مقالات

استراتيجية القوى وافتعال الحروب للهيمنة العالمية

نعيمة حسن

الأحداث دائماً تحتاج لمسببات مثلما هي الفيضانات والزلازل والهزات الأرضية تكون نتيجة طبيعية لتفاعلات تحت طبقات الأرض أو في السماء كذلك الحروب والدمار وحتى بعض الأوبئة والأمراض وتغييرات كثيرة تشهدها البشرية والطبيعة. المسبب هو الانسان وتحديداً القوى التي تدير العالم.

الحروب والانقلابات وكثيراً من الإبادات والمجازر وتشكيل مجموعات وفصائل إرهابية ومتشددة تطرفية تخلقها الفكر البشري المهيمن والسلطوي بهدف تشديد قبضتها القدرية على الشعوب والمجتمعات البعيدة عن عالم السياسة وألاعيبها القذرة التي تحاك وتنسج لتغيير أقدار وأفكار الشعوب باتفاقات سرية وتبعية ممنهجة من قبل الانظمة المتعاونة معها والمتحالفة مع الاقطاب المستفيدة من نشر الفوضى الخلاقة لتعيد تشكيل المنطقة أو العالم ورسم خرائط جديدة حسب رؤى مصالحها المستقبلية وزيادة اسواق اقتصادها وتصريف منتجاتها العسكرية المدمرة.

الأحداث الدرامية التي شهدها التاريخ الحديث كثيرة، وقد نسجت خيوطها بعناية فائقة من قبل مهندسي السياسة الامبريالية ومؤسسي الرأسمالية وأكثر هذه الكوارث والحروب والمجازر والابادات المدبرة هي بتخطيط واتفاقات ما بين الدول الكبرى أو القوى العظمى في القرن العشرين الذي امتلأ بتلك الكوارث والاحداث المدبرة أبرزها الخطة الأمريكية خلال الحربين العالمتين وخاصة الثانية التي نأت أمريكا بنفسها بعيداً عن ساحات الصراع وكان موقفها موقف المتفرج وبعد انتهاء الحرب وإنهاك الدول الاوربية في تلك الحرب المستنزفة لتقوم أمريكا برمي شباكها السياسية على جميع القوى المنهكة في القارة الأوربية وصيدها سياسياً واقتصادياً وربطها وتقييدها باتفاقات وقيود لم تتمكن من فكها والتخلص منها حتى يومنا الراهن، يتم التضخم الاقتصادي والهيمنة على حساب أوربا والعالم أجمع.

أما الأحداث القريبة والتي نعيش اليوم بصددها أدت لوصول الدول القومية في الشرق الأوسط إلى طريق مسدود نتجت عنه حروب أهلية وإقليمية ودولية، والشعوب هي دائماً الضحية والوقود للحرب المدبرة والمفتعلة من قبل هذه الدول.

ومثلما الأنظمة في الشرق الأوسط هي نتيجة وصنع الامبريالية كذلك الحكام التي على رأس هذه الأنظمة تعمل وفق السيناريوهات الموضوعة حسب التوجه الذهني المهيمن والمدشن بالتبعية اللانهائية للقوى التي حولت هذه الدول لمعسكرات ومعتقلات لقتل وتعذيب شعوبهم دون أدنى شعور بالمسؤولية والإنسانية بذلك تعلن البدء بانتهاء حقبة أو مدة الصلاحية لهذه الانظمة وكانت أفغانستان بداية فتح الابواب للدخول إلى الشرق الأوسط وبدأت بالعراق والقضاء على الحاكم المستبد (صدام حسين) ولأنه صنيعة الدول الامبريالية وبأمر منها قام بشن الحروب على إيران في ثمانينات القرن العشرين وبعدها الإبادة بحق الشعب الكردي وانتهاء بالهجوم على الكويت واحتلالها هي أحداث دراماتيكية من كتابة وتأليف الدول والقوى العالمية الامبريالية لتتمكن أمريكا من إيجاد موطئ قدم لها في الشرق الأوسط وتعيد رسم الخريطة من جديد وفق ما تقضيه مصالحها في المنطقة، ولإتمام السلسلة لتطويق المنطقة بعد حرب العراق كان الهدف تونس التي بدأت الشرارة الأولى من جسد (محمد البوعزيزي) في 17 كانون الأول 2010، وحتى تلك الشرارة قد تكون وراءها أياد خفية متعمدة لنشر الفوضى في المنطقة برمتها ولنقل تلك الفوضى من دولة لأخرى التي اطلق عليها الشعوب العربية اسم (الربيع العربي) هي أبعد من أن يكون أمراً طبيعياً وإلا لكانت أنظمة أخرى في ركب حروب هذا التغيير الذي يبدو الشعوب هي التي تثور من تلقاء نفسها ..

وأن الفكر السلفي المتطرف والمتشدد نتيجة طبيعة لاستخدام النظام القوة ضد شعوبها وحين تشكيل الفصائل المتطرفة في سوريا كانت لغرض؛ وهو لمحاربة القوة التي لم تحسب القوى العظمى لها حساب ولم تكن من بين السيناريوهات التي حضرتها مسبقاً وبذلك سارعت تلك القوى بعد أن أدركت العمق والإرادة والإيديولوجية التي يتحلى بها هذه القوى المنظمة المولدة من رحم الشعب الكردي في شمال وشرق سوريا – روج افا، وبذلك قررت إعطاء الدور لتركيا من الشريط الحدودي في الشمال بإرسال الفصائل الإرهابية لمحاربة هذه الإيديولوجية والإرادة التي جاءت من خارج ملفات القوى العظمى ومؤلفاتها فكان الهجوم الذي جاء بتدبير منهم على مدينة كوباني بعد فشل جميع الهجمات والمحاولات على سري كانيه بتعاون ودعم تركي دولي أمريكي، فما كان من الأخيرة سوى تبني ولو شكلياً ومصلحياً من قبل التحالف ودعم هذه القوى التي تملك أقوى سلاح هو الفكر والإرادة الحرة القوية غير أن التحالف لم يكن أن يحد من استمرار تلك القوى ومواصلة اجنداتها في المنطقة وهذه كانت واضحة في تعاملها وعدم الاعتراف المباشر، ومن الطرف الآخر لم تنقطع التهديدات التركية بهدف محاربة الكرد الرافضين التبعية للقيود من أي طرف كان واتبعت سياسة تجميعية مع جميع الموجودين من اللاعبين على أرض المسرح السوري لتقوم هذه الأطراف بالتعامل بازدواجية في سياساتها وخلط الأوراق وضرب القوى ببعضها، فكان الاتفاق الروسي التركي والإيراني تحت أنظار أمريكا أو القول دور أميركي من وراء الستار التركي في احتلال عفرين وارتكاب المجازر والإبادة بحق الشعب الكردي.

وسط صمت العالم بأسره وكأنه اتحد في حلف واحد ضد الشعب الكردي لتكتب قدره من جديد في تاريخ هذه الدول المتلاعبة بأقدار الشعوب وتحديد مصيرها كما تشاء لتأتي المحاولة أو الاتفاقية التالية لتمزيق الجسد الذي كونه الكرد ورسموا لوحة من ألوان الاحمر الممزوج بلون التراب هذه المرة باتفاق وتوافق تركي، غربي (أمريكي) ضد المكونات الموجودة، هي حروب مفتعلة غير منتهية على الشعوب وخاصة الجبهات التي تنهض بالشعوب والإنسانية وتتوجه بوجهتها لخط بعيد عن تلك المرسومة في خائط هذه الدول، واليوم الصراعات في منطقة الشرق الأوسط تتوسع والحروب خططها جاهزة والضحايا من المجتمعات، لتنجرف قسم منها في الاعيبها بدور الممثل ومنهم البطولة في أحداثها الدرامية والتراجيدية وآخرون تجرفهم السيول التي تسببها هذه الدول أو التحالفات، والكرد اليوم يبحرون عكس تيارات القوى الموجودة وهذا ما لا تريده هذه القوى لتلجأ إلى طرق وسبل كثيرة للتفكيك والسيطرة على الايديولوجية الوليدة من جوهر شعب قد طوى عليه التاريخ صفحاته في زواياه المظلمة واصبح مصدر قلق لهذه القوى العالمية أجمع ولتشرع في التكتيكات والإسراع في جولاتها المكوكية وما تقوم به من اجتماعات مع الأطراف وأبرزها الدولة التركية وحكومة الإقليم التي تصرح بأنها تدعم حقوق الكرد في (روج آفا) وهي التي تحالفت دائماً مع الحكومات التركية المتعاقبة لمحاربة أي طرف كردي وخاصة الحركة الكردية التحررية في شمال كردستان، والمغزى ما هي إلا مناورات سياسية تحمل في طياتها رسائل واشارات استفهامية والسؤال ما هي المؤامرات التي يحضرون لها في الخفاء وتحت الطاولة والاجتماعات المغلقة بين جميع هذه القوى وعلى رأسها الامبريالية وتركيا وروسيا والجانب الكردي المتمثل في حكومة إقليم كردستان أو القومية الكردية الرجعية الثائرة على نهج تشتيت الشعب الكردي.

زر الذهاب إلى الأعلى