مقالات

إنهاء الحقبة الاخوانية هل تضع الثورات العربية في مسارها الشعبي المدني؟

ياسر خلف

يبدو أن الإيقاع الثوري الشعبي الذي بدأ من تونس الخضراء مروراً بمصر وليبيا وانتهاءً بسوريا كان بحاجة لثورةٍ وانتفاضةٍ شعبية على من حاول سرقة الثورات وتسلق على مطالبها المحقة بإسقاط الدكتاتوريات لبناء مجتمعات مدنية ديمقراطية تعددية يسودها العدل والمساواة للوصول إلى الحرية والعيش بكرمة.

بداية يتعين تأكيد حقيقة أن ما حدث من ثورات شعبية تلقائية وفريدة في نوعها شاركت فيها حشود بشرية هائلة وغير مسبوقة في معظم دول “الربيع العربي” وأن هذه الثورات الشعبية التي استجابت لها جميع الفئات الشعبية والتي اختطفها “الإخوان المسلمين” في ظروف ملتبسة وبدعم وتوجيه خارجي كان مركزها دويلة قطر وتركيا برئاسة مرشدهم الفعلي أردوغان.

هاتان الدولتان المارقتان اللتان لم توفرا جهداً في تأجيج الصراعات الطائفية وتغذية جانبها المتطرف الذي تحول في ما بعد إلى إرهاب دولي متنقل يستخدمه سلطان الإرهاب أردوغان لضرب أمن واستقرار الدول التي تعارض سياسات ومخططات الدولة التركية (العثمانية الجديدة )، وهذا التوجه الخطير أكدته معظم المنظمات الحقوقية الدولية ووثقته معظم التقارير الميدانية في مناطق الصراع ابتداءً من مصر وانتهاءً بليبيا وسوريا وأرمينيا وأفغانستان التي نقلت إليها المجاميع الاخوانية المرتزقة بدفع وتوجيه مرشدهم وسلطانهم الفعلي اردوغان، وبدعم وتمويل قطري واضح ومكشوف لتُدفع ثمن تطرفهم وإرهابهم دماء آلاف الضحايا من شعوب ومواطني هذه الدول.

هنا أدركت معظم شعوب المنطقة أن ثوراتها وحِراكها المدني قد سرقت منها وتسلقها الانتهازية الاخوانية الإرهابية وأصبحت هذه الثورات رهينة تطرف الاخوان وشذوذهم الفكري الأيديولوجي القائم على إنكار كل ما هو جميل ووضعته في خانات التحريم والتكفير والزندقة، ولعل الجواب على السؤال الذي قد يخطر ببال الكثيرين لماذا سقط حكم “الاخوان المسلمين” ــ أو من تسلقوا ثورة الشعب المصري ــ بعد عام واحد، والإجابة يعرفها بالطبع كل من تابع تطورات المشهد المصري إبان الحكم الإخواني؛  فقد عانت أغلبية الفئات المدنية المصرية الإقصاء والترويع وعدم الأمان والاتهام بالتكفير في وقت فشل فيه النظام الاخواني بشكل كامل في تلبية الحد الأدنى من الخدمات الأساسية للمواطنين ولم يقدم أية رؤى أو تصورات تؤشر إلى إمكانية الخروج من هذا النفق المظلم مستقبلاً.

اقتنعت أغلبية الشعب المصري بعد عام واحد بأن لا أمل في الخروج من هذه المأساة والتطرف الفكري إلا بنزع الشرعية من جماعة الاخوان الإرهابية حيث أيَّدت هذا التوجه وساندته المؤسسة الوطنية للجيش المصري لينتزع مجدداً الشعب المصري حريته وكرامته من براثن التطرف ولينقذ وطنه وترابه من خطر الانزلاق لحرب أهلية وطائفية كان قد خُطط لها في دوائر الاستخبارات التركية وبتمويل كامل من دويلة قطر وهذا كان واضحاً في خطابها الداعم لجماعات الاخوان عبر منابرها الدعائية والإعلامية وخاصة قناة الجزيرة القطرية، ولعل السؤال القائم الذي يمكن أيضا الإجابة عليه بوضوح هو هل حقق القضاء على جماعات الاخوان في مصر المطالب الشعبية في إرساء أوصر السلام والأمان والاستقرار في مصر؟ والإجابة حتماً سيتكون من خلال ما شهدته مصر من عودتها إلى دورها الريادي في قيادة العالم العربي والزخم الشعبي الواسع الذي يؤيدها ونجاحها في لجم المخططات التي أرادت استهداف أمن الدول العربية وخاصة في ليبيا.

وهذا النجاح والتأييد الشعبي كانت له انعكاسات على المحيط العربي برمته وهذا ما نلاحظه من  الأحداث الأخيرة الدائرة في تونس التي تشهد ثورة استقلال جديدة عبر إنهاء حكم الاخوان أسوة بمصر للتخلص من إرهابهم وتبعيتهم للأجندات الخارجية وعملهم لصالح أجندة التنظيم العالمي للإخوان وليس وفق أجندة وطنية، وارتكابها جرائم كبيرة بحق التونسيين كما تجاوزت جرائمهم الحدود لتطال دولاً إقليمية خاصة ليبيا التي وقعت فريسة لأطماع تركيا التي سهلت وفتحت حدودها كممرات لنقل السلاح والمرتزقة إلى الداخل الليبي، بينما في الداخل فشلت في تحقيق أي وعود انتخابية لتكون بالنتيجة صفر إنجازات وصفر خدمات كما تسببت في انزلاق البلاد لمنحدر الاغتيالات السياسية والتحارب وتغذية الإرهاب و جر البلاد إلى أتون حرب أهلية وهو ما كان يطغى على جميع مناقشات البرلمان لحدود وصلت إلى الاعتداءات الجسدية والتصفيات السياسية حيث كانت جميع سياسات حركة النهضة هي في كيفية الاستحواذ على جميع مفاصل السلطة؛ الأمر الذي بلغ ذروته عقب اختلاق صراع مع الرئيس التونسي قيس سعَيِّد والمساعي الحثيثة من جانب الحركة لسحب الصلاحيات الدستورية من الرئاسة وعزله فضلاً عن احتدام الأزمات مع القوى السياسية والحزبية ومحاولة اختراق وتطويع المؤسسات وفي مقدمتها القضائية تماماً كما فعله ملهمهم ومرشدهم وسلطانهم الفعلي اردوغان.

إن ما يمكن التأكيد عليه هو أن عجلة التغيير ستطال مجدداً معظم دول الحرك الثوري في الشرق الأوسط وخاصة الدول العربية، وأن استئصال الكتلة السرطانية الاخوانية باتت ضرورة وطنية ومطلباً شعبياً جامحاً وعاجلاً ولم تعد تتطلب التأخير، وما شهدته مصر ومن بعدها تونس سيلتحق في ركبها كل من ليبيا وسوريا وإن كانت بوتيرة أكثر سرعة في ليبيا، وهنا ينبغي التنويه أن سوريا لم تكن أبداً استثناءً من هذه القاعدة والتوجه الثوري ولكنها كانت سباقةً في محاربة التطرف والإرهاب العالمي الذي يمثله جماعات الاخوان المسلمين وسلطانها الفعلي اردوغان حيث كانت لقوى الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا المتمثلة في قوات سوريا الديمقراطية الفضل في القضاء على جماعات التطرف والإرهاب الإخوانية المتمثلة بالنصرة وانتهاء بداعش والمتجسد حالياً بجماعات ما تسمى بالجيش الوطني التي تدعمها تركيا وقطر والتي باتت تشكل خطراً وتهديداً دائماً  ليس على الدول العربية وحدها إنما على الأمن والاستقرار العالمي بأجمعه، وما زال هذا الخطر والوباء السرطاني موجوداً وينبغي أن تتضافر جميع الجهود الدولية وفي مقدمتها دول الحراك الثوري العربي التي بدأت تتعافى وتدرك جيداً أن لا مستقبل ينتظر شعوبها ما لم يتم القضاء على رأس الإرهاب ومموليه، وعلى ما يبدو أن التوجه الدولي بات يخطو في هذا المنحنى عبر حظر العديد من هذه الجماعات في كل من الاتحاد الأوربي ووضعها في قوائم الإرهاب في دول أخرى وفرض عقوبات على كيانات إرهابية مرتبطة بشكل مباشر بتركيا وقطر كما فعلت مؤخراً الولايات المتحدة الامريكية  بحق أحرار الشرقية  الذين قاموا بتصفية السياسية الكردية “هفرين خلف” بشكل بشع يرتقي إلى جرائم الحرب المباشرة والمقصودة.

زر الذهاب إلى الأعلى