مقالات

إيران و الإخوان… تناقضٌ في الأيديولوجية وتوافقٌ في المصالح

قهرمان مامد

“دولةٌ وحركةٌ” اسلاميتان راديكاليتان متمثلتان في إيران الشيعية وحركة الإخوان المسلمين السنية السلفية. لعل للوهلةِ الأولى توحي التسميات بأن الطرفين على نقيض تام في الرؤى والمصالح والعقيدة والمذهبية بحكم الخلاف والشرخ الشديد الذي كان سببه سياسياً في الإسلام بين السنة والشيعة بعد وفاة الرسول (ص).

“لكن عندما تتقاطع وتتلاءم المصالح في الاستراتيجية يتم التغاضي والتناسي والتغافل عن التناقض في الايديولوجية!”

هذه هي الحال لِما يمكن اعتباره الحالة الغرامية السياسية الايرانية مع الحركة الاخوانية، فهدف كلاهما هو السيطرة والهيمنة على العالم الاسلامي والعربي، وإن تحققت أهدافهم في ذلك؛ فبكل تأكيد ستعود الخصومة والحالة العدائية المذهبية بينهم من جديد.

تعود العلاقة تاريخياً بين إيران وجماعة الإخوان الى العام 1938 حيث كان هناك تبادل في الزيارات بين رجال الدين الشيعة مع حَسن البَنَّا مؤسس جماعة الاخوان مع سيد قطب، وفي أعقاب نجاح ثورة الخميني في إيران على الشاه رضا بهلوي؛ ذهب وفد إخواني إلى ايران لتهنئة الخميني بنجاح ثورته متمنين منه أن تنتشر مكتسبات هذه الثورة على كافة البلدان الإسلامية والعربية لأنها ذات طابع ثيوقراطي إسلامي.

كما تُرجم هذا التعاون آنذاك بنشر كتابات القيادي الإخواني سيد قطب والأدبيات الإخوانية في إيران؛ حيث قامت الحوزات العلمية في مدينتي قُمْ ومَشْهَدْ بترجمة ونشر عدد من الكتب الإخوانية وأُعيد طبعها عشرات المرات.

لحركة الاخوان المسلمين باع طويل في العداء والضغينة والحقد المؤدلج ضد الأنظمة العربية سواءً الديمقراطية منها أو الدكتاتورية فكلا المصطلحين أو الحالتين تشكلان حالة عداء وخلاف جوهري مع أدبيات وأيديولوجيات جماعة الإخوان، فهي تناقض الديمقراطية وتعتبرها ضرباً من ضروب العلمانية الغربية المعادية للدين الاسلامي؛ لذلك تحاربها وتنادي بتطبيق مفاهيم وتعاليم شرع الإسلام وحكم الإسلام السياسي على كل المجتمعات الشرق أوسطية وعلى كل مكوناتها الاثنية والطائفية والدينية بمفهوم حكم الأغلبية الاسلامية على منطقة الشرق الاوسط؛ وفي نفس الوقت هي على نقيض تام من الانظمة الدكتاتورية وتحاربها ليس لغاية تخليص الشعوب من تلك الانظمة بل هدفها هو الهيمنة والسيطرة على السلطة في البلدان العربية والاسلامية وتحويلها إلى ولايات إسلامية سياسية راديكالية لا تتناسب مع بنية مجتمعات الشرق الاوسط.

خلال ثورات الربيع العربي تسلقت الحركة الاخوانية مسرح التغييرات البنيوية المجتمعية في مصر وتونس وليبيا وأيضاً في سوريا، وسرعان ما حوَّلت هذه الثورات التي نادت بالحرية والديمقراطية للشعوب المقهورة إلى ثورات دمرت الواقع السياسي والاقتصادي والمجتمعي وغيَّرت المعادلة التكوينية للمنطقة، وجذبت من كل أصقاع الأرض الجهاديين والسلفيين والإرهابيين، ونادوا بأحقيتهم للتحكم برقاب الشعوب وإعادة الخلافة الاسلامية إلى كل البلدان العربية والشرق أوسطية.

إيران وكما قلنا في المقدمة على نقيضٍ تام مع الإخوان من حيث الأيديولوجية إلا أنها دعمت هذه الثورات ومدَّت أواصر التواصل مع إخوان مصر واخوان تونس وليبيا وقدمت التسهيلات لزعماء الحركة، وما إن سيطر الاخوان على مصر بعد سقوط حكم حسني مبارك، هنأ المرشد الأعلى خامنئي نجاح ثورة 25 يناير و ترأس الإخواني محمد مرسي سُدَّة الحكم وسرعان ما مدَّ يده لإيران وتبادل الغزل والشكر ومتّن العلاقات الدبلوماسية معها، وقام بزيارة إيران في 2012، إلى حين سقوط حكم الإخوان مرة أخرى بانتفاضة شعبية مضادة في 30 / حزيران يونيو.

والأمر مثله في ليبيا وتونس عندما تسنم الاخوان مراكز قيادية في كلا البلدين ومدوا  أواصر التواصل مع ايران.

والحال مثله في فلسطين حيث تدعم إيران حركة حماس المقرَّبة من حركة الإخوان مقابل حركة فتح المقربة من الدول العربية.

كذلك تركيا وبدورها التخريبي المُعتاد دخلت على خط هذا التحالف وقامت بتمتين هذه العلاقة المصلحية بين النقيضين وعقدت مؤخراً العديد من الاجتماعات بين جماعة الاخوان وقياديي الحرس الثوري الايراني في تركيا كان أهمها في ابريل من العام 2014 والقاسم المشترك الأكبر للثلاثي هو مواجهة السعودية ومصر وزعزعة أمن المنطقة.

إذاً إيران وعلى الرغم من الخلاف الطائفي والأيديولوجي والعقائدي مع حركة الإخوان السنية إلا أنها تعتبر الحركة ورقة ضغط مهمة على الأنظمة العربية خاصة الخليجية لتزعزع بها التركيبة السياسية والمجتمعية في هذه البلدان وتزعج بها المزاج السياسي لتلك الأنظمة لتستطيع بذلك تحقيق أهدافها الاستراتيجية السياسية والأيدولوجية.

والأمر نفسه لدى حركة الإخوان فهي تحاول أن تستغل الدعم السياسي والاقتصادي والنفوذ الايراني القوي لتحقيق أهدافها.

لهذه الأسباب والقواسم المشتركة تُطبق إيران والإخوان بينهما مقولة “عدو عدوي صديقي”!

لذلك نرى في هذا التناقض والتوافق حالة من حالات عالم الغرائب السياسي، والتي تستحق التمعن والوقوف عليها، وتحليل مدى وصول عقليات هذه الدول والحركات إلى مرض السلطة وشرورها المستفحلة في المجتمعات والهيمنة الاستعمارية والنفوذ غير الشرعي على مقدّرات الشعوب فتستمر بذلك دوامة الصراعات الطائفية والسياسية والمجتمعية.

زر الذهاب إلى الأعلى