمقراطي لتحقيق السلام والاستقرار في سوريا.

  أمينة عمر الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية

 هناك ثلاث نقاط أساسية يمكن أن نشير إليها ونقف عندها بكل موضوعية،

النقطة الأولى: وهي متعلقة بالحوار الذي نؤمن به بأنه الوسيلة الأنسب لتبادل الرؤى والأفكار التي يمكن البناء عليها لرسم خارطة حلٍ سياسي للأزمة السورية،

حقيقة نحن مستعدون للحوار مع أي طرفٍ سياسي يعمل من أجل خدمة الحل السياسي الديمقراطي والذي يتحقق فيه مصلحة السوريين كافة، وفي هذا الإطار كان  تواصلنا مع جميع القوى والتيارات السورية التي قَبِلت دعوتنا بالحوار في وقت سابق، واليوم أيضاً نجدد هذه الدعوة، لكن الظاهر بعد سبع سنوات من الأزمة إن هناك أطرافاً هدفها السلطة وهي تتصارع بكل قوتها من أجل السيطرة على السلطة، أو التشبث بها مهما كان الثمن، وهذه الأطراف هي السبب في تصاعد وتيرة الصراع والأزمة في سوريا، ولا تهمها الحل او حتى التباحث فيه بشكلٍ جدي.

كما تعلمون بعد عقد المؤتمر الثالث لمجلس سوريا الديمقراطية بدأنا بخطوات جديدة نحو الداخل السوري، وأثمرت الجهود بعقد الملتقى الحواري السوري السوري في بلدة عين عيسى بين يومي 18-19 تموز المنصرم، والذي تباحث فيه المجتمعون من كافة المناطق السورية سُبل حل الأزمة السورية، حيث أكدنا جميعاً على التمسك بوحدة التراب السوري، إلى جانب جملة من التوصيات والقرارات التي أكدنا فيها أيضاً على إن تطلعات الشعب السوري يكمن في بناء  نظام سياسي ديمقراطي علماني تعددي لا مركزي تضمن فيه حقوق الأفراد والجماعات وفق الشرعية الدولية لحقوق الإنسان ومبادئ المواطنة المتساوية، وعلى إثر ذلك تم تشكيل لجنة للمتابعة مهمتها التنسيق والتواصل مع القوى الوطنية السياسية والمجتمعية من أجل عقد لقاءات حوارية أخرى واليوم نحن بصدد عقد منصة حوارية ثانية نتبادل فيها الآراء ونناقش ما توصلنا إليه في الندوة الحوارية السابقة، بالطبع هذه المرحلة عصيبة جداً تفرِض على القوى الديمقراطية والوطنية والعلمانية في سوريا  العمل على إنجاز رؤية موحدة، وتعميق دور هذه القوى كخيار وطني يهدف إلى إنهاء الأزمة السورية وفق مسار الحل السياسي الذي يضمن إنهاء الأزمة والانتقال إلى نظام ديمقراطي لتحقيق السلام والاستقرار في سوريا.

 النقطة الثانية: تتعلق بالمشروع السياسي الديمقراطي الذي نعمل عليه منذ ما يقارب الثلاث سنوات.

بالنسبة لمجلس سوريا الديمقراطية فكما ذكرنا سابقاً إن موقفنا واضحٌ وجلي من الأزمة والصراع والحل، كذلك مشروعنا السياسي واضح وقد أعلنا في أكثر من مناسبة بأن هذا المشروع هو نموذج سياسي وطني سوري ونحن في شمال سوريا عملنا بكل مصداقية مع شعبنا، ولم ننجر خلف الأجندات الدولية والاقليمية،  لذا أثبت هذا المشروع جدارته وفعاليته ونجاحه حتى الآن، وبالإمكان تطبيقه على عموم سوريا.

نحن كمكونات شمال وشرق وسوريا تحمَّلنا كل مسؤولياتنا وواجباتنا في إنقاذ مجتمعنا من الهلاك والصراع وحررنا مناطقنا من تنظيم داعش الإرهابي، وعملنا على تحقيق تطلعات المجتمع السوري عامة، ووقفنا في وجه التقسيم وحافظنا على وحددتنا أرضاً وشعباً وشكلنا مجتمِعِين الإدارة الذاتية  الديمقراطية لشمال وشرق سوريا، بالطبع هذا المشروع أغاظ الكثيرين ممن يستفيدون من ديمومة الصراع، وهم ليسوا سوى تجار حروب ومرتزقة يعملون بأجندات تخدم مصالح شخصية وفئوية معينة، وهي لا تملك أي مشروع للحل حتى اللحظة.

 النقطة الثالثة: تتلخص في إن الشعب السوري أيقن تماماً بأن حل الأزمة السورية هو حل سياسي في الداخل السوري بعد فشل كل الحلول الاقليمية والدولية، سواء أكان جنيف أو مؤتمري استانة وسوتشي فبعد أكثر من ثماني جولات لأستانة كانت النتيجة على الأرض السورية  تشريد وتهجير الآلاف من السوريين، واحتلال جرابلس والباب وعفرين من قبل الجيش التركي  والمجموعات المرتزقة الإرهابية واليوم تحاول احتلال بقية مناطق شمال سوريا عن طريق الدفع بتلك المجموعات التي جُمِعَتْ في مدينة إدلب نحو حربٍ في شمال وشرق البلاد، بطبيعة الحال العالم يعلم تماماً بأن ما حصل في عفرين على سبيل الذكر كان باتفاق روسي – تركي وهما الراعيان  لآستانة وسوشتي، كذلك فقد تعثرت مفاوضات جنيف ووصلت لنقطة مسدودة، كون تلك المفاوضات واللقاءات كانت بين طرفين متصارعين على السلطة ــ النظام السوري والمعارضة السورية المنضوية تحت جناح الدول الإقليمية في مقدمتها الدولة التركية ــ، والدليل الذي يدل على فشل الطرفان ظَهَرَ في عدم تطبيق أو تنفيذ أي بندٍ من بنود “قرار” جنيف 2254، وكنتيجة يمكن القول بأن الحل العسكري وتطبيق الأجندات الاقليمية على الأرض السورية لم تؤدِّ بالنتيجة لحل الصراع بل فاقمته.

لكن هذا لا يعني بان الشعب السوري والقوى الوطنية الديمقراطية فقدت الأمل بالحل السياسي، الشعب السوري وقواه الوطنية بإمكانهم أن يتوحدوا تحت مظلة واحدة وهي مظلة الحل السياسي السوري وبأيدٍ سورية، والحوار السوري السوري خطوة مهمة جداً في هذا المسار والمسعى.

 الجميع مطالب بخطوة للخلف وتقديم المصلحة السورية قبل الحزبية والقومية.

محسن عوض الله كاتب مصري مهتم بالقضية الكردية تحدث لجريدة الاتحاد الديمقراطي قائلاً:

اعتقد أن استدامة الأزمة في سوريا ترجع بشكل رئيسي لعدم وجود رغبة دولية في حلها؛ فالقوى الدولية الآن وبحسب رأيي تدير الأزمة، ولا تسعى لإيجاد حل لهذه المأساة التي تدفع ثمنها الشعب السوري، وهو أمر ينطبق بشكل كبير على الوضع باليمن وليبيا أيضاً؛ فلا توجد رغبة قوية أو إرادة حقيقة لإنهاء الوضع المتأزم منذ سبع سنوات.

 أما مسألة الاجتماعات والمؤتمرات التي تنعقد في هذه المدن على مختلف مسمياتها فهي لا تختلف عن بعضها البعض ونستطيع القول بأنه تعددت الأسماء والضحية هو الشعب السوري، والقوى الدولية فقط تدير الأزمة بما يخدم مصالحها.

ــ لابد من أن تدرك القوى السورية خطورة الموقف وعدم جدية حلفائهم الدوليين في إنهاء الأزمة، وهنا الجميع مطالب بخطوة للخلف وتقديم المصلحة السورية قبل الحزبية والقومية وجعل التوافق والحوار السوري السوري هو الحل خصوصاً في ظل الموقف السلبي للتدخلات الخارجية في الأزمة السورية، وعلى النظام أن يعي جيداً بأن عجلة الزمن لا يمكن أن تعود للخلف وأن زمن الحُكم المطلق والقبضة الحديدية قد ولّى بلا رجعة.

ــ عَدَاءُ تركيا للمشروع الكردي بشمال سوريا هو عَدَاءٌ لمشروعٍ تحرري، فأنقرة كما أثبتت الأيام تتخذ موقفاً سلبياً من أي مشروع يخدم أو يصب في مصلحة الكرد أو يحقق مكتسبات لهم، وكما أقول دوماً: لو صَعَدَ الكُرد إلى المريخ لطاردتهم تركيا؛ أما بخصوص روسيا فلا اعتقد أنها تعادي المشروع الكردي بل قد تتخذ مواقف مناهضة لهم ربما نكاية بواشنطن، فالعداء المطلق تركي أما موسكو فتتواطأ أحيانا وتتقرب وتتفاوض أحيانا أخري.

الرهان على المواقف الدولية والإقليمية لن تفضي إلى حل الأزمة في سوريا

دوست ميرخان: إعلامي

تتفق غالبية التيارات السياسية غير المتأثرة بالنظم الشوفينية، وغير المؤدلجة  قوموياً أو دينياً على ضرورة وضع حد نهائي للصراع السوري عبر عملية سياسية تشاركية شاملة تعالج صلب الصراع والأزمة، وكذلك كانت أهم مقررات المؤتمرات الثلاث جينف وستوشي واستانة التي عقدت بدواعي التخفيف من حدة وتيرة الأزمة والانتقال إلى البحث عن عملية الحل حسب زعمهم الذي  يتمثل في ثلاث نقاط أساسية، وهي: وقف إطلاق النار، وتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية، وضرورة الانتقال لعملية سياسية.

لكن لو نضع السبع سنوات الماضية من الأزمة تحت رؤية العين المجردة نرى بأن هذه المؤتمرات لم تكن سوى صفقات بين القوى الإقليمية والدولية المتصارعة على حساب المأساة السورية، وهنا لا نغفل بعض الردود والتصريحات الدولية بشأن حل الصراع في سوريا لكنها لم تُدرج كقرارات فعلية في المحافل الدولية بل بقيت ردود آنية لا أكثر.

 وهنا أشير لموقف دولة الإمارات العربية المتحدة التي أكدت على ضرورة وضع حد نهائي للصراع من خلال حل سياسي شامل يؤدي إلى استقرار المنطقة برمتها، كذلك الأمر بالنسبة لموقف الجامعة العربية، لكن لو تأملنا الدور التركي طيلة السنوات السابقة وحتى اللحظة وموقفها من الأزمة السورية؛ لم نجد أية موقف أو دور إيجابي صَدر عن النظام التركي، وليست لها أية مواقف واضحة بالنسبة للحل السياسي وهي تستفيد من حالة التشرذم والانزواء بين المتصارعين السوريين لدرجة أصبحت الراعية الأساسية لملف الأزمة السورية إلى جانب روسيا وإيران من طرف إلى جانب الولايات المتحدة، من هنا فأن موقف تركيا من الأزمة يتحدد بمدى قدرة النظام التركي على إحكام السيطرة على ملف الأزمة ليتحكم به وفق ما يرتسم في مخيلة القادة الاتراك وفي مقدمتهم الرئيس التركي أردوغان الذي يحاول وبشتى الوسائل تطبيق مشروعه العثماني العابر للحدود والقارات بصبغة اسلاموية أخوانية، وهنا تبدو خيارات تركيا بالغة التعقيد على رقعة الشطرنج السورية؛ وهي تعتمد بمجملها على المجموعات الإرهابية، وبعض الأجندات المرتبطة بالقوى الدولية، لذا فهي متوجسة من شركائها في الناتو وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، ومضطرة للتفاهم والاتفاق مع خصمها التقليدي روسيا والنظام السوري والإيراني في سبيل تحقيق أجنداتها في المنطقة عموماً وفي سوريا خصوصاً، لذا هي غير قادرة على تحمُّلِ وجود أي مشروع سياسي ديمقراطي في المنطقة يقف بوجه أطماعها وأجنداتها، خاصة إذا كان جوهر المشروع الديمقراطي حل القضية الكردية في سوريا ضمن إطار حلٍ سياسي شامل للأزمة السورية.

وهنا نجد بأن تركيا تواجه تناقضات حادة في سياستها الداخلية والإقليمية والدولية، وبالتالي على الدولة التركية أن تتعامل بشكلٍ سَويٍّ مع الأزمة السورية وأن تكون جارةً وادعةً لسوريا وللشعب السوري لا أن تستغل السوريين والظروف التي تمر بها سوريا لخدمة سياساتها التي لا تخدم حتى الشعب التركي الذي يتعرض لأزمة اقتصادية وسياسية بسبب التدخل السلبي لنظامها في سوريا.

 من هنا فالتعويل على الموقف التركي أو أية مواقفٍ أخرى لا تخدم المصلحة السورية سيكون بمثابة كارثة حقيقية وستفتح الأبواب على مشاريع تقسيم واقتسام، وهذا سيؤدي إلى مزيدٍ من الصراع.

من هنا فالرهان على المواقف الإقليمية والدولية لن يفضي إلى حل الأزمة في سوريا، فالحل يكمن في حقيقة تقبل الأطراف والتيارات السورية لبعضهم بعضاً، وخلق مناخ من التواصل الإيجابي فيما بينهم وفق آلية حوارٍ بنَّاء يفضي بالنتيجة لعقد اجتماع موسع لكافة الأطراف السورية على طاولة حوارٍ موسعة تضع سوريا في أولويات أعمالها وأهدافها واعتقد بأن هناك مناخ مناسب في شمال شرق سوريا لمثل هذه الرؤى، ويمكن تطويره ومساندته بالوسائل الكفيلة من قبل كل الأطراف التي تضع الحل السياسي الديمقراطي السوري نُصبَ أهدافه وتطلعاته.

زر الذهاب إلى الأعلى