مقالات

اردوغان وحصان طروادة أو خلع مسمار جحا؟!

ياسر خلف

لطالما كان اردوغان يستفيد من تناقضات السياسة الدولية وخاصة بين أمريكا وروسيا لكن هذه المساحة التي كان يلعب فيها اردوغان يبدو أنها قد وصلت إلى طريق متعثر ولم يعد بالإمكان الاستمرار فيها فما يجري في إدلب وحلب وتقلُصْ المساحات المتبقية التي كانت تسيطر عليها المجاميع الإرهابية  المؤتمرة من تركيا ورئيسها اردوغان، وكان متوقعاً  منذ أن بدأت  اتفاقيات خفض التصعيد في الشمال السوري والمصالحات في الداخل والجنوب، ويعود سبب تدهور الأوضاع في معاقل مجاميع الإرهاب في ادلب إلى السياسة الخاطئة التي اتبعتها تركيا وإلى ارتهان مجاميع الائتلاف وفقدانها لإرادتها وقرارها السياسي. فبعد أن كانت تسيطر على أكثر من 60% من الجغرافية السورية فهي الان لا تستحوذ على 1%  فما لم تدركه  ما تسمى بالمعارضة السورية في رهاناتها على المحتل التركي أنها تنازلت حتى عن شرفها وتركت كرامتها منذ ركوبها الباصات الخضراء وسيرها نحو خطوط اردوغان الحمراء التي أصبحت تتهاوى الواحدة تلو الأخرى. فما بات واضحاً أنّ منظور الرؤية بخصوص الأزمة السورية بين كل من تركيا وروسيا لم يكن مبني على أسس استراتيجية طويلة الأمد ولكن منذ البداية كان عبارة عن صفقات مبنية على مصالح مرحلية.

فرغم محاولات كل طرف إظهار التوافق والوئام إزاء الطرف الآخر؛ لكن حقيقة الأمر هو خلاف ذلك تماماً فروسيا كانت واقعية وأكثر وضوحاً رغم كل صراخ وعنتريات اردوغان  فاتفاقات الأستانا وسوتشي كانت صكوك إذعان مكنت روسيا من خلالها استعادة سيطرة النظام على مجمل مناطق خفض التصعيد، وبالتالي جعل انتصاره العسكري انتصاراً سياسيّاً وتعويم وشرعنة للنظام. فيما توهمت تركيا أو بالأحرى أوهمت مجاميعها الإرهابية أن هذه الاتفاقيات طويلة الأمد، وأنّها جزء من الحلّ السياسي لإحداث تغيير سياسي في بنية الحكم في سوريا وأن دون ذلك هو إخلال بهذه الاتفاقيات.

فما يمكن استنتاجه من سير الموجهات الميدانية في كل من ريفي حلب وادلب يبين بوضوح المأزق الكبير الذي وُضع فيه اردوغان فرغم لغة التهديد والوعيد وحشد جيشه؛ يبقى النظام وبدعم وإسناد مباشر من روسيا يتقدم بوتيرة سريعة نحو فرض سيطرته الكاملة وحصار ادلب المدينة وتأمين محافظة حلب ونجاحه اللافت في تامين الطريق الدولي m4 -m5

يبدو أنّ الرهانات على موسكو مجدداً والذهاب إلى تفاهمات جديدة باتت صعبة المنال ويتحتم عليها (تركيا) تنازلات مؤلمة فلم يعد بالإمكان اللعب على التناقضات وخاصة بعد فشل المفاوضات الأخيرة التي جرت في موسكو ولعلّ ما يجعل اردوغان يتحسس الخطر ويتجرع المرارة أكثر هو بقاؤه وحيداً بدون حلفاء نتيجة لسياسة العداء التي اتبعها إزاء معظم الدول الاقليمية والعربية والغربية.

فتركيا باتت تدرك تماماً أنها لن تستطيع تنفيذ شيء من تهديداتها لذلك نراها تستنجد بحلف الناتو وتغازل أمريكا فهي تعلم جيداً أن مجابهة الروس على أراضي سوريا غير ممكنة بدون غطاء من أمريكا والناتو وهي تبدو بعيدة المنال على المدى القريب فرغم التصريحات الامريكية الإعلامية التحريضية لكنها أوضحت أن تركيا أخطأت بوثوقها بروسيا وخالفت سياسة حلف الناتو وامريكا بشرائها صواريخ (اس 400) وغزوها لشمال وشرق سوريا كما أن تصريح الرئيس الفرنسي كان واضحاً بهذا الخصوص وهو مؤيد للخطوات الروسية التصعيدية تجاه المجاميع الإرهابية في ادلب.

يبدو أن الروس والنظام سيمضون في تنفيذ مقررات سوتشي السرية والعلنية وتركيا طرف فيها مهما تعالى صوت أردوغان الذي يدرك الجميع أنها لا تعدو سوى فرقعات لخداع وإسكات الرأي العام التركي الذي لم يعد يعرف من أي جهة سيستقبل جثامين قتلاه المتوافدين من مناطق قنديل، أو شمال كردستان، أو في مناطق سوريا المحتلة، وعفرين أو إدلب ووصولاً إلى ليبيا. ليس أمام أردوغان للحفاظ على ما تبقى من ماء وجهه وجيشه ونظامه وحزبه إلا تجرع السم واعتبار تهديداته وكأنها لم تكن، والبحث عن حصان طروادة كأن يتم بيع المجاميع بتشكيل لجان للمصالحات وتسليم تلك المناطق شكليا إلى الشرطة المحلية التابعة للنظام وللشرطة العسكرية الروسية بدلاً عن الجيش النظامي والميليشيات المرادفة له كما حدث في درعا وحمص وحلب وريف دمشق؛ ثم الدخول في جولة جديدة من المفاوضات التي مهَّدَ لها جاويش أوغلو مؤخراً بالقول: إن اتفاقيات سوتشي واستانا باقية وستبقى. لأنه ورئيسه يدركان تماماً، بأنها قشة النجاة الأخيرة لسفينته التي بدأت بالغرق، والحفاظ على مسامير جحا (نقاط المراقبة) التي ستُخلع الواحدة تلو الأخرى مُكرهاً دون أن يستطيع الرد وذلك لأسباب تعود للاحتفاظ بنفوذه في مناطق عفرين وسري كانية وكري سبي والباب وجرابلس  لأطول أمد ممكن وأن اضطر للتنازل عمن تبقى من مجاميع المعارضة. فبعد ادلب ستتجه الانظار لقطع كافه خطوط الامداد وإخلاء المناطق المحتلة من قبل تركيا ومرتزقتها؛ فخارطة التحالفات لم تعد تسير كما يرغب اردوغان فهناك مفاوضات تجري بإشراف من الروس بين الإدارة الذاتية والنظام وقد تنتهي بتوافق ينهي ما تبقى من آمال اردوغان كما يبدو أن زيارة ممثل أمريكا جيمس جفري الأخيرة الى مناطق الإدارة الذاتية وزيارة عضو الحزب الجمهوري في الكونغرس الأمريكي ورئيس لجنة التسليح في الكونغرس رالف أبراهام (Ralph Abraham) وعدد من مرافقيه القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي تصب في ذات المنحى وإن كان بالاتجاه المغاير وبالنتيجة ستكون هناك تفاهمات وتوافقات جديدة لن تكون لمصلحة تركيا وقد تفقد كامل مناطق نفوذها التي احتلتها سواء في غرب الفرات وشرقها.

زر الذهاب إلى الأعلى