مقالات

إرهاب الدولة التركية لن يثني أبناء شنكال للتنازل عن إرادتهم الحرة

ياسر خلف

إن الذين حاكوا المؤامرة ضد الوجود الكردي في شنكال وخاصة بعد أيام قليلة على مرور إحياء أبناء شنكال لذكرى الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها في الثالث من آب عام 2014 مازالوا مستمرين في الانتقام للإرادة الصاعدة وخاصة بعد التجربة المريرة لمأساة الشعب في شنكال وتبنيهم لإرادتهم الحرة التي تكللت في الإدارة الذاتية لشنكال وقواها المقاومة وإدراكها بشكل جيد أن هذه الإرادة هي وحدها القادرة على ردع أي عدوان واستهداف لوجودهم وما عاد بالإمكان أن تسلّم قدرها لأحد بعد الآن فالانتصار الحقيقي في شنكال لم يعد انتصاراً أو تحريراً عسكرياً فَحَسبْ بل أصبح انتصاراً لإرادة الوعي المجتمعي ورغبة صلبة في استرجاع أصالة شنكال وكرامتها التي فُقِدت نتيجة الهيمنات السلطوية والعقليات العشائرية الفئوية المنفعية التي تركت شنكال وحيدة في أول مواجهة مع قوى الظلام حيث يمكننا الجذم أن هذه الفئات العشائرية والسلطات النفعية كانت من المشاركين في هذه المؤامرة القذرة على الشعب الكردي في قضاء شنكال، ولا تزال مستمرة في نهجها الغادر والحاقد على كل شخصية مقاومة منذ درويش عبدي ومروراً بمام زكي وزردشت .. .. وانتهاءً بمام سعيد حسن الذي تم استهدافه من قبل طيران المحتل التركي التي تتخذ من أماكن عدة في دهوك وهولير مقراً لاستهداف شنكال، وهذا العدوان السافر من قبل دولة الاحتلال التركي ليس وليد اللحظة فهو مستمر منذ ما قبل توجيه داعش إلى شنكال وأصبح أكثر ضراوة بعد هزيمة ربيبة تركيا “داعش” على يد أبناء وبنات الشعب الكردي في شنكال.

دون شك إن ما واجهه الشعب الكردي الإيزيدي كان مؤلماً وخاصة الخيانة التي تعرضوا لها من قبل الحامية العشائرية التي تركتهم لمصيرهم وقد خلّفت أثراً عميقاً لا سبيل لزواله في تاريخهم أو ماضيهم بعد أن تُركوا وحدهم يواجهون قدراً أسوداً فرض عليهم بمنهجية وتخطيط خبيث وجهاً لوجه أمام داعشية متعطشة للدماء والقتل والسبي.

فلقد احتموا ولاذوا  بجبلٍ أجرَدٍ يُذوِّبُ أشلاءهم مما جعلهم يعيشون مع الموت والخوف والخشية من الفناء والاندثار يوماً بعد آخر، ولم يكن مستغرباً أبداً عندما بدأت الهجمات الإرهابية (الفرمان 74) في شنكال أن يهموا بالاستعداد للهجرة بدافع التفادي من المرور بإبادة جماعية، وهذا الأمر كان مخططاً له بشكل ممنهج ودقيق من قبل أقبية الاستخبارات الإقليمية خاصة بعد الاجتماع الذي جرى في الأردن  فقد أرادوا إنهاء الوجود الكردي في شنكال وسهل الموصل، لكن الشيء الذي تحوَّلَ إلى مفاجأة كبيرة لهم وأعطاهم الأمل من جديد هو وصول قوات وحدات المرأة الحرةYJA-STAR, قوات حماية الشعب HPG بالإضافة إلى وحدات حماية الشعب والمرأة YPG –YPJ، وتمكنها من فتح ممرِّ الأمل بين شنكال وروج آفا بأرواحهم وأجسادهم وأنقذت قرابة خمسمئة ألفٍ من الشعب الكردي في شنكال جُلُّهم من النساء والأطفال.

هذه الملحمة البطولية لأبناء الشعب الكردي المقاوم استعادت مجريات مأثرة درويش عبدي التي تحولت فيما بعد إلى نصرٍ مبينٍ ليس على داعش وحده ولكن على كل من سانده ووجهه ودعمه وخاصة تركيا التي اعتبرت الإرادة الحرة لشنكال وشعبها ومقاتليها المقاومين خطراً عليها، فعمدت إلى حياكة المؤامرات عبر عملائها ووكلائها أو بإبرام صفقات مع حكومة بغداد التي التزمت الصمت لما يتعرض له شنكال في انتهاك صارخ لسيادتها، والأنكى من كل هذا أنها متآمرة معها في هذا الاستهداف كنوع من الضغط لتسليم أبناء شنكال لإرادتهم مرة أخرى عبر ما سمي اتفاق بغداد بين البرزاني وحكومة المركز بأن يخضع شنكال إلى المركز تماماً كما تم تسليم كركوك للحشد الشعبي التي لم يستطع حمايتها والدفاع عنها ولتصبح مرة أخرى عرضة للإبادة والقتل والصهر.

ما يمكن التأكيد عليه وعلى الرغم من الاستهداف المتكرر للاحتلال التركي ووكلائه وعملائه للإرادة الحرة المتشكلة في شنكال هو أن المجتمع الشنكالي قد تخطى بتصميم لا مثيل له مرحلة الفناء والاستسلام للقدر، وبات يمتلك من الوعي السياسي  والإرادة الحرة وقواه الذاتية للدفاع والمقاومة والصمود في مواجهة كافة الظروف والمخططات التي تستهدف وجوده ورغبته في الحرية ــ وهو الشيء الذي بات يؤرق جميع القوى التي كانت تستغلهم في السابق ــ وأصبح قادراً على إدارة شؤونه بنفسه ككيان مجتمعي ومدني متماسك ومترابط بفكر وفلسفة الحياة الحرة التي تؤهله لنيل حقوقه المشروعة في ظل عراق اتحادي فيدرالي لا مركزي وهذه هي الحقيقة التي يتوجب على المجتمع الدولي والقوى الإقليمية والداخلية إدراكها واستيعابها ومساندتها كسبيل وحيد لحماية هذا الشعب العريق والأصيل والنظر إليه كأحد أقدم الديانات المسالمة في تاريخ البشرية على الإطلاق والتي من الضرورة الحفاظ عليها كموروث وثقافة أولية للحضارة الإنسانية المتراكمة منذ آلاف السنين.

زر الذهاب إلى الأعلى